سواء تعلق الأمر بانتخابات رئاسية أميركية أو ببريكست أو بالأزمة في كتالونيا، تتعرض موسكو منذ أكثر من عام لاتهامات شتى تدلّ على الخوف الذي تثيره الأسلحة الجديدة بيد موسكو من قراصنة و”متصيدين” أو الرقابة على وسائل الإعلام.
إذا كانت الاتهامات الأولى ضد موسكو بدأت مع قرصنة ملقمات الحزب الديمقراطي الأميركي في العام 2016، فهي تزايدت بشكل سريع بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وكشفت مجموعة كبيرة من الأدوات التي يستخدمها الكرملين.
وبعد أن كانت المخاوف تتركز حول “القراصنة الروس” الذين يعملون على ما يبدو لصالح الاستخبارات في إطار حرب معلوماتية، باتت تدور حول التقارير المتلفزة والمقالات على الإنترنت والإعلانات سريعة الانتشار على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تهدف إلى توضيح مواقف روسيا وأيضا إلى استغلال الثغرات والانقسامات في الديمقراطيات الغربية.
منذ انتخاب دونالد ترامب، تصاعدت الاتهامات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة بشأن تدخّل موسكو في الانتخابات الأميركية وتصعيد أوروبي ضد موسكو و”قراصنتها” من جهة أخرى
الفصل الأخير من هذا المسلسل الذي يُلقي بثقله على رئاسة ترامب كان عندما اضطرت شبكة روسيا اليوم التلفزيونية الرسمية والمتهمة بنشر دعاية الكرملين في الخارج إلى الرضوخ لمطالب واشنطن وأن تتسجل على أنها “عميل أجنبي” في الولايات المتحدة.
قبلها ببضعة أسابيع، قرر موقع تويتر منع روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك من بث مضامين ترعاها جهات أخرى، بينما تعهد كل من غوغل وفيسبوك بالتصدي بشكل أكبر لـ”الإعلام المضلّل” لموسكو.
ويثير هذا التهديد الذعر في كل مكان: فمدريد تشعر بالقلق من عمليات “تلاعب” من قبل موسكو خلال الأزمة الكتالونية. ويرى مراقبون بريطانيون آثار تدخل روسي في عملية بريكست، بينما تتزايد المخاوف من حصول تدخل في مختلف الاقتراع من ألمانيا إلى فرنسا.
في المقابل، يندد الكرملين بشدة بالاتهامات “الهستيرية” و”السخيفة” والتي “لا أساس لها” وتستفيد من جوّ “معاد لروسيا” سائد حاليا. كما أن موسكو تعتبر أنه لم يتم تقديم أي أدلة ملموسة على ذلك حتى الآن.
حرب المعلومات
بعد أن خسرت روسيا “الحرب الإعلامية” خلال النزاع القصير مع جورجيا في 2008، بذلت كل الجهود الممكنة لتعزيز “القوة الناعمة” ما أدى إلى تطوير وسائل الإعلام في لغات عدة فشبكة روسيا اليوم على وشك أن تبدأ خدماتها باللغة الفرنسية، بينما نشأت وكالة سبوتنيك الإلكترونية عن إعادة هيكلة لمجموعة “روسيا سيغودنيا”.
وتقوم مهمة هذين الذراعين الإعلاميتين للكرملين في الخارج رسميا على عرض وجهة نظر روسيا خصوصا في ما يتعلق بالمسائل التي تثير توترا مع الغرب مثل النزاع في سوريا أو في أوكرانيا. ويقول رئيس تحرير موقع اجينتورا.رو، المتخصص في شؤون الاستخبارات، أندري سولداتوف إن “روسيا تنفق أموالا كثيرة على حرب المعلومات وتضيف إليها باستمرار عناصر فاعلين جدد. إنها متقدمة على سواها”.
فاليري غيراسيموف، رئيس أركان الجيش الروسي الذي قال “لقد تغيرت قواعد الحرب. وسائل غير عسكرية يمكن أن تكون أكثر فعالية من استخدام القوة وخدمة أهداف استراتيجية”
في العام 2014، ظهرت أداة تأثير جديدة أكثر سرية إلى العيان في وسائل الإعلام الروسية وهي “مصنع المتصيدين” في سان بطرسبورغ. هذه الشركة واسمها الرسمي “شركة الأبحاث على الإنترنت” مرتبطة بحسب الصحف بالاستخبارات الروسية وهي تغذي الآلاف من الحسابات الكاذبة على شبكات التواصل الاجتماعي على أمل التأثير على الرأي العام.
وتقول مصادر صحيفة ار بي كاي الاقتصادية إن “المتصيدين” كانوا يعملون في البدء لغايات السياسة الداخلية لكنهم انتقلوا اعتبارا من العام 2015 إلى بث الخلافات في الولايات المتحدة من خلال التنكر بأنهم من معسكر ثم من المعسكر المضاد، وتنظيم تظاهرات أو بث معلومات كاذبة على الإنترنت.
ويقول محللون روس ومسؤولون غربيون إن نفوذ الجيش في رسم السياسات الخارجية الروسية توسّع بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وكان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، صرّح أن الجيش الروسي شكل قوة مكلفة بشؤون حرب المعلومات، مضيفا أن “القوات المكلفة بحرب المعلومات أكثر قدرة وفاعلية من القوات التي كانت تستخدم في السابق”.
وتتهم وكالات مخابرات أميركية الجيش بلعب دور في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية العام الماضي. وتقول هذه الوكالات إن وكالة المخابرات العسكرية الخارجية الروسية “جي.آر.يو” اخترقت حسابات البريد الإلكتروني التي تخص مسؤولين وساسة في الحزب الديمقراطي الأميركي ودبرت تسريبها إلى وسائل الإعلام لمحاولة التأثير على الرأي العام وإبعاده عن هيلاري كلينتون المنافسة الرئيسية لدونالد ترامب.
وكتب خبير الأمن والباحث في معهد العلاقات الدولية في براغ مارك غاليوتي أن عمليات الكرملين خلال حملة الانتخابات الأميركية “لم تكن تهدف إلى تحديد من سيصل إلى البيت الأبيض”، بل “تسديد ضربة إلى شرعية الحكومة الأميركية وإلى قدرتها على التدخل وإلى وحدتها”.
تأثير محدود
منذ انتخاب دونالد ترامب، تصاعدت الاتهامات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة بشأن تدخّل موسكو في الانتخابات الأميركية وتصعيد أوروبي ضد موسكو و”قراصنتها” من جهة أخرى.
لكن، رغم الجهود التي تبذلها، لا تزال قدرة موسكو على التأثير والتحرك محدودة. فقد شدد مسؤولون أميركيون على أن المحتويات التي يتم بثها انطلاقا من روسيا والمبالغ التي أنفقت خلال الحملة الانتخابية لا تشكل سوى جزء ضئيل من سيل المعلومات وإجمالي الميزانية.