تونس- اعتبر خبراء أن تحركات تونس نحو إصلاح النظام المالي جاءت متأخرة كثيرا في ظل الوضع الاقتصادي الذي يعول كثيرا على إعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي لتعزيز مؤشرات النمو.
وقال الخبير الاقتصادي أنيس القاسمي في تصريح لـ“العرب” إن “تونس مجبرة على السير في إصلاح النظام المالي والمصرفي خاصة لتطوير أساليب العمل حتى يتسنى لها تطويق الأزمة”.
ورأى أن اعتماد التكنولوجيات الحديثة في البنوك سيتيح للسلطات معرفة تحركات الأموال التي تدور في السوق السوداء، لكنه عاب على تونس التأخر في تنفيذ هذه الإصلاحات.
وتعكف السلطات المالية على وضع تصور شامل من أجل اعتماد التكنولوجيا في النظام المالي للحد من الاقتصاد الموازي الذي التهم مليارات الدولارات في السنوات الماضية وتسبب في تبخر عوائد كانت ستعزز خزائن الدولة.
مجدي حسن: تونس تحتل مراكز متأخرة في تقنية “البلوك تشين” مقارنة بالمغرب ومصر
وكشف محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري مؤخرا أن النية تتجه الآن لتركيز تقنية “البلوك تشين” المعروفة بقدرتها العالية على تخزين البيانات وتبادلها بشكل مشفر.
و“البلوك تشين” هي تقنية تعمل بموجبها العملات الرقمية مثل البيتكوين، حيث يعتبرها خبراء بمثابة الطفرة النوعية التي ستؤدي إلى ظهور الجيل الثاني من الإنترنت حين يتم تبنيها بشكل واسع باعتبار أنها ستقدم فرصا كبيرة لدعم اقتصادات الدول.
وقال العياري على هامش منتدى “الاقتصاد الرقمي المشفر فرصة للمؤسسات الناشئة والمؤسسات” الذي نظمه المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إنه “تم تشكيل لجنة لدراسة على المدى المتوسط القدرات والتقنيات ومكان تركيز هذا النظام في تونس”.
ويشكل إدماج القطاع الموازي في الدورة الاقتصادية الرسمية أحد أبرز مطالب النقابات في البلاد وفي مقدمتها الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية (يوتيكا) للخروج من نفق الأزمة.
وتشير التقديرات إلى أن السوق السوداء تستحوذ على 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، وهي تستنزف أكثر من 600 مليون دولار سنويا من خزينة الدولة، ما يعتبر أحد أهم العراقيل التي تعيق النمو.
وأكد أن البنك المركزي يخطط لتنظيم ندوة في تونس حول هذه التقنية المتطورة، دون تحديد تاريخ لتنظيمها، مشددا على أن مستقبل تونس يكمن في اعتماد اقتصاد الذكاء الذي يمكن أن يشكل قاطرة للاقتصاد التونسي.
ومنذ سنوات يدعو الخبراء إلى تعزيز دور التكنولوجيا في التعاملات المالية بالبلاد خاصة بعد أن فقدت تونس مليارات الدولارات بسبب غياب الرؤى الاستراتيجية التي تعمل على استدامة الاقتصاد.
أنيس القاسمي: تطوير عمل البنوك يتيح معرفة تحركات الأموال في السوق السوداء
وتتابع الأوساط الاقتصادية بحذر التقارير الدولية التي تضع بلدهم ضمن الدول المتقاعسة في مكافحة ظاهرة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب خاصة بعد أن تراجع تصنيفها على مؤشر بازل لهذا العام.
ويلقي الكثير من المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي باللوم على حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة حيث أغرقت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية أدت إلى الدخول في نفق من الأزمات المتتالية.
ويرى الشاذلي أن تونس لا يمكنها تحقيق نمو قوي إلا من خلال توفير تكنولوجيا متطورة وإرساء منصة للخدمات لأنها لا تمتلك أي خيارات أخرى لتعزيز قدرة الإنتاجية في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة التي تشكل محركات نمو مهمة للدولة.
وتشير الاحصائيات إلى أن المعاملات النقدية في السوق المحلية تصل إلى قرابة 11 مليار دينار (نحو 4.43 مليار دولار) سنويا، في الوقت الذي تعاني فيه البنوك التونسية من شح في السيولة يعادل 9 مليارات دينار (نحو 3.63 مليار دولار).
ويعتبر القطاع البنكي من القطاعات المعرضة لمخاطر مرتفعة في مجال غسل الأموال، مما يتطلب من البنوك دعم الموارد البشرية المكلفة بالمراقبة، علاوة على وضع برامج تدريبية متطورة ودعمها بالوسائل التكنولوجية والأنظمة التقنية المتطورة.
ورغم أن تونس من أبرز الدول العربية، التي لديها قانون يكافح جرائم غسل الأموال، منذ 2003، لكن هناك مؤشرات تؤكد أن تنامي هذه الجرائم تزايد بشكل لافت منذ يناير 2011.
ويقول مجدي حسن المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات إن الاقتصاد الرقمي المشفر يشكل آلية افتراضية تنتفي معها استخدامات الدفع التقليدي على غرار بطاقات الائتمان وغيرها.
وأوضح أن تونس تحتل مراكز متأخرة في تقنية “البلوك تشين” في وقت وضعت فيه عديد الدول التشريعات لهذه المعاملات وخطة بعيدة المدى للحد من التعاملات بالنقد على غرار المغرب ومصر.
الشاذلي العياري: تونس لا يمكنها تحقيق نمو قوي إلا من خلال توفير تكنولوجيا متطورة
واعتبر أن نجاح تونس في اعتماد هذه التقنية يتطلب وضع إطار قانوني للتعاملات المالية الرقمية. وقال “يجب ألا يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى لا يتم تجاوز تونس من طرف بلدان أخرى في هذا المجال”.
وأشار خبراء ماليون أعدوا آخر تقارير المنتدي الاقتصادي العالمي إلى أن 10 بالمئة من الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي سيكون بحلول 2025 وليد المعاملات الافتراضية المشفرة.
ويمكن للاقتصاد الرقمي المشفر في تونس أن يساهم في تقليص القطاع الموازي باعتباره يقلص من التعاملات النقدية، ويدفع نحو الاندماج المالي والحد من التفاوت الجهوي بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال.
ويؤكد أحمد الكرم رئيس الجمعية المهنية للبنوك في تونس أن غياب التشريعات للتعاملات المالية المشفرة في تونس يشكل أحد العراقيل التي تعيق تطوير النظام المصرفي بالبلاد والذي سيضع حدا للاقتصاد الموازي.
وترى أوساط اقتصادية أن القطاع المالي التونسي يتميز بتنافس غير عادل فضلا عن نقص في الحوكمة حتى أنها وصفته بالصندوق الأسود للفساد، وهو ما جعله أحد العوائق الكبيرة أمام عودة عجلة النمو إلى الدوران في البلاد بالشكل المطلوب.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من تنامي الاقتصاد الموازي في تونس، بينما أظهرت إحصائيات للبنك الدولي أن 54 بالمئة من اليد العاملة تنشط في القطاع الموازي، ما يجعل مكافحة تلك الأنشطة صعبة وقد تؤدي إلى زيادة معدلات البطالة.
وجاء آخر تقارير البنك الأفريقي للتنمية حول الوضع المالي في تونس صادما قياسا بدول شمال أفريقيا الأخرى، حيث حذر من ضعف كفاءة القطاع باعتباره لا يزال مجزّءًا ويخضع لسيطرة الدولة، ما حوله إلى عائق كبير أمام انتعاش الاقتصاد.
ويقدر خبراء ديون التونسيين للبنوك بنحو 56 بالمئة من قيمة الأموال في القنوات الرسمية، وهو مؤشر عال يتجاوز الحدود المعيارية المعمول بها عالميا.
العرب اللندنية