الناصرة ـ «القدس العربي» من وديع عواودة:يستدل من متابعة ردود فعل إسرائيلية رسمية وغير رسمية على طرد الفتاة الفلسطينية عهد التميمي جنديين من بيتها في النبي صالح قرب رام الله، أن الجانب الإسرائيلي تابع الحادثة المحرجة بموازين الربح والخسارة دون اعتبار لمعايير الأخلاق، وسط تجاهل لواقع شعب تحت الاحتلال.
والقصد ليس التعقيبات الإسرائيلية في الشبكة وفي منتديات التواصل الاجتماعي التي تقطر كراهية ودما، الحديث يدور عن ردود فعل رموز حكومة الاحتلال التي تراوحت بين الدعوة للانتقام من الطفلة الفلسطينية الشجاعة التي أربكت جيشا كاملا بصفعها ضابطا وجنديا دخلا ساحة بيتها، وبين محاولة استثمار الصورة هذه للزعم الوقح مجددا بأن» الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم» كما قال وزير الأمن بنفسه أفيغدور ليبرمان أمس.
ليبرمان ذاته الذي فاخر أمس بقدرات جنوده على ضبط النفس وعدم المساس بفتيات فلسطينيات سارع للقول إنه لا بد من اعتقال الفتيات «المتطاولات،» وهو نفسه الذي أيّد قبل نحو عامين إعدام الشاب من الخليل عبد الفتاح شريف وهو جريح نازف طريح الأرض. لم تكن هذه «أخلاقيات» جنود الاحتلال التي حالت دون المساس بالفتاة عهد التميمي، إنما هي الكاميرا، السلاح الفلسطيني الآخذ بالانتشار في السنوات الأخيرة.
في هذه الحالة فضل الجنود امتصاص الصفعات والركلات من قبل فتيات قرية النبي صالح القريبة من رام الله على التورط بصورة تظهرهم يضربون طفلة وهم مدججون بالسلاح من أخمص أقدامهم حتى رؤوسهم المحشوة بعنجهية المحتل. هي الكاميرا كما يقول الدكتور أوري ميليشطاين، أهم مؤرخ عسكري إسرائيلي، الذي قال لإذاعة تل أبيب قبل أربعة شهور إن الكشف عن إعدام الشاب عبد الفتاح شريف لا يعكس الواقع لأن آلاف عمليات الإعدام قد تمت على يد جنود إسرائيليين ولم يسمع بها أحد ببساطة لعدم وجود كاميرا، لافتا إلى أن التعويل على القوة المفرطة ما زال مستمرا حتى اليوم.
بالأمس عبر عن غطرسة القوة هذه وزير التعليم نفتالي بينيت مقدما درسا بتبلد المشاعر الإنسانية والبلطجة السياسية بالدعوة لاعتقال التميمي وتركها تبلى داخل السجن حتى نهاية عمرها.
ولم تمر ساعات حتى كانت عهد التميمي بتاريخها المعروف في مقارعة الاحتلال وهي طفلة صغيرة، داخل الزنزانة الاحتلالية.
وحسب والدها باسم التميمي فإن جيش الاحتلال اقتحم المنزل فجراً وقام باعتقال عهد ومصادرة كافة أجهزة الكمبيوتر وكاميرات التصوير وأجهزة الاتصال الخاصة بالعائلة، والاعتداء بالضرب على الجميع وتفتيش البيت وقلب محتوياته.
وفي وقت لاحق اعتقلت قوات الاحتلال ناريمان التميمي والدة الفتاة عهد التميمي من أمام مركز الشرطة الاسرائيلية «بنيامين» شمال رام الله، حيث كانت متوجهة من أجل معرفة مصير ابنتها.
لم يحتمل بينيت صفعة فتاة لجندي إسرائيلي لكنه يتعايش مع حقيقة إقامة الإسرائيليين كيانهم على حساب الفلسطينيين وديارهم ودمائهم منذ سبعين عاما ونيف. بينيت وأمثاله ممن صفعت روحهم صفعة عهد التميمي حالة شبيهة بالحالة العبثية التي وصفها أديب اسحق بالقول «وقتل إمرئ في غابة جريمة لا تغتفر… وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر… والحق للقوة لا يعطيه إلا من ظفر.»
بعد النشر الواسع لشريط فيديو الطرد والصفع من يوم الجمعة الفائت في النبي صالح الذي استدعى اعتقال الفتيات الشجاعات أمس، شعر بعض المعلقين الإسرائيليين بالتعاطف مع «جنودنا الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات القاسية « وبعضهم عبر عن فخره بـ «ضبط النفس «الذي أبدوه الجنود، فيما استغرب آخرون عدم تقييد الفتيات الفلسطينيات واعتقالهن بنفس اليوم وبعد التأكد من عدم وجود كاميرات لمنع الفلسطينيين من انتصارات في المعركة على الوعي والرواية بعدما صارت العدسة سلاحا. بالمجمل زان كافتهم (تقريبا) بميزان الربح والخسارة أما الأخلاق فموازينه قد حطمت وأودعت في سلة المهملات منذ سنوات، ولذا لم يذكر أحدهم تقريبا الاحتلال وواقع حياة الشعب الفلسطيني تحت التنكيل والاضطهاد والتعذيب. يتضح مجددا للمرة المليون أن الجانب الإسرائيلي لا يرى الفلسطينيين وكأنهم هواء وهم يقنعون أنفسهم بأساليب سيكولوجية بذلك كالقول في سريرتهم إن «هذه الأرض حق لشعب الله المختار وإن الفلسطينيين «إرهابيون» ويستحقون القسوة وإنهم مذنبون لأنهم لا يفوتون فرصة من أجل تفويت السلام وغير ذلك.
القدس العربي