توصلت الدول الكبرى الست مع إيران في 2 أبريل/نيسان المنصرم بمدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطار حول برنامج إيران النووي بين الدول الست العظمى وطهران ، يفسح المجال لرفع العقوبات عن الاخيرة ،
الا ان عودة ايران الى سوق النفط بشكل فوري تبدو غير واردة في حسابات اسواق النفط والطاقة على الرغم من ان الاتفاق السابق ، يمهد الطريق لإبرام اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني بنهاية يونيو/حزيران المقبل، والذي من المفترض بعده رفع العقوبات الدولية تدريجيا عن إيران.
في الحقيقة لن يكون رفع العقوبات عن ايران بشكل مطلق ، اذ يعتمد هذا الامر على نتائج التوقيع النهائي على الاتّفاق الإطار بين دول مجموعة 5+1 وايران في أواخر حزيران /يونيو المقبل . ويرى الخبراء في مجال النفط أن إيران قد تعود تدريجيًا إلى سوق النفط بعد التوقيع على الاتفاق الذي ينص على تعليق العقوبات أحادية الجانب الأمريكية والأوروبية بمجرّد أن تتأكّد الوكالة الدولية للطاقة النووية من أنّ طهران تحترم التزاماتها الدولية . اما فيما يتعلق بالاطار الزمني لرفع الحظر على الصادرات والمعدات النفطية فلم يتم تفعيله الى الان ، ويتوقع الا ترتفع قبل نهاية 2015 أو بداية 2016.
ايران والعودة الى سوق النفط
الحديث عن عودة طهران الى اسواق النفط واستئناف تصديرها للخام لن يكون بالسرعة التي قد يتخيلها بعضهم، فالاتفاق هو اتفاق سياسي على مبادئ عريضة وبحاجة الى الاتفاق على التفاصيل التقنية والتوصل إلى اتفاق نهائي حتى 30 حزيران/ يونيو بالاضافة الى عدد من المجالات المنضوية تحت هذه العقوبات مثل: التمويل والشحن والطاقة والتكنولوجيا ، والتي يتوقع الخبراء أن تستغرق إزالتها سنوات حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي نهائي وتم تنفيذه بسلاسة .
• الاتفاق الإيراني واسعار النفط
ترتبط اسعار النفط العالمية بنتائج الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب وهو ماشهدناه من تراجع لأسعار النفط بعد الحديث عن توقيع اتفاق الاطار في سويسرا .
واستبعدت مؤسسة «Energy Aspects» العالمية المستقلة المتخصصة في تحليل أسواق الطاقة، إمكان تخفيف العقوبات المفروضة على إيران قبل مضي فترة تتراوح بين ستة أشهر وعام من تاريخ توقيع الاتفاق النهائي في نهاية حزيران المقبل.
وأضافت المؤسسة في تقرير تحليلي ، أن إيران تحتاج أيضا لأشهر عدة أخرى من أجل رفع حجم إنتاجها من النفط وزيادة صادراتها، متوقعة حينها تراجعا في أسعار النفط نتيجة لزيادة المعروض النفطي في الأسواق.
وتراجع سعر برميل مزيج برنت القياسي أكثر من 5%، حال صدور أنباء عن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني
ويتوقع محللون في أسواق الطاقة أن تقوم منظمة “أوبك” خلال اجتماعها المقبل في يونيو/ حزيران المقبل بخفض حصص الإنتاج للدول الأعضاء لمواجهة التدفق المحتمل للنفط الإيراني إلى الأسواق.
ان عدم اتخاذ “أوبك” أي خطوة كخفض حصص الإنتاج يعني ان أسعار النفط ستستمر في الهبوط. و بسبب وجود احتياطيات كبيرة من النفط لدى إيران واستعدادها لتصدير ما يقارب 800 ألف برميل يوميا خلال العام الحالي، وقد تراجعت أسعار النفط بعد زيادة نحو مليون برميل يوميا للنفط في السوق، بعد رفع الحظر الاقتصادي على إيران.
وهنا نشير الى ان عودة ايران الى السوق لن تكون هذا العام على الاقل،وربما الربع الاول من عام 2016 ،وسيستغرق الأمر بعض الوقت لعودة النفط الإيراني إلى السوق العالمية ومن المرجح ألا يعود قبل العام المقبل على أقرب تقدير.
وبالتالي يدفع أسعار النفط للصعود إذا استمرت المحادثات وربما يكون هناك سبب لإطالة أمد التراجع الحالي في الأسعار إذا بدأت إيران ضخ مزيد من النفط في السوق وبصفة خاصة في النصف الثاني من العام.
يشار الى ان العقوبات الغربية قد قلصت صادرات إيران النفطية إلى 1.1 مليون برميل يوميا من 2.5 مليون برميل يوميا في 2012.
• دعوة للشركات العالمية
تبذل ايران جهدها في دعوة الشركات الاجنبية للعودة للاستثمار على اراضيها وهو ما بدى واضحا من خلال دعوة الرئيس الايراني حسن روحاني في منتدى دافوس الاقتصادي عام 2014 حيث وجه روحاني دعوة للغربيين للعودة إلى بلاده للاستثمار في قطاع الطاقة.
ان سرعة عودة الاستثمارات والتجارة الى إيران تقوم بالاساس على سرعة اصلاح المعاملات المصرفية في عودة العمل مع إيران. في حال رفع بعض العقوبات المالية، فان البنوك لديها الحرية في العودة للعمل مع شركائهم الإيرانيين؛ فعقود “إعادة الشراء” المقترحة إلى الآن المقدمة من الشركة الوطنية الإيرانية للنفط غير جذّابة. وفي هذه العقود، ذات الفترة المحدودة، يتمّ تعويض الأجانب لاستثماراتهم في المنشآت، ولكن جميع البراميل تعود إلى الشركة العمومية.
ويشير خبراء السوق الى انه لا يمكن للشركات النفطية أن تضع الخام الإيراني في محفظة أصولها في حين أنّ معدّل استبدال الاحتياطيات للشركات متعددة الجنسيات السبع الكبرى بلغ في عام 2014 أدنى مستوى له منذ 2010. وفي طهران، وتدرك وزارة النفط هذا العائق، وتطوّر نوعًا جديدًا من العقود أكثر.
وهنا يقول العديد من الخبراء ان الشركات الأوروبية الكبرى على غرار (شل وبي بي وتوتال وإيني …) ستعود الى ايران. أمّا الشركات الأمريكية مثل (إكسون وشيفرون …) والّتي نأت بنفسها عن البلاد منذ قيام” الثورة في ايران 1979 ، فتحتاج وقتًا أطول للعودة؛ شريطة ألا يقرّر الكونغرس الأمريكي الّذي يهيمن عليه الجمهوريون تشديد موقفه من إيران.
• سنوات الحظر القاسية
لقد ادت سنوات الحظر المفروض من الدول العظمى والامم المتحدة الى احداث اضرار بالغة في البنية التحتية إذ حُرِمت شركة النفط الوطنية الإيرانية من معدّات وقطع غيار ضرورية لصيانة الإنتاج المستمر.
اما النظام المصرفي هو أيضًا منهك، ويمثّل عام طرد لأي مستثمر أجنبي يريد أن يقوم بأعمال تجارية مع إيران.ويرى الخبراء ان على الإيرانيين أن يحظوا بمكانة في هذه السوق الّتي تواجه وفرة في المعروض؛ إذ إنّ المملكة العربية السعودية ؛لم تضخّ ذهبًا أسود بهذا القدر من قبل، والمملكة السعودية الّتي تخوض أساسًا “حربًا” ضدّ المنتجين الأمريكيين للنفط الصخري لن تقدّم هدية إلى خصمها الأكبر الّذي يمارس سياسة الخصم على البراميل.
• مستقبل اسعار النفط وماذا بعد الاتفاق الايراني- الغربي
من المعلوم ان الاتفاق بين ايران ودول 5+1 فد اثر بشكل ما باسعار النفط منذ الحظة الاولى ، الا ان تحليلات تتراوح بين من يقول بتأثير الاتفاق على اسواق النفط في المستقبل لكن هناك تحليلات اخرى تقلل من تأثيرهذا التوقيع على سعر النفط في الأسواق العالمية خلال الربع الثاني من عام 2015، بحيث تتراوح عند مستوى 55 – 60 دولارا للبرميل ، ويأتي ذلك مع غياب العوامل السياسية والتوترات التي تلعب دورا حيويا في تحديد مسار الأسعار في السوق العالمية خصوصا بعد توقيع الاتفاق. بالاضافة الى أن السوق قادرة على استيعاب النفط الايراني بعد الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ويتوقع محللون قيام منظمة “أوبك” خلال اجتماعها المقبل بخفض حصص الإنتاج للدول الأعضاء لمواجهة التدفق المحتمل للنفط الإيراني إلى الأسواق.
على الرغم من ان جميع المعطيات تشير الى ان ايران ستشهد حالة من الانتعاش الاقتصادي الا أننا لانستعجل الامور لان الامر ببساطة لايتعلق بالمسائل الاقتصادية او الفنية البحتة ، انما للسياسة دور بارز في تقدم او تعقيد الامور ولذلك علينا ان ننتظرالى ما ستنتهي اليه الامور بعد الاتفاق النهائي في حزيران المقبل .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية