حتى إشعار آخر، لم يتغير مفهوم الشرعيّة في العالم، ولم يتم كتابة مفهوم جديد لها. والشرعيّة العربية ليست استثناء. ومن المؤسف جدا أن يبلبل هذا الأمر إيران إلى هذه الدرجة الفاقعة. فهي تقاتل في سوريا بكل قواها لمنع سقوط الشرعية على الرغم من حجم الكارثة البشرية والمادية، في حين تعتبر مساندة الشرعية في البحرين عملا إجراميا. وهي تقاتل في جميع أنحاء العراق إلى جانب النظام، لكنها تعتبر الدفاع عن الشرعية في اليمن عملا معاديا للقانون. ولا أحد يعرف كيف ترى طهران الشرعية في زحف الحوثي على أنحاء البلاد، وتستنكر استنجاد الرئيس عبد ربه بالشرعية العربية؟
وقد صدف أن هذه الشرعية اجتمعت في مصر في الوقت الذي كان اليمن يستغيث من عدوان الخراب في الشمال وفي الجنوب، ويتحول إلى أزمة عربية ودولية كبرى. لا نفهم كيف تتحدث إيران عن الشرعية، أو كيف تفهمها. ولماذا بشار الأسد شرعي وعبد الملك الحوثي هو مثالها الأعلى. ولماذا حرق رجال الشرطة في البحرين شرعي. ولماذا الحديث عن سيطرة إيران الإمبراطورية على أربع دول عربية كبرى شرعي، وتدخل عشر دول لمنع انهيار اليمن غير شرعي. ولماذا كان يتعين على السعودية أن تتجاهل ما يجري على حدودها، فيما تناصر إيران كل الحركات المسلحة البعيدة عن حدودها. ولماذا التحالف الذي تقوده السعودية مذهبي، والمعركة التي يقودها قاسم سليماني مجردة من أي عصبية أو انتهازية أو مذهبية.
تحدث نائب حزب الله السيد نواف الموسوي عن «ازدواجية المعايير»، لكنه ربما كان يقصد أن المعايير تزدوج في جهة واحدة فقط، وفي جانب واحد، في حين أنها صافية نقية بهية في الجانب الإيراني، الذي لم يكف عن تحريك الحركات المعادية للشرعية في العالم العربي منذ قيام الثورة الإسلامية. لقد رفعت الجمهورية الإسلامية شعار الموت لأميركا وإسرائيل، لكنها خاضت جميع حروبها السياسية والعسكرية في العالم العربي. وكانت إيران تعرف أن أحدا من العرب لا يريد هذه الحرب، ولا يسعى إليها، ويتمنى نهجا آخر في العلاقة بين الطرفين.
لم يكن الجانب العربي هو الذي طالب، علنا، بأحقيَّته في التفوق وفي النفوذ. ولم يحرك العرب أي جبهة، أو جماعة، أو حزب، ضد إيران. ولم يصدر تهديد عربي واحد، بل عروض دائمة للمصالحة وحسن الجوار. وكان الجواب دائما واحدا وهو العنجهية المتمادية التي كان تصريح علي يونسي مجرد تعبير من تعابيرها.
الشرعية لها مؤسسة واحدة تفسرها: الأمم المتحدة. الحوثيون جماعة خارجة على القانون، وتهدد بسلوكها اليمن والعالم العربي. كل كلام آخر ثرثرة.
سمير عطا الله
الشرق الاوسط