هدى النعيمي*
المقدمة:
تشكلت مؤسسة الحرس الثوري (الباسداران) بعد انتصار الثورة الايرانية، ولعبت دوراً كبيراً خلال مرحلة الانقسامات التي صاحبت تأسيس الجمهورية الاسلامية، إذ تمكنت من فرض رؤى الخميني في تبني مبدأ “ولاية الفقيه” كنهج في الادارة والحكم.
وكانت مرحلة الحرب العراقية الايرانية ابان ثمانينات القرن الماضي، فرصة سانحة، لتعزيز مكانة الحرس وتقوية ادواره في المعادلات السياسية والعسكرية، واضحى يوصف بانهدولة داخل الدولة، فهو ثالث أكبر مؤسسة بعد الشركة الإيرانية الوطنية للنفط، وأوقاف الإمام رضا في مدينة مشهد شمال شرقي طهران، ومن اقوى المؤسسات تأثيراً، يتمتع بقيادة مستقلة، ولا يخضع إلا إلى تعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة ومن قبله الخميني، وتمتد انشطته العسكرية والاستخبارية خارج ايران، وعلى حد وصف احد قادته بانه “قادر على اقتحام الطرق المغلقة، وفتح العقد العمياء ومواجهة المخاطر والعقبات”.1
وستحاول هذه الورقة تبيان دور الحرس الثوري الايراني, على مستوى تصدير “الثورة الاسلامية” بنمطها الايراني الى خارج الحدود، وما اذا كان لفيلق القدس ذراع الحرس الثوري الخارجي، دور في مواجهة الحراك العسكري العراقي، الذي اندلع في 10 حزيران/ يونيو 2014.
نبذة عن الحرس الثوري الايراني:
جاء تشكيل الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الايرانية عام 1979، على خلفية حماية أهدافها، ومنع تكرار انقلاب عام 1953، الذي اجهض ثورة مصدق آنذاك، وحماية الجمهورية والحفاظ على “الثورة الإسلامية”، وإيجاد جيش ثوري مواز للجيش الايراني، الذي كان يُعتقد أن الكثير من ضباطه لم يتخلوا عن ولائهم للشاه، ويدور الهدف الرئيس من إنشاء الحرس حول جمع القوات العسكرية المختلفة، التي نشأت بعد الثورة في بنية واحدة موالية للنظام،وتصدير الثورة وحمايتها حسبما وضعها الخميني. وقد أضيفت إليه مهمات اخرى، أهمها حراسة المناطق الحدودية الحساسة والمؤسسات السرية، وحماية مضيق هرمز ومنع التهريب عبر الحدود، وتطوير نظم الصواريخ الإيرانية. وفي أيلول/ سبتمبر 2008، اتخذ المرشد الأعلى علي خامنئي قراراً بتحويل مسؤولية أمن الخليج من قوات البحرية التابعة للجيش الإيراني النظامي، إلى قوات الحرس الثوري للدفاع عن الخليج ضد أي هجوم أميركي محتمل.2
وبالنظر لأهمية الحرس الثوري في المؤسسة الامنية والسياسية، فان المرشد يختار شخصياً قياداته وعناصره الشابة، المتحمسة ليتم الضخ بها في معسكرات الثوار في مختلف أنحاء العالم لتدريبهم، على أداء المهام القتالية؛ التي لا تقف عند حد الدفاع عن البلاد, إنما يتخطاه إلى إقرار الأمن، وتعقب أعداء الثورة، وتعمير البلاد، والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج. ساعدت تلك الاجراءات الحرس الثوري في تأكيد مكانته وأهميته في صميم الأمن القومي الإيراني والسياسة الخارجية الإيرانية، وخاصة ما يتعلق منها بحلفاء إيران والأحزاب والجماعات الموالية لها، سواء من حيث التدريب أو الدعم اللوجيستي، أو التخلص من الخصوم.
واختلفت اراء الباحثين حول تأثيرات الحرس في عملية صنع القرار السياسي فمنهم من يعتبره مؤسسة ساعدت المرشد على ترسيخ سطوته والسيطرة على ادوات السلطة واحدة بعد الاخرى، واستطاع من خلالها قمع معارضيه وافشال خططهم. ويقول الباحث مهرزاد بروجردي ان مؤسستي “ولاية الفقيه” والحرس الثوري بحاجة الى بعضهما البعض. بينما يرى الباحث علي آلفونه أن الحرس لديه وجود عميق ومتنفذ في
المؤسسة الحاكمة، وعمله يعكس وجهة نظر المرشد،الذي اقام سلطته الكاملة على اساس تقديم الدعم للحرس الثوري، مما جعله رهينة بيد الاخير، معتبراً ان خامنئي ليست بيده القرارات النهائية.3
وبجهود الحرس الثوري، نجحت إيران في تشكيل الهلال الشيعي، الذي يمتد من إيران إلى شرق المتوسط مروراً بالعراق، مع تسلله الى اليمن حيث الحوثيين وفي مملكة البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية، بهدف تشكيل قوة إقليمية جديدة يمكنها تغيير التوازن المذهبي في المنطقة، وبما يسمح بتسيّد ايران وهي تخوض منافسة شرسة مع قوة سنية في المنطقة لتوسيع نفوذها، وبناء شراكات مع الحكومات المتعاونة معها مثل النظام السوري، وحكومة المالكي في العراق، والمنظمات العربية والاسلامية المعارضة لأنظمة بلادها كالجهاد الاسلامي وحركة حماس.
وبحسب العديد من التقارير ذات المصداقية، فان قوات الحرس الثوري شاركت في العديد من الأعمال الإرهابية في الجوار الاقليمي لإيران، وحتى في الدول الغربية، وكان واحداً من القضايا الحاسمة التي كشفت عنها وزارة الخارجية الامريكية بصدد تجدد ملحوظ حول رعاية ايران للإرهاب، من خلال الحرس الثوري وتحديداً فيلق القدس الذي يتبدى حضوره جلياً في العراق وسوريا. 4
وعلى هذا الاساس ينطلق مبدأ تصدير “الثورة الاسلامية” من المادة 11 من الدستور الايراني، والذي يحض الحكومة على تحقيق الوحدة، مع الدول الإسلامية الأخرى لإقامة نظام اسلامي عالمي، بدلاً من النظام العالمي القائم، لتحقيق رغبة رجال الدين في تصدير الثورة وتطبيق نموذجها الثوري على دول المنطقة، والعمل على دعم مكانتها الاقليمية، من خلال ادوات ضغط مؤثرة، من بينها حزب الله في لبنان
والميليشيات الشيعية في العراق، وسرايا الوطن ولجان الدفاع الوطني المعروفون بالشبيحة في سوريا.5
ويجمع الخبراء بالشأن الإيراني، على أن مؤسسة الحرس الثوري تتحكم بالملفات الأكثر أهمية في إيران، وعلى رأسها الملف النووي والصاروخي، ويمتد دورها ليشمل الاقتصاد أيضاً 6 فبعد توقف الحرب العراقية الايرانية،أنشئت شركة خاتم الانبياء في عام 1989، لتوفير فرص عمل لمقاتلي الحرس، ووفقاً لتقديرات الحكومة الأمريكية، أصبحت الشركة واحدة من أكبر التكتلات في البلاد، إذ سيطرت على مشاريع كبرى في قطاع النفط والغاز، والتي تبلغ قيمتها نحو عشرة مليارات دولار، علاوة على أكبر مشروع يتعلق بمراحل التطوير الثلاث لحقل الغاز العملاق “فارس الجنوبي”.7
وتوافقاً مع ما تقدم وصف علي أنصاري، خبير الشؤون الإيرانية في جامعة سانت اندروز الحرس الثوري بانه “…في الحقيقة شركة، وهو ائتلاف الأعمال مع البنادق … مجموعة من الأعمال والمصالح الدينية، وأنا لا أعتقد أن لديهم تماسك التحرك كوحدة واحدة.” وبالتالي يتحرك الحرس من خلال الشركات القابضة، والشركات الوهمية، والمؤسسات الخيرية، وهو لاعب كبير في مجال التشييد والبناء، والنفط والغاز والاستيراد والتصدير، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ويسيطر على سلسلة من الأرصفة البحرية على طول ساحل الخليج، فضلاً عن المحطات في المطارات الإيرانية، التي مكنته من التصدير والاستيراد دون دفع أي رسوم.8
ولذلك أعلن الحرس الثوري الإيراني عن دوره الاقتصادي الذي تمثله شبكة مصالح متشابكة داخل إيران وخارجها، تدر عليه بالكثير من الريع الذي يوظفه في مشاريعه ليكون الشريك الأكبر في مشاريع البناء والتصدير والاستيراد في إيران.9
ووفقاً الى “بروس ريدل”، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز والمحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، وبحسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن- فان الحرس الثوري يتكون من 350 ألف عنصر، له قواته الجوية والبحرية والبرية الخاصة به،والتي تشكلت منذ عام 1985، وبالتالي لا تعد هذه القوات من الناحية التنظيمية جزءاً من القوات المسلحة، حيث اعتبرتها القيادة الايرانية حامية لنظام “ولاية الفقيه”، وبات ينظر إليها على أنها القوة الأساسية والحرس الوفي للمرشد الأعلى. 10
ويعتقد أن الحرس الثوري يتحكم في مشروع انتاج الأسلحة النووية، ومعظم أو جميع الأسلحة الأخرى الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية،ويمتلك أنواعاً عدة من الأسلحة، تتضمن صواريخ ودبابات وطائرات مقاتلة، قسم كبير منها روسي الصنع، كما تتنوع الصواريخ التي بحوزته من حيث المدى بين البعيدة والمتوسطة والقصيرة، وأغلبها مصنوع داخل إيران، في حين أن بعضها مطور عن أسلحة روسية وأميركية، من أبرزها “شهاب، خيبر، رعد، النازعات، وغيرها. ويدير الحرس الثوري نشاطاً سياسياً واسعاً، بالنظر الى طبيعة نشأته، والتي يراد بها “ضمان امن الثورة وديمومة بقائها في بيئة معادية” الامر الذي مكنه من التدخل في السياسة الخارجية والتأثير في اتجاهاتها، ومن جهة اخرى فان قوات الحرس الثوري، تتوافر على قدرات تنظيمية ذات مستويات عالية، تؤهله للتأثير في السياسة الداخلية. 11
نشير بهذا الخصوص اعلان موقع الحرس الثوري الإيراني عن تغييرات مرتقبة في هيكلية قياداته، وانعكاس ذلك على اداء مهامه العسكرية والاقتصادية والسياسية والأمنية. وبهذا الصدد قال اللواء حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني إننا “نحتاج الى إعادة بناء إدارة الحرس الثوري بطاقات شبابية”.
ووفقاً لسلامي فإنه إلى جانب تعديل الهرم الإداري للحرس ستتم الاستفادة من نضوج وتجربة القيادات السابقة، مضيفاً أنه يجب فسح المجال للطاقات الشبابية وتدريبهم في الميادين العملية ليكتسبوا الخبرة في الساحات الصعبة.12
ومن هنا جرى استخدام الحرس الثوري وقوات الباسيج لقمع الحركة الإصلاحية في إيران، وقد بدأت العملية منذ عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي (1997- 2005) وبلغت ذروة تدخلاته في سحق انتفاضة الحركة الخضراء بقيادة ميرحسين موسوي ومهدي كروبي عام 2009. إذ قام الحرس الثوري بالتزوير والتلاعب بالأصوات لصالح مرشحه المفضل محمود أحمدي نجاد، لمواجهة ما وصفهم قادة الفتنة وعملاء الغرب، اكد ممثل المرشد في الحرس، الشيخ علي سعيدي، هذا الدور للحرس، مدعياً انه لولا تغيير نتائج الانتخابات في تلك الفترة لتم القضاء على “ولاية الفقيه”. ووصف سعيدي الحرس بانه صمام أمان النظام، وان من حقه ان يتدخل (ضد ارادة الشعب) بهدف انقاذ النظام وإحباط المخططات. 13
وبعد، فان الكثير من الآراء تصف مرونة الحرس، بانها لا تتمثل في قدرته على تجاوز التحديات أوالتغيرات الحادة في المحيط الداخلي واحتواء القوى الاجتماعية الثوريةفحسب، بل أيضًا الكتل الاجتماعية التي لا تتوافق معه بالضرورة في درجة المزاج الثوري. حيث تمكن من استيعاب جماعات من المتطوعين ابان الحرب العراقية الايرانية، اللذين لم يكونوا على توافق مع ايديولوجية الحرس الحماسية أو استراتيجية معاركه وأساليبه التكتيكية، لحاجته لهم كطاقة بشرية، لخوض الحرب.14
على ان الحرس الثوري نجح في ثمانينات القرن الماضي في التحول من مليشيا أمنية داخلية، ليصبح قوة عسكرية تخوض الحرب ضد العراق، وتمكن في إدخال بعض التغيرات البراغماتية المؤقتة في خططه التكتيكية، بغرض تعزيز أهدافه الأيديولوجية الشاملة، والعمل على تلبية دعوة الخميني بهزيمة العراق والإطاحة بالرئيس العراقي الاسبق صدام حسين.15
ويمكن لنا ان نشير هنا الى التصريحين اللذين ادلى بهما الخميني في 16 نيسان/ابريل عام 1980 وفي 24 آب/ سبتمبر 1982 والذي هدد فيهما العراق ودول الخليج العربي، وانتقد دعم الاخيرة للعراق بقوله :”اننا عزمنا أمرنا على اسقاط حكومة البعث في العراق”.
وتتبع قوات “الباسيج” (جيش التعبئة الشعبي التطوعي)الحرس الثوري، الذي يتكون من مليوني متطوع، ويصل تعدادهم في الحرب إلى ثلاثة ملايين متطوع، ويعود تاريخ تشكيل هذه القوات الى الامر الذي اصدره الخميني باعتباره قائداً عاماً لكل القوى في 26 كانون الاول /نوفمبر 1980، أمراً بالتعبئة العامة، وإنشاء جيش شعبي قوامه 20 مليون مقاتل، على أن يكون هذا الجيش تابعاً لجيش حراس الثورة.16
وتستمد هذه القوات صفة الشرعية من المادة 151، من الدستور الايراني، التي تدعو الحكومة للوفاء بواجباتها لما جاء في القرآن الكريم، لتزويد المواطنين بجميع الوسائل للدفاع عن أنفسهم. اضف الى ذلك هناك مكونان رئيسيان “للباسيج” يسميان “كتائب عاشوراء” للأعضاء من الذكور، و”كتائب الزهراء” للأعضاء من الإناث، تأسسا في الفترة من 1992 إلى 1993 تقريباً لقمع الانتفاضات في المدن. 17
وتصف العديد من التقارير مقاتلي “الباسيج” بأنهم كانوا وقود الحرب مع العراق كانوا يسيرون إلى ساحة القتال مزودين بأسلحة خفيفة وفي موجات بشرية، عابرين حقول الألغام للوصول إلى المواقع العراقية الحصينة، ممهدين بذلك الطريق للهجمات التالية التي يشنها رجل الحرس الاكثر تمرسًا والأفضل تسليحًا. “فالباسيج” الذين يحفزهم التزامهم نحو الثورة، ويتم تلقينهم من مسؤولي الحرس ومدربيه من رجال الدين الراديكاليين، بالأفكار الدينية والثورية، ويتضمن تدريبهم العسكري برنامجًا لمدة أسبوعين، حول استخدام القنابل اليدوية والبنادق الأوتوماتيكية، وإعطاءهم وعدًا بدخول الجنة إن سقطوا شهداء في ساحة المعركة.18
“فيلق القدس” القوة الضاربة في مشروع التوسع الايراني:
يتبع الحرس الثوري “فيلق القدس”، وهو الجناح العسكري الذي يقوم بعمليات خاصة خارج الحدود، وتقدر قواته بنحو 50 ألف عنصر، يعملون تحت قيادة قاسم سليماني.الذي رقي لرتبة اللواء في العام 2011 وهي أعلى رتبة في الحرس الثوري، ويعد الحاكم الإيراني الفعلي للعراق حسبما نشرت جريدة نيويورك تايمز في 3 تشرين الاول/ أكتوبر 2012 وكان سليماني المخطط لمبادرتين رئيسيتين في السياسة الخارجية الإيرانية وهما: ممارسة وتوسيع نفوذ طهران في الشؤون السياسية الداخلية بالعراق، وتقديم دعم عسكري لنظام الرئيس بشار الأسد.
وتأسيساً على ما تقدم نجح سليماني بإقناع مسؤولين في الحكومة العراقية، السماح لإيران باستخدام المجال الجوي العراقي، لتزويد دمشق بالذخائر والمقاتلين. ويعتبر جيمس ماتيس، قائد للقوات العسكرية الأميركية السابق في الشرق الأوسط، أنه من دون هذه المساعدة لكان نظام الأسد انهار خلال أشهر، مؤكداً ان سليماني انقذ المصالح الايرانية في سوريا ولبنان من التصدع اثر اندلاع الثورة السورية، وكان وراء انطلاق الصراع السني- الشيعي، الذي من المحتمل ان يمتد لسنوات قادمة. 19
وبنفس الاتجاه يقدم الفيلق دعمًا لمختلف الفصائل المسلحة التي تعمل ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة من الدول العربية كالسعودية والبحرين، ويقدم أسلحة ومالاً وتدريباً شبه عسكري لمجموعات، من بينها حركة “طالبان” و”حزب الله” اللبناني وحركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الفلسطينيتان و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة”. وبحسب الكثير من المحللين فان الهدف الرئيس من فيلق القدس هو تصدير الثورة، والذي يعد ركناً من سياسة النظام غير قابل للتغيير. 20
وتنقسم قوات فيلق القدس الى مجموعات محددة وفقاً للتقسيم الجغرافي لكل بلد، فهناك مديريات؛ للعراق، لبنان، فلسطين، والأردن، أفغانستان وباكستان والهند، تركيا وشبه الجزيرة العربية؛ الدول الآسيوية من الاتحاد السوفياتي السابق، الدول الغربية “أوروبا وأمريكا الشمالية”، وشمال أفريقيا، مصر، تونس، الجزائر، السودان، والمغرب. ولان انشطته خارجية، فلدى الفيلق مكاتب في العديد من السفارات الإيرانية، وبحسب الخبير الاستراتيجي الامريكي انتوني كوردسمان فان هناك دلائل تشير إلى أن معظم عمليات “فيلق القدس” تتم بالتنسيق بين الحرس الثوري ومكاتب داخل وزارة الخارجية الايرانية، مع وزارة المخابرات.21
وتقسم الاذرع الخارجية “لفيلق القدس” الى هيئات حسب الساحات التي تعمل فيها؛ فهنالك ادارات مسؤولة عن العراق ولبنان والاردن وفلسطين والجزيرة العربية وشمال افريقيا العربية والباكستان والهند والساحة الاسيوية وتركيا والساحة الاوروبية والامريكية والافريقية جنوب الصحراء والساحة الروسية. ويضم احد فروع العمليات الخارجية في الحرس الثوري بحدود 12000 مقاتل يتكلمون اللغة العربية، من الإيرانيون والأفغان الشيعة والعراقيين واللبنانيين، الذين تدربوا في إيران أو تلقوا تدريباً في أفغانستان خلال سنوات الحرب الأفغانية.22
ويمتلك “فيلق القدس” خبرة في حرب المدن، وحرب العصابات، والحروب غير المتناظرة (Asymmetric Warfare) وخلال الحرب العراقية – الايرانية، تبنى الحرس الثوري عقيدة قتالية تتوافق مع المفاهيم الدينية الشيعية، وتعتمد على الاستعداد للموت من جهة، واستخدام مختلف الاسلحة والتكتيكات المبتكرة من جهة ثانية، وصولاً لتحقيق النصر. ومن هنا فان الحرب غير المتناظرة تقوم على مباغتة العدو بحشد نيراني كثيف؛ ومراوغة المهاجمين من خلال التستر والتنقل، والاعتماد على مبدأ الاشباع، سواء ما يتعلق بالأسلحة المصوبة الموجهة او غير الموجهة، وكذلك إشباع الجبهات والمواقع الدفاعية بالأفراد، الذين يستخدمون مختلف وسائل التنقل في التقدم، راجلين او على الدراجات النارية او بالعجلات الخفيفة او بالقوارب والزوارق البحرية بمختلف أزاحتها وتسليحها، فضلاً عن اعتماد المرونة وعدم المركزية في اتخاذ القرارات.23
وتفيد التقديرات إلى أن عدة آلاف من فيلق القدس تنفذ مجموعة من وظائف حساسة للغاية: كالاستخبارات، والعمليات الخاصة، وتهريب الأسلحة والعمل السياسي، اضافة الى الاستثمار في مشاريع اقتصادية بدول إفريقية مختلفة كمدغشقر والسودان ونيجيريا والسنغال، وانها غطاء لتسهيل العمليات، التي تتعلق بتهريب السلاح والمخدرات وتجنيد عملاء، وتنفيذ عمليات تشييع جماعي لمواطني تلك الدول.
وينفذ فيلق القدس (بالتعاون مع هيئات ايرانية أخرى) سلسلة واسعة من العمليات السرية خارج حدود ايران بواسطة “الوحدة 400″، وهي وحدة العمليات الخاصة الأكثر تدريباً وتجهيزاً، والموكلة بمهام تنفيذ العمليات ضد معارضي النظام الإيراني، وكافة العمليات الخارجية التي تحدد لها من قبل الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى، ومن بينها المساعدة المتنوعة والواسعة للنظم الموالية لإيران، ومن بينها نقل الوسائل والمعدات القتالية، الاستشارة الاستراتيجية، عمليات الارشاد والمعونات المالية.24
كما تتولى هذه الوحدة مهمة انشاء الخلايا الاستخبارية في العالم، ونشر وتصدير “قيم الثورة”، عن طريق اقامة المنظمات الخيرية والتعليمية والطبية في مناطق متفرقة من العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط، الذي تشرف على أبرزها هذه الوحدة بشكل كامل. وقدرت دوائر استخباراتية عام 2009، تعداد “الوحدة 400” بـ 1500 عنصر، ويترأسها الجنرال حامد عبد الاله، ومن أبرز شخصياتها الجنرال مجيد علاوي الذي شغل سابقاً منصب نائب وزير الاستخبارات. 25
ويؤكد الصحفي الايراني المعارض امير طاهري ان الحرس الثوري يمول حركة حزب الله في 20 دولة على الأقل، بما في ذلك أوروبا، ويحتل مكانة مرموقة في الإدارة الإيرانية. إذ يوجد ممثلوه في كافة المؤسسات الحكومية تقريباً ودائما ما يستعرض قوته بما يفوق الحدود النظرية التي يحددها القانون. كما يلعب دوراً محورياً في شبكة الاستخبارات والهيئات الأمنية.
ويحتل الأعضاء السابقون بالحرس الثوري مراكز مرموقة في وزارة الاستخبارات والأمن، التي تخضع نظرياً لسلطة الرئيس ولكنها تخضع فعليا إلى المرشد الأعلى. بالإضافة إلى أن “الحرس الثوري” يهيمن على هيئتين أمنيتين؛ إحداهما تتعامل مع الشؤون الداخلية، فيما تعالج الثانية الاستخبارات الأجنبية.26
وفي عام 2007 صنفت وزارة الخزانة الأمريكية “فيلق القدس” على أنه منظمة إرهابية عالمية، وجمدت أرصدته وفرضت حظراً على تعامل الأطراف الأمريكية معه، كما فرض الاتحاد الأوروبي في عام 2011 عقوبات ضد الفيلق لدعمه نظام بشار الأسد في سوريا.
ويبقى العراق الساحة الاهم لـ”فيلق القدس” بالنظر للقرب الجغرافي والمشتركات العقائدية والمذهبية، التي تربطه بشيعة هذه البلاد، إذ اتسعت انشطتهبعد عام 2003 وتولى تدريب العشرات من الميليشيات المسلحة من بينها “عصائب اهل الحق” و كتائب “حزب الله” العراقي، التي هاجمت القوات الامريكية المحتلة من جهة، واسهمت في الحرب الطائفية التي اندلعت بين 2006 – 2008 ، من جهة ثانية.
واوضح الباحث فيليب سميث في موجز السياسات لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ان هذه الميليشيات قد تم دمج افرادها في القوات العسكرية الحكومية.27 وهنا لابد ان نذكر ان “فيلق بدر” الذي تشكل في الثمانينيات من القرن الماضي في ايران، كفصيل معارض للنظام العراقي السابق، عمل بعد عام 2003 مع الحرس الثوري معضداً جهود الاخير في ترسيخ التغلغل الايراني في البلاد، نشير الى بيان أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية نقله موقع CNN ، واعتماداً على تقارير تم الحصول عليها من داخل ايران، فان عدد كبير من اعضاء “فيلق بدر” وأعضاء من “فيلق القدس” كانوا من بين القوات العراقية التي هاجمت “مخيم أشرف”،في 29 تموز/ يوليو 2009 متخفين في زي الشرطة العراقية ويحملون هوياتها.
ويبدو ان منطق الميليشيات الذي رسخته ايران في العراق، أُريد به عسكرة المجتمع، ليكون لمكون بعينه التأثير والتوجيه في الادارة والحكم، حاملة الآخر على الاستجابة والرضوخ خوفاً من الاستئصال او التغييب في السجون والمعتقلات، ومن ناحية ثانية تفيد المعلومات عن تقديم ايران الدعم للفصائل المسلحة السنية التي قاومت الاحتلال الامريكي،بقصد ابقاء الولايات المتحدة مشغولة في العراق، وافشال العملية السياسية، التي روج لها الامريكيون عن ان تكون نموذجاً وحافزاً.28
ويمكن الاجتهاد هنا بالقول ان الايرانيين ادركوا ان ما تخسره الولايات المتحدة في العراق، انما يصب في مصلحتهم، ويقوي من تغلغلهم في البلاد، ما ينعكس ايجاباً على ادوارهم في توجيه العملية السياسية الوجهة التي يريدون. لنستنتج ان جهد المقاومة المسلحة في تصديها للاحتلال الامريكي، افضى الى تمكين الايرانيين من ترسيخ نفوذهم وتقوية شوكتهم، عبر بوابة تقويض وزعزعة القوة الامريكية.
وعلى هذا اكد السفير الأميركي السابق في العراق ديفيد نيوتن إن إيران والولايات المتحدة “تربطهما مصالح مشتركة في العراق، ولكن لديهما بالمقابل مصالح متناقضة على المدى الطويل” مضيفاً ان قاسم سليماني قائد “فيلق القدس”، هو المهيمن على المعادلة السياسية والامنية والاستراتيجية في العراق.29
هل تدخل الحرس الثوري في مشهد الحراك السياسي والعسكري العراقي؟
لا شك ان ما يحدث في العراق منذ 11 حزيران /يونيو 2014 من حراك سياسي وعسكري، انما هو انعكاس لسياسات طائفية، وادارة فاشلة اتبعتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ حكومة ابراهيم الجعفري 2004- 2005 ؛ اذ لم ترق الحكومة لتكون للكل ومن اجل الجميع، وبقيت اسيرة لسجال رئيسها الطائفي، وعجزت عن ان تكون عنصراً جامعاً، وأثبتت العملية السياسية بأنها غير قادرة على إنتاج أي نوع من الاتفاق بين الفرقاء، ولا حتى إلى إنشاء آليات للحوار والتسوية، ناهيك عن غياب الثقة بين اطرافها.
واستحوذ رئيس الوزراء المنصرفة حكومته نوري المالكي على مناصب سيادية منها القائد العام للقوات المسلحة، وسيطر على وزارتي الدفاع والداخلية، والاستخبارات، والمخابرات، والأمن الوطني، وهيمن على مقادير البنك المركزي، والمحكمة الاتحادية، ومن جهة ثانية وسعى إلى تمكين المقربين منه من المناصب القيادية الهامة في القوات المسلحة والحكومة، ومع رحيل الأمريكيين، اضحت المناصب القيادية عرضة لقرارات حكومية تتخذ على أساس طائفي أو عائلي.
واضحى ينظر إلى الجيش العراقي بوصفه قوة عسكرية طائفية تستغلها الحكومة في تحقيق أهدافها. حيث بدا المنحى الطائفي يتخذ لبوس الحرص على وحدة قائمة، أو التحذير من نيات خارجية، ليتم تجييش ميليشيات طائفية الى جانب الجيوش النظامية: “عصائب اهل الحق” و”جيش المختار” و”فيلق بدر”، قابله تجييش مماثل من الطرف المقابل.
ومع تسارع احداث الحراك العسكري وانسحاب القوات المسلحة العراقية من عدد من المحافظات المنتفضة، كشف مسؤولون امنيون عراقيون ان اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” موجود في العراق، وأن بغداد أخطرت الولايات المتحدة سلفاً بزيارته، وأوضحوا ان سليماني يعاين الدفاعات العراقية، وينظر في خطط مع القادة العراقيين الكبار ومع الميليشيات الشيعية، وقد انشأ غرفة لتنسيق العمليات بين الميليشيات الشيعية، كما زار مدينتي النجف وكربلاء جنوب بغداد ومناطق غرب العاصمة، حيث واجهت القوات الحكومية مقاتلي “داعش”(الدولة الاسلامية في العراق والشام). 30
ويبدو ان للجنرال سليماني دور كبير في العراق، اكده السفير الأميركي السابق في بغداد، رايان كروكر، من إنه كان قد طلب من قاسم سليماني، عبر وسطاء من السياسيين الشيعة، ترشيح أعضاء “مجلس الحكم”، وكان المرشح الذي يعترض عليه سليماني لا تضعه الولايات المتحدة ضمن قائمة المرشحين لهذا المجلس”.31 وهو ايضاً من ساند ترشيح المالكي لولاية حكومية ثانية في 2010، في ظل معارضة ترشيحه من قبل إطراف عدة، أهمها مقتدى الصدر، كما منع انهيار التحالف الشيعي، “التحالف الوطني”، في نهاية عام 2011، عندما حاول مقتدى الصدر، بمعية معارضين آخرين لرئيس الحكومة، سحب الثقة من الاخير، بما عُرف في حينها بـ”اتفاقية أربيل” في أبريل/نيسان 32.2012
وكان سليماني قد زار العراق في مارس/آذار الماضي، بحسب تقارير تناقلتها صحف عراقية وعربية، والتقى خلالها بعدد من كبار الشخصيات العراقية ومراجع دين، موالين لخط مرجعية الولي الفقيه خامنئي، بهدف “حل الخلافات بين الزعماء الشيعة التي أخذت تهدّد احتفاظ الشيعة بمنصب رئيس الوزراء.
ومن هنا ومع تمكن المسلحين من مسك الارض والحفاظ على ما حققوه، فانه يبدو واضحاً ثمة توافق في التوجهات الايرانية والعراقية، حيال الحاجة إلى الدعم السياسي والعسكري الأميركي-رغم ما كانت تعمل عليه ايران لإبعاد الولايات المتحدة من المشهد العراقي- وتوظيف مخاوف الولايات المتحدة من تزايد قوة “الارهاب” في البلاد، لتوجيه ضربات للمحافظات المنتفضة.
رافق هذا الامر تلويحات ايرانية بالعودة الى المربع الاول في مفاوضات النووي مع القوى الغربية، جاءت على لسان عراقجي كبير المفاوضين النوويين في 12 حزيران يونيو 2014، الذي وصف عدم توصل الطرفين إلى اتفاق نووي بالـ”كارثي للجميع” ومؤكداً إن إيران في هذه الحالة سوف تعود إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. 33
على ان الدعم اللوجستي الامريكي للحكومة العراقية، لمواجهة حالة الحراك العسكري، لن يعيد الاعتبار لمكانة الولايات المتحدة في المعادلة السياسية العراقية، اذ اضحى البلد تحت الحيازة الايرانية، والاخيرة تدير سياساته واتجاهاتها كيف ما تقتضي مصلحتها.
والملاحظ اختلاف تصريحات المسؤولين الايرانيين حول وجود عناصر من الحرس الثوري وفيلق القدس تحديداً تقاتل الى جانب القوات الحكومية، منها نفي دنائي فر سفير ايران في العراق، وجود عناصر عسكرية أو مليشيات إيرانية مسلحة على أرض العراق، فسرت على انها جزء من نهج المراوغة الذي تعتمده الاستراتيجية الايرانية، اساساً رئيساً في مقارباتها الحركية.
فيما يصرح “ناصر شعباني” الجنرال في الحرس الايراني لصحيفة اخبار روز الايرانية “إن الحرس الثوري الايراني نفذ في اواسط نيسان/ ابريل/ 2013 اول عملية امنية له في العراق بالاشتراك مع الجيش الحكومي” واضاف “إن هذه العملية التي حررت احدى مدن كركوك من سيطرة المتمردين، لن تكون الاخيرة، بل انها قد تكون بداية لتعاون امني عسكري ايراني عراقي”.34
واستتباعاً لما تقدم اعلنت وكالة الانباء الرسمية الايرانية “ايرنا” في 5 تموز/يوليو 2014 عن مقتل أول طيار إيراني برتبة عقيد من منتسبي الحرس الثوري، شارك في المعارك الدائرة في العراق بين القوات الحكومية والمقاتلين في المحافظات المنتفضة. 35 وفي نفس السياق اعترفت وسائل اعلام إيرانية آخر بمقتل عقيد من قوات النخبة التابعة للحرس الثوري، قالت عنه إنه قتل خلال المعارك في مدينة سامراء، دفاعاً عن في مدينة سامراء، دفاعاً عن المقدسات الشيعية. 36
وعليه يستنتج؛ ان ايران حريصة على تقديم الدعم اللازم الى الحكومة العراقية، فالأولوية الاستراتيجية الإيرانية في العراق، تقوم على ضمان بقاء الحكومة تحت السيطرة الشيعية، سواء بقي المالكي ام رحل، لما ينطوي هذا البقاء من ضمان لمصالح طهران. ومن جهة اخرى فانه كلما زاد تمكين المقاتلين في المناطق السنية، فإننا سنشهد تورطًا إيرانيًّا أعمق في هذا الصراع، خصوصاً انه بداية الأحداث الأخيرة في العراق، بفتح مراكز تسجيل لحشد آلاف المتطوعين، لإرسالهم للقتال إلى جانب الحكومة العراقية تحت شعار الدفاع عن المقدسات الشيعية.
كما أكد مسؤول رفيع في الحكومة العراقية رفض الافصاح عن اسمه في تصريح الى قناة CNN الامريكية في 13/6/2014، أن إيران نشرت بالفعل ثلاث وحدات سكرية من قوات الحرس الثوري في العراق، تتمركز في الوقت الراهن في محافظة “ديالى”، وتضم نحو 500 مقاتل على الأقل، وأشار المصدر نفسه إلى أن عناصر الحرس الثوري” انضمت بالفعل إلى القوات الحكومية في معاركها ضد المسلحين.تبعه تصريح آخر لمسؤول عراقي رفيع نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 14حزيران/يونيو 2014 ، حول ارسال ايران 2000 مقاتل إلى العراق للمساعدة في التصدي للمسلحين، وصل منهم 1500 مقاتل عبروا الحدود إلى بلدة خانقين في محافظة ديالى، في وسط العراق، في حين أن 500 آخرين قد دخلوا منطقة بدرة وجصان. 37
ومن هنا ليس من المستبعد ان ينخرط الحرس الثوري في التصدي لمواجهة الحراك السياسي والعسكري في العراق، فالأخير يعد حلقة مهمة في سلسة المصالح القومية الايرانية الممتدة غرباً، وصولاً الى شرق المتوسط، مشكلاً وتداً رئيساً في محور ثلاثي يضم كذلك سوريا و”حزب الله” اللبناني، اضف الى ذلك فالعراق خزان بشري عقائدي، يتم التلويح به لاستثماره في مشاريع التوسع والامتداد على المنطقة. تدلل عليها تصريحات واثق البطاط قائد “جيش المختار” التابع “لحزب الله” العراقي، التي نقلها موقع العربية في 18 آذار / مارس 2013 زعم أن تعداد جيشه يصل الى المليون عنصر.
أشارت تقارير امريكية؛ إلى أن القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني أرسلت سبع مقاتلات، روسية الصنع من طراز “سوخوي 25″، إلى قاعدة “الإمام علي بن أبي طالب الجوية”، القريبة من مدينة الناصرية الجنوبية، والتي سلمها الجيش الأميركي للعراقيين في ديسمبر 2010، وأن عشرة من طياري الحرس الثوري الإيراني هم من يشنون الغارات الجوية ضد أهداف في شمال العراق الغربي، معهم وأربعة الطيارين العراقيين.38
وأبرز ما يمكن أن نتلمسه هنا، ويعزز من مقاربة تدخل الحرس الثوري في التصدي العسكري لحالة الحراكالعسكري، تصريحات مهمة ومتزامنة لاثنين من القادة الحرسيين الكبار, صدرت في الاسبوع الاول من شهر أيار/ مايو 2014 ، الاول وهو اللواء “يحيى رحيم صفوي” القائد السابق لقوات الحرس الثوري وكبير المستشارين العسكريين الحاليين للمرشد الايراني علي خامنئي, والثاني هو اللواء “حسين همداني” القائد السابق لقاعدة محمد رسول الله التابعة للحرس الثوري، والقائد العسكري الايراني الحالي في سوريا.فالجنرال صفوي تحدث عن ما اسماها ” تمدد الحدود الإيرانية الغربية ” مدعياً انها لا تقف عند منطقة الشلامجة – عند حدود العراقية في الجنوب الغربي- بل تصل إلى جنوب لبنان، زاعماً ان هذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذ ايران سواحل البحر الأبيض المتوسط “. وذلك في إشارة إلى حدود الامبراطورية الفارسية في العهدين الاخميني و الساساني.39
اما الجنرال “حسين همداني” فقد اكد أن إيران تقاتل اليوم في سوريا دفاعاً عن مصالح ثورتها، وكشف عن أن 130 ألف عنصر من قوات “الباسيج” المدربة تتهيأ للذهاب إلى سوريا، أكد نبأ تشكيل حزب الله السوري، ووصفه بحزب الله الثاني بعد حزب الله اللبناني، وقال: “بعون الله، استطاع الإيرانيون تكوين حزب الله الثاني في سوريا”. 40
وبالتالي فان الحرس الثوري، يسعى لنقل التجربة السورية في العراق، من خلال قوات ما يسمى “بالدفاع الوطني الشعبي” والتي يجري تأسيسها بحجة الدفاع عن المراقد الدينية، وهو ما أكده رئيس الوزراء نوري المالكي عن إنشاء جيش رديف لمساندة القوات الحكومية، عزز من هذا الامر فتوىالمرجع الشيعي السيد علي السيستاني، بوجوب حمل السلاح للجهاد دفاعًا عن المقدسات ضد من سماهم الإرهابيين في العراق.
وبنفس الاتجاه سجلت استراتيجية إضعاف العراق مكانًا بارزًا ودائمًا في السياسة الخارجية الإيرانية؛ من هنا يمكننا فهم التسهيلات التي قدمتها إيران للولايات المتحدة الأميركية إبان عمليتي عاصفة الصحراء عام 1991، وعملية غزو العراق عام 2003. وحثها لحلفائها من العراقيين الشيعة، بالعمل مع الأميركيين قبل وأثناء وبعد الغزو. وبفضل ما أتاحه غزو واحتلال العراق من تمكين الأحزاب السياسية الشيعية من الهيمنة على السلطة، فان ايران نجحت من التحكم في الخيارات العراقية الاستراتيجية والسياسية، لتتنحى الولايات المتحدة جانباً، لتجد مواليها في العراق ليسوا إلا فئة صغيرة من الوطنيين والعلمانيين والأكراد، بحسب ما اكده المفكر الاستراتيجي انتوني كوردسمان. 41
يعزز ما تقدم التداخل المذهبي بين العراق وإيران، بحيث منح الثانية فرصة لتسيس المذهب، واتاح لها بناء قاعدة متينة ومتعددة الركائز، مكنتها من التأثير المباشر وغير المباشر في الواقع العراقي، فضلاً عن تمكين حلفائها من الاحزاب الدينية،من الوصول إلى قمة الهرم السياسي في العراق، وابقاء القوى الوطنية العراقية المناهضة لسياساتها خارج إطار دائرة صنع القرار. ومن هنا فانها ضمنت حماية امنها القومي ليشكل العراق عمقا استراتيجياً، ومنطلقاً كانت إيران تفتقر له، وبوابة لامتداد نفوذها باتجاه الخليج العربي وشرق المتوسط.
خلاصة
لاشك في ان ايران قلقة على مصالحها في العراق، ولهذا فإنها تسعى وبقوة الى ضبط ايقاع الحراك العسكري العراقي، ما استدعى منها تدخلاً، بعد تفجر جبهة المحافظات المنتفضة، اذ يشكل العراق جوهرة المصالح الايرانية، سواء على صعيد سياسة تعزيز التغلغل الايراني في المنطقة او لدور نوري المالكي في الحفاظ على المصالح الايرانية في العراق و حتى في سوريا من خلال دعمه نظام الاسد، محولاً العراق ممر للمساعدات الايرانية، والتي هي احد الاسباب الرئيسة في صمود نظام الاسد، اضف الى ذلك فان العراق يمثل محوراً مهماً في سياسة الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها بشأن ازمة ملفها النووي، حيث تساعد التعاملات مع مجموعة من المصارف العراقية، إيران على الوصول إلى النظام المالي العالمي. لكنّ السؤال الأهم هو: هل سيصمد التحالف العسكري الايراني –العراقي، امام تسارع عمليات الحراك العسكري.؟ وهل ستستطيع القوى المنتفضة من اعادة تشكيل تفاعلاتها ومواقفهاالسياسية والعسكرية ومنع قوى الارهاب من التأثير في اتجاهاتها، وتكرار ما حدث في سوريا.؟
ويستدل عن احتمال تورط الحرس الثوري في اسناد حكومة المالكي ما كشفت زعيمة منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة للنظام الإيراني مريم رجوي, أن الرجل القوي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني, مع 200 رجال الحرس، يقودون ويوجهون القوات العراقية التابعة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي, في معاركها ضد الفصائل السنية المسلحة.
الهوامش:
1 تصريح العميد فدوى قائد القوة البحرية للحرس الثوري على قناة العالم، http://www.anawen.net/show801876.html
2 الحرس الثوري الايراني.. الجيش الموازي : http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/iraq/2014/07/08/مقتل-ثالث-ضابط-ايراني-من-قوات-النخبة-في-العراق.html
3 للمزيد من المعلومات انظر الرابط الاليكتروني: http://goo.gl/zNwKSs
5 لمزيد من المعلومات عن مبدأ تصدير الثورة انظر: Ramazani, R. K. “Khomeini’s Islam in Iran’s Foreign Policy.” In Islam in Foreign Policy, ed. Adeed Dawisha, (Cambridge: Cambridge University Press, 1983), p17
6 المصدر السابق.
7 د. فاطمة الصمادي، الحرس الثوري وروحاني .. الصدام الحتمي، http://goo.gl/7x9jKs
8 ,The financial power of the Revolutionary Guards Julian Borger and Robert Tait , http://www.theguardian.com/world/2010/feb/15/financial-power-revolutionary-guard.
9 أنظر: الحرس الثوري يشدد على أهمية دوره في الاقتصاد الإيراني ، الشرق الأوسط، في الرابط: http://classic.aawsat.com/details.asp%3Fsection%3D4%26article%3D778217%26issueno%3D13003
Iran’s Revolutionary Guards، http://www.cfr.org/iran/irans-revolutionary-guards/p14324 10
11 أنظر: الحرس الثوري الإيراني حامي الجمهورية الإسلامية في الرابط: http://www.aljazeera.net/news/international/2007/9/2/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b
12 انظر تصريحات اللواء حسن سلامي على موقع العربية نت، http://goo.gl/XjMS39
13 صحيفة القبس الكويتية، http://www.alqabas.com.kw/node/874761
14 كينيث كاتزمان، الحرس الثوري الإيراني… نشأته وتكوينه ودوره، http://elibrary.mediu.edu.my/books/SDL0541.pdf.
15 حول تطور الاساليب القتالية للحرس الثوري الإيراني أنظر: , Author(s): Steven R. Ward, The Continuing Evolution of Iran’s Military Doctrine, Middle East Journal Vol. 59, No. 4 (Autumn, 2005), pp. 559-576 , http://www.jstor.org/stable/4330184.
16 معتز سلامة، الجيش والحرس الثوري، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=218888&eid=2920
17 Ali Alfoneh، The Basij Resistance Force: A Weak Link in the Iranian Regime، http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-basij-resistance-force-a-weak-link-in-the-iranian-regim.
18 لمزيد من المعلومات: Saeid Golkar ,The Ideological-Political Training of Iran’s Basij, Middle East Brief,Crown Center For Middle Eeast Studies, http://www.brandeis.edu/crown/publications/meb/MEB44.pdf
19 Dexter Filkins,The Shadow Commander http://www.newyorker.com/reporting/2013/09/30/130930fa_fact_filkins?currentPage=all
20 عن دور قاسم سليماني في الجوار العربي لإيران أنظر:
http://search.tb.ask.com/search/GGmain.jhtml?st=bar&ptb=86AA6762-9B8F-4538-B09B
21 Anthony H. Cordesman، Iran’s Revolutionary Guards, the Al Quds Force, and Other Intelligence and Paramilitary Forces، http://csis.org/files/media/csis/pubs/070816_cordesman_report.pdf
22 المعلومات مأخوذة عن: http://www.globalsecurity.org/intell/world/iran/qods.htm.
23 http://dictionary.reference.com/browse/asymmetric%2Bwarfare
24 النظام السياسي في إيران.. مؤسسات النظام وآليات الحكم والتفاعلات الداخلية، مركز سورية للبحوث والدراسات على الرابط: http://bit.ly/1timNIt
25 المصدر نفسه.
26 امير طاهري، أوهام حول الباسدران الإيراني : حراس الثورة والثروة ..دولة داخل الدولة، http://www.majalla.com/arb/2013/01/article55241480 .
27 لمزيد من المعلومات عن الميليشيات انظر:
Michael Knights, The Evolution of Iran’s Special Groups in Iraq, https://www.ctc.usma.edu/posts/the-evolution-of-iran%E2%80%99s-special-gro ups-in-iraq
28 انظر د. محجوب الزويري، الوجود الإيراني في العراق.. حــقــائق جـديـدة، http://bit.ly/1na1C6F
29 نقلاً عن أزمة العراق تجمع بين ايران و”الشيطان الاكبر”، http://www.aljazeera.net/news/pages/65E3B976-F336-48CC-9909-AA541BC583B6
30 نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية، http://newspaper.annahar.com/article/142426-قائد-فيلق-القدس-الإيراني-في-العراق-البيت-الأبيض-يستبعد-تنسيقا-عسكريا-مع-طهران
31 عن شخصية الجنرال قاسم سليماني ودوره أنظر: http://www.theguardian.com/world/2011/jul/28/qassem-suleimani-iran-iraq-influence
32 انظر http://www.alaraby.co.uk/politics/5955ce2d-c309-455b-a37c-7208fd03b06e
33 انظر تصريح عراقجي على الموقع الاليكتروني لقناة العالم: http://www.alalam.ir/news/1602251 .
34 انظر تصريحات شعباني نقلاً عن وكالة الحدث الدولية: http://www.alhadathpcnews.com/تقارير/العميد-شعباني-الحرس-الثوري-شارك-في-احداث-الحويجة-ولن-تكون-الاخيرة.html.
35 حول مقتل الطيار الايراني انظر: http://www.alquds.co.uk/?p=189117
36 حول مقتل العقيد الايراني انظر:http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/iraq/2014/07/08/مقتل-ثالث-ضابط-ايراني-من-قوات-النخبة-في-العراق.html
http://www.theguardian.com/world/2014/jun/14/iran-iraq-isis-fight-militants-nouri-maliki 37
38 عن الطلعات الجوية التي يقوم بها طياري الحرس الثوري الايراني انظر: http://spioenkop.blogspot.com/2014/07/the-iranian-su-25s-in-iraq.html
39 انظر تصريحات الفريق يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري الحالي للمرشد الإيراني الأعلى، http://bit.ly/1hn6oHJ
40 انظر تصريحات حسين همداني، http://www.elaph.com/Web/News/2014/5/901653.html
41 Antony Cordesman and Sam Khuzai: Iraq in Crisis, p128, http://csis.org/files/publication/130106_Iraq_Book_AHC-sm.pdf