نيكي هيلي.. قصة صعود “بلياتشو ترمب” للأمم المتحدة

نيكي هيلي.. قصة صعود “بلياتشو ترمب” للأمم المتحدة

مقدمة المترجم
يوفر المقال التالي، لكاتبه أندرو رايس من صحيفة نيويورك، إطلالة على أبرز التطورات التي طرأت على شخصية، نيكي هيلي، وتحولها من سياسية مثالية مناصرة للضعفاء والمسحوقين إلى سياسية ذات طموحات أعلى ضمن عملها في طاقم إدارة دونالد ترمب.

نص المقال
في عام 2003، اتصلت فتاة شابة بريتا أليسون، متسائلة عما إذا كان لها مستقبل في الحزب الجمهوري. يبدو أن السؤال، مثله مثل الزائرة، أتى من لا مكان. كانت “الآنسة ريتا” -كما كانوا يدعونها في مبنى البرلمان التابع لولاية كارولينا الجنوبية- سيدة جنوبية ذات شعر بلاتيني اللون، وهي واحدة من القلائل اللاتي حققن نجاحًا سياسيًا في ولايةٍ كانت تشغل آنذاك المرتبة الأخيرة في عدد النساء المنتخبات لشغل مناصب سياسية. كانت ريتا تعرف الفتاة الشابة كونها فقط موظفة في متجر إكسوتيكا، وهو متجر ملابس في ضواحي كولومبيا, تذكرت الآنسة ريتا مؤخرًا قائلة “إذا كنت تبحث عن شيء أصلي جداً أو مختلف، فإن هذا المتجر كان جيدًا لذلك”.

كان متجر إكسوتيكا شركة عائلية، وكانت الشابة تتولى الحسابات في المكتب الخلفي لأمها راج رانداوا، التي كانت تدير المكان. عملت شقيقتها الأكبر سيمي في طابق المبيعات، كما فعل زوجها مايكل هيلي. كان عمر نيكي هيلي 31 عاماً ولديها طفلان صغيران. وحتى تلك اللحظة لم تكن قد اشتركت أبداً في اتحاد طلابي أو حتى درست دورة علوم سياسية واحدة في جامعة كليمسون، حيث درست المحاسبة. ومع ذلك، كان لديها نية أنها قد تترشح للمناصب العامة. قالت لي ريتا عندما جلسنا في مكتبها حيث تعمل في المجلس التشريعي لولاية كارولينا الجنوبية “تحدثت معي عن النساء اللواتي يترشحن والعقبات التي يتعين علينا تجاوزها”. نصحت الآنسة ريتا هيلي وقالت لها؛ إن العديد من النساء يبدأن على المستوى المحلي، لنقل مثلًا باعتبار إحداهن مرشحة لمجلس المدرسة أو لمجلس المدينة. لكن هيلي كان لديها خطط أكبر. قالت إنها كانت تفكر في مقعد في مجلس النواب، الذي كان يشغله عضو جمهوري من أسرة جنوبية عريقة منذ أمد بعيد. قالت لها الآنسة ريتا إنها ستواجه معركة شاقة، ولكن لم يثبط هذا من عزيمة هيلي. قالت الآنسة ريتا: “أَعتقدُ أنها كانت عازمة جدًا على المضي قدمًا نحو المكان الذي ستذهب إليه، وما الذي اعتقدت أنها يمكن أن تفعله للدولة، وما الذي يناسبها”

على الرغم من أنها مواطنة من ولاية كارولينا الجنوبية، كانت هيلي طفلة لمهاجرين هنود. لن يعمل أيّ من مستشاري الحملات في كولومبيا لديها. لن يذهب الناخبون في منطقتها -كما قالوا- لينتخبوا مرشحة يرتدي والدها عمامة. على الرغم من أنها، مثل زوجها، كانت ميثودية (بروتستانتية) ملتزمة، فوالداها كانا من السيخ. ولكن في هذا الخريف، حضرت هيلي خطابا ملهما للسيناتور هيلاري كلينتون، والتي قالت فيه إن النساء يجب أن “يتجرأن على المنافسة” في السياسة. خرجت وبدأت في مسح الأحياء، مُسلحة بصناديق من الكعك المقرمش.

فتح الناخبون أبوابهم أمام امرأة مبتسمة، كستنائية العينين، ذات ملامح داكنة مدهشة ولكن لا تجعلها تبدو كأنها غريبة عن المكان. حاول خصومها إثارة هذه القضية، وأطلقوا إعلانًا صحفيًا أشار إليها باسمها الحقيقي نيمراتا، على الرغم من أنها كانت تُدعى طوال عمرها بنيكي. ولكن لم يشكل هذا فارقًا، فقد ناشدت هيلي الأمهات الأخريات في الضواحي، والمزارعين المحافظين المنبهرين. قالت الآنسة ريتا: “كانت واثقة جداً من ذلك، واثقة جداً، هذه شخصيتها. لم تنشأ في الجنوب”. رأتني الآنسة ريتا وأنا أرفع حاجبي، وأوضحت؛ “أعني أنها نشأت في الجنوب، ولكن أعتقد أن تأثير عائلتها سيكون مختلفًا قليلًا عن شخص من آباء جنوبيين وهذا النوع من الأمور. كيف ربوها ومنحوها الثقة التي لديها، أرى ذلك كل يوم، رأيت ذلك في مكتب الحاكم، وأرى ذلك عندما أشاهدها تتكلم وهي سفيرة”.

طالما كانت نيكي هيلي مختلفة طوال حياتها. نشأت في بلدة صغيرة في الجنوب حيث كانت التقسيمات تدور حول أسود أم أبيض، ولم تكن هي أيًا من ذلك. وفي ولاية شغل الرجال تقريبًا جميع مراكز السلطة فيها، انتقلت من متجر والدتها إلى مبنى المحافظ في ست سنوات قليلة. وفي حزب أضحى في الآونة الأخيرة تسيطر عليه القوى الرجعية من القوميين البيض، أصبحت نجمة من خلال تقديم نفسها باعتبارها صورة رمزية لـ”الجنوب الجديد”، مع قصة شخصية جذابة من الهجرة والاستيعاب. رغم كونها ناقدة شرسة لسياسات دونالد ترمب التقسيمية، أصبحت هيلي سفيرة لدى الأمم المتحدة، وربما تكون مبعوثته الأكثر تميزًا في العالم؛ الوجه الدبلوماسي لرئاسة غير دبلوماسية على الإطلاق. وصفها مستشار سابق لجورج دبليو بوش بأنها “الشيء الأكثر طبيعية الذي فعله الرئيس في السياسة الخارجية”. لا تسعى هيلي إلى التوفيق بين هذه التناقضات، بل تتخطاها في طريقها إلى وجهة أكثر أهمية.

في إدارة مليئة بمبتدئي السياسة، جيء بأكثرهم من العاملين مع ترمب أو من المتوافقين مع إيديولوجيته، تشكل هيلي الشخصية الفريدة -وربما يكون نائب الرئيس مايك بينس هو الوحيد الآخر- التي تملك كلًّا من قوة الشخصية والطموح لاستخدام ذلك. يعتقد الجميع بنيتها للترشح للرئاسة في أحد الأيام، سواء بين دوائر أصدقائها أو حتى الرجل الذي تعمل في إدارته في الوقت الراهن. قال لي أحد المقربين منها في ولاية كارولينا الجنوبية في وقت سابق من هذا العام: “حسب معرفتي بنيكي هيلي، سوف تفعل بالضبط ما ينبغي عليها فعله بدون أن تترك بصماتها على أي شيء، وستحظى بالتقدير حيثما تستطيع”.

لا شك أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، مع تراكم سحب الحرب وتعالي حسيس طبولها، وفي ظل توبيخ ترمب لكلٍ من حلفائه وخصومه، فقد شرحت هيلي ببراعة كلمات الرئيس المستهترة، بينما ساعدته على تحويل نوبات غضبه إلى إجراء. وفي الأمم المتحدة، أعدت القضية إعدادًا قويًا لحرب محتملة ضد كوريا الشمالية التي تبني أسلحة نووية، بينما تعمل على إبرام اتفاق متعدد الأطراف يهدف إلى منع إيران من أن تحذو حذو كوريا الشمالية. خلال هذه العملية، ناورت لتسلك طريقها إلى دور مركزي في الإدارة -متخطية بذلك رئيسها المفترض، وزير الخارجية ريكس تيلرسون- في حين تجنبت في أغلب الوقت إثارة غضب رئيس ذي طبيعة تكره عندما يسرق منها الأضواء. قال خبير جمهوري في السياسة الخارجية مُعجباً: “هذه تحركات سياسية جيدة”.
عُرفت السياسة الخارجية لترمب بالاقتتال الداخلي بين فصائل من القوميين اليمينيين، والجنرالات السابقين، والموالين بالعائلة، ووزير الخارجية الذي يقال إنه أشار إلى الرئيس على أنه “أحمق”. في أواخر (نوفمبر/تشرين الثاني)، ظهرت تقارير إخبارية تفيد بأن ترمب خطط ليحل مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو محل تيلرسون المحاصر. على الرغم من رفض الرئيس لهذه الشائعة واصفًا إياها بأنها “أخبار مزيفة”، يتحرك بومبيو بنشاط لتجنيد ذوي الخبرة للعمل من أجله فى الخارجية. وقد صرحت هيلي، التي أفادت التقارير بأنها تسعى لهذه الوظيفة، علنًا ​بأنها لا تريدها، وتؤكد مصادر مطلعة على تفكيرها بأنها لا تناور في ذلك. فقد قال أحد الأشخاص المتصلين بفريق هيلي: “إنها مكتفية جدًا بالبقاء في الأمم المتحدة، وسعيدة فعلًا بأن بومبيو أدخل نفسه في الموقف. كل من يقترب من فلك ترمب يُكتب له الاحتراق”.

في المناقشات الداخلية، كانت هيلي تصطف مع بومبيو، وغالبًا ما تشكل تحالفًا قويًا مع مستشار الأمن القومي ماكماستر. “لقد أصبحت بمثابة الملجأ بالنسبة لهم” حسبما قال مسؤول سابق يتعامل مع الإدارة في شؤون السياسة الخارجية. على عكس تيلرسون، تمكنت هيلي من إدارة علاقتها الثنائية الأهم بنجاح؛ علاقتها مع ترمب. قال مسؤول كبير في الإدارة: “يشبه حدسها إلى حد بعيد ذلك الذي يتمتع به الرئيس، وهو ما يفسر على الأرجح ذلك التناغم بينهما، لقد كانت ملتزمة تمامًا بالأمور التي يريدها الناس منها”. مع ذلك تمكنت هيلي أيضاً من الحفاظ على قدرٍ من المسافة السياسية بينها وبين ترمب والفوضى التي يخلقها، وهو إنجاز دبلوماسي مثير للإعجاب. يقول ستيفن شليسنجر، وهو خبير بشؤون الأمم المتحدة في مؤسسة سنشري فاونديشن: “إنها تلعب لعبة مزدوجة، مع جمهور ترمب تريد التأكيد على أنها واحدة من الجنود الذين يسيرون تُبعا لرؤيته. وفي الوقت ذاته، من أجل مستقبلها السياسي، تريد أن تبدو أنها ذات نمط مستقل”. ينبغي أن يدعم موقفها الحالي في الأمم المتحدة أهدافها المهنية على المدى البعيد، بشرط أن تستخدم نفوذها لمساعدة العالم على تجنب الكوارث على المدى القصير، وهو تحدّ خطير كما يبدو.

وفي الرابع من (يوليو/تموز) الماضي، بينما يشعل الأميركيون الألعاب النارية، اختبرت كوريا الشمالية بنجاح صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات وقادرًا على ضرب الأراضي الأمريكية. في صباح اليوم التالي، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة طارئة. تظهر غرفة المجلس -وهي في الأصل هدية من حكومة النرويج- مفروشة بالسجاد ومزينة بالخشب الأشقر والرخام الأبيض، بالإضافة لجدارية ذات نسق ناعم تصور مشاهد رمزية من النهضة، وهي مكان للحوارات المتأنية وليس المتفجرة. غير أن هيلي -مثل الرئيس الذي تمثله- ليس لديها الوقت الكافي للغة الصامتة التي تتحدث بها الأمم المتحدة.

أعلنت هيلي: “يجب أن أقول إن اليوم يومٌ مظلمٌ؛ لأن تصرفات كوريا الشمالية أمس جعلت العالم مكانًا أكثر خطورة”. وحذرت أنه إذا لم يستجب مجلس الأمن “بطريقة جادة” عبر تبني عقوبات تجارية جديدة، فإن الولايات المتحدة “مستعدةٌ لاستخدام كامل قدراتها” بما فى ذلك “قواتنا العسكرية الكبيرة”. رفضت الصين كلامها، ونددت روسيا بـ”استفزازها وإثارتها للحرب”. وحتى داخل البيت الأبيض، كان هناك شكوك كبيرة في أن هيلي يمكن أن تقنع مجلس الأمن باتخاذ إجراء جاد. ولكن بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة -والاختبار الصاروخي الثاني لكوريا الشمالية- انتصرت هيلي، وحصلت على تصويت بالإجماع للعقوبات القاسية. تحدث عنها ترمب بعد ذلك مانحًا إياها أعلى ثناء لديه، وقال إنها قامت بصفقة عظيمة.

لكن غريزة ترمب الجارفة نحو المواجهة، يستحيل على أحد تهدئتها لفترة طويلة، ولا حتى هيلي بوسعها ذلك. بعد بضعة أيامٍ من التصويت على العقوبات، هدد ترمب في تصريحات تبدو مرتجلة، بإطلاق “لهيب وغضب، على نحو لم يسبق للعالم أن شهد مثلهما” إذا تجرأت كوريا الشمالية على مزيد من الاستفزاز. ومُنذ ذلك الحين، أعرب بنبرة التهكم والسخرية، في مناسبات عدة، عن الجهود المبذولة للتوصل إلى حل الأزمة عن طريق التفاوض. يقول ريتشارد جوان خبير الأمم المتحدة بجامعة كولومبيا: “نجحت هيلي، من المنظور الدبلوماسي العام، على صعيد كثير من القضايا في ترجمة التوجهات “الترمبية” إلى سياسات قابلة للتطبيق داخل الأمم المتحدة. لكنها لا تستطيع السيطرة على الوحش”.

لكي تصل إلى بلدة بامبرج في كارولينا الجنوبية، عليك الخروج من الطريق السريع 26 والانحراف يمينًا نحو شارع يحمل اسم السيناتور جون كيهون، وهو عراب سيئ السمعة في عهد الحرب الانفصالية، ومواصلة طريقك على طول طريق ريفي يمر عبر أميال من حقول القطن والمستنقعات ومحطات بيع الفول السوداني. وعند حدود المدينة، البالغ عدد سكانها 3600 نسمة، تجد إشارة تنتصب بفخر ومكتوب عليها موْطن نيكي هيلي. وفي طريقي إلى مبنى مجلس البلدية، كانت شبكة “سي إن إن” على شاشة تلفزيون مثبت على الحائط تبث برنامجًا، وكان المعلقون يناقشون تصريح كوريا الشمالية بأن العالم “على وشك دخول حرب نووية”. عرضَ عليّ ترينت كينارد، عضو المجلس، القيام بزيارة عبر شوارع المدينة. كان ترينت كينارد، وهو ديمقراطي وشرطي دوريات سابقًا، أحد زملاء الطفولة لهيلي. “كُنا جميعًا أصدقاءً جيدين حقًا”، تفوّه كينارد بهذه الكلمات وهو يضع قليلًا من التبغ تحت شفته قبل أن يجلس خلف عجلة قيادة سيارته الكاديلاك، ثم ينطلق مرورًا ببعض البنايات قبل وصوله إلى منزل ريفي، حيث ترعرعت هيلي. وقال “إنه منزل صغير متواضع”، مضيفا أن والديها “كانا يقيمان معبدًا هناك، أتذكره، كان ذلك أجمل شيءٍ رأيته في حياتي على الإطلاق”. انتقل والدا هيلي إلى بلدة بامبرغ في عام 1969، وبصِفتهم هنودا يقيمون في المدينة، كانت أسرة راندهاو محل فضول لدى سكان البلدة، لكنهم قاوموا ذلك الوضع الحرج وتمكنوا في نهاية المطاف من انتزاع قبولٍ بين سكان بامبرغ. وأصبح والد هيلي “أجيت”، الذي عمل مدرسًا لمادة الأحياء في كلية قريبة يرتادها تاريخيًا الطلاب السود، رجلًا ذا هيئة ترتدي عمامة وكثير الظهور في الصحيفة المحلية من خلال تشجيعه باستمرار للمبادرات ذات البعد المدني.

“تقول هيلي إن نشأتها في بامبرغ جعلتها “بارعة في فن البحث عن أرضية مشتركة بين الناس”، وهو ما يعني غالبًا أنها تقلل في الممارسة العملية من بُعد انتمائها العرقي”

في أحد أعدادها المنشورة عام 1979، نشرت الصحيفة صورة مبتسمة لأطفال راندهاو الأربعة تحت عنوان “مواطنو المستقبل القريب”. وقد افتتحت والدة هيلي، التي كانت ترتدي زي الساري النسائي الهندي، أول محل “إكسوتيكا” في الشارع الرئيسي بالمدينة، حيث تبيع فيه الهدايا المستوردة والحلي. كما نظمت عائلة راندهاو مهرجانًا دوليًا سنويًا، وجلبت أصناف الأطعمة الهندية وبرامج الموسيقى والرقص المحلية إلى بامبرغ. رغم ذلك، تصف هيلي في سيرتها الذاتية، تحت عنوان “عبارة لا أستطيع ليست بخيار: قصتي الأمريكية” شعورها بالغربة في بعض الأحيان عندما كانت لا تزال طفلة، وتقول: “كان بالمدينة خط السكة الحديدية، يشق بامبرغ إلى شطرين، نجد من جهة بيوت السكان السود، ومن الناحية الأخرى منازل السكان البيض”، وكتبت متذكرةً أن عائلة راندهاو “لا تنتمي إلى أي من الفئتين. لم نكن داكني البشرة بما يكفي لنُصنف ضمن السود، ولا شاحبين بما يكفي لنُعتبر من البيض”. وجاء فيما رُوي في قصتها التي أصبحت إرث هيلي السياسي، أنها تعرضت ذات يوم لإقصاء من مسابقة جمال لتتويج ملكة جمال بيضاء وملِكة جمال سوداء؛ فأبعدها المنظمون لأنهم لم يعرفوا أين يضعونها، فلا هي بيضاء ولا سوداء.

يسأل كينارد: “هل قرأت كتابها أم ليس بعدُ؟ هراء!”، يزعم كينارد، وهو رجل أبيض، أن هيلي يمكن أن توصف بأي شيء إلا الزعم بأنها غير مؤهلة. ويضيف “الجميع يحب نيكي الصغيرة”. أشار كينارد إلى بركة سباحة محاطة بسورٍ عالٍ مغطى بأسلاك شائكة -وهي عبارة عن ناد خاص أنُشئ خلال فترة إلغاء الفصل العنصري- وقال: “قال الرجال البيض القدماء عن ذلك المسبح “فليذهبوا إلى الجحيم بمسبحِهم هذا، سنقوم ببناء مسبح خاص بنا”، وهو ردٌ كان طبيعيًا في ذلك الوقت. أصبحت نيكي أول شخص ملون تستحم هناك”. التحقت هيلي بالمدرسة الثانوية في إحدى “أكاديميات الفصل” الخاصة التي أسستها الأسر البيضاء لتفادي نظام المدارس العامة الفقيرة، ثم ذهبت إلى كليمسون، بفضل حصولها على منحة دراسية، وفي أول عطلة نهاية أسبوع هناك، قدمها صديقٌ لها لشابٍ يدعى بيل هيلي، وكانت تفضل اسمه الأوسط، مايكل، وهو ما أصبح ينُادى به منذ ذلك الحين.

وفي بداية مشوار هيلي باعتبارها شخصية سياسية بارزة في كارولينا الجنوبية، لم يكن الكثير من الناس يعرفون أنها هندية أمريكية. وفي أعقاب ذلك، قال أحد المشرعين من السود في مجلس الولاية، في تعليق عنها؛ إن الناخبين رأوا فيها “امرأة محافظة لطيفة ببشرة قليلة السمرة”، وهو تعليقٌ انتقدته هيلي بشدة واعتبرته هجومًا عنصريًا. في كتابها، تقول هيلي إن نشأتها في بامبرغ جعلتها “بارعة في فن البحث عن أرضية مشتركة بين الناس”، وهو ما يعني غالبًا أنها تقلل في الممارسة العملية من بُعد انتمائها العرقي”. وإلى حد كبير، مثلما قدم باراك أوباما نفسه بوصفه ديمقراطيا ينتمي إلى “ما بعد مرحلة العنصرية”، شددت هيلي على أهمية ضرورة زيادة توجه الجمهوريين لاستمالة أصوات فئات منوعة من الناخبين، ولكن بدلًا من ذلك، وضعها صعود ترمب، وسياساته التي أثارت السخط العنصري، في موقفٍ حرجٍ ومحيطٍ مُربِك.

تجولت في بامبرغ في اليوم نفسه، حيث كانت هيلي تقف جنبًا إلى جنب مع ترمب وتيلرسون خارج نادي الرئيس في بدمينستر، وكانت ملامح وجهها تحمل علامات الاضطراب أثناء حديث الرئيس عن شن حرب يمكن أن تكلف ملايين الأرواح. وأتذكر أن زوجها كان قد قام بجولة في أفغانستان بوصفه ضابطًا في الحرس الوطني لولاية كارولينا الجنوبية. وفي وقت لاحق من ذلك المساء، عند تصفحي الرسائل على تويتر، رأيتُ التقارير الأولى من شارلوتسفيل، حول مسيرة نظمها العنصريون البيض يحملون معهم شعلة.

وفي (سبتمبر/أيلول)، اختبرت كوريا الشمالية ما زعمت إنها قنبلة هيدروجينية، وهي قفزة هائلة في قدراتها النووية. وبعد أسبوعين، توجه ترمب إلى الأمم المتحدة لمخاطبة الجمعية العامة السنوية. وكان متوقعًا أن يكون الخطاب عدائيًا نظرا لرغبة الرئيس في خفض الإسهامات الأمريكية في ميزانية الأمم المتحدة وانتقاداته السابقة للمنظمة التي وصفها بـ”مجرد ناد يلتقي فيه الناس للتحدث فيما بينهم والتمتع بوقت مريح”. كانت القاعة المليئة برؤساء الدول الزائرين، تبدو خاضعة على نحو غريب أثناء صعود ترمب إلى المنصة، في الوقت الذي أعرب فيه مسؤول كوري شمالي، كان يجلس في الصف الأول، عن احتجاجه بشكل صامت. بدأ ترمب كلمته بدايةً غير متناسق، إذ تأرجح بين ملاحظات مبتذلة عن الأممية، وخطابه المعهود عن “أمريكا أولًا”. ولكن عندما تحول ترمب إلى موضوع كوريا الشمالية، اتخذت لهجته منعطفًا حادًا، بقوله “تتحلى الولايات المتحدة بقوةٍ وصبرٍ كبيرين، لكنها إذا اضطرت إلى الدفاع عن نفسها أو عن حلفائها، فلن يكون أمامنا خيار سوى تدمير كوريا الشمالية تمامًا”. ومن خلال مشاهدتي الخطاب من شرفةٍ فوق القاعة، كنتُ أستطيع سماع صرخات تعجب جماعية، ثم ضجيج من الهمس والتذمر بعشرات اللغات، أثناء تبادل المندوبين نظرات تعجب، وكأنهم لا يصدقون آذانهم. وواصل ترمب خطابه بقوله إن “رجل الصواريخ -في إشارة إلى رئيس كوريا الشمالية- يخوض مهمة انتحارية لنفسه ولنظام بلده”، بينما كانت هيلي تستمع إلى الخطاب في القاعة، تحدق أمامها بوجه شاحب، ورغم ذلك، راحت في اليوم التالي تشيد في جميع البرامج الحوارية التي شاركت فيها بما تعتبره نهج الرئيس الحاد والصادق، وبعبقريَته في وصف الأمور.

وعلق جورج ستيفانوبولوس متسائلًا: “هل تعتقد أنه من المناسب استخدام مصطلح مثل “رجل الصواريخ” للحديث عن زعيم بلد آخر يملكُ أسلحة نووية؟”، قبل أن ترد عليه هيلي بقولها: “حسنًا، سأقول لك، جورج، لقد أدى ذلك مفعوله، كنتُ أتحدث إلى رئيس دولةٍ أفريقية ٍبالأمس، وقد أعاد على مسامعي ذكر “رجل الصواريخ””. يشكل وضوح شخصية هيلي عنصرًا من عناصر قوتها الأساسية. تقول جيسون ميلر، المتحدثة باسم حملة ترمب التي عرفت هيلي لسنوات: “إن ما يميز السفيرة هيلي ويعزز مكانتها، هو أنها تبلي بلاءً حسنا أثناء ظهورها على شاشة التلفزيون”. وتضيف “إن ما تفعله لا يقدر عليه الأشخاص المترددون وكل من يشعر بالخجل في التعامل مع المعارضين”. يمكن مشاهدة تباين ضمني بين شخصيتها وشخصية تيلرسون، المتميز بتحفظه العلني ومواقفه الحذرة -ولننظر إلى التعامل البطيء مع موضوع كوريا الشمالية، وعدم تدمير الاتفاق النووي مع إيران، ورفض السماح للسعوديين بإخلال توازن القوى في الشرق الأوسط- التي تسير عكس اتجاه غرائز الرئيس المتشائمة. وقد تسبب هذا الانشقاق في إحداث فوضى داخلية. يقول آرون فريدبيرج، مستشار ديك تشيني، نائب الرئيس سابقًا: “عندما لا توجد آلية أخرى، تصير مؤامرات القصر هي السياسة المتبعة”.

وقد أثارت إدارة تيلرسون المتعجرفة موجة تمرد بين موظفي السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، في حين أظهرت هيلي لمسة أكثر نعومة، وشعارها، مثلما أوضحته لموظفيها بالأمم المتحدة هو “اركِلهم بابتسامة”. ولكن إذا كان نهجها أغرى العديد من زملائها السفراء، فلا يبدو أنه استهوى تيلرسون. إذ قال مسؤولٌ كبيرٌ في الإدارة لمجلة ذا نيويوركر؛ إنه “يكرهها أشد الكره”. هناك دينامية طبيعية للمنافسة بين مكْتبيهما؛ على الرغم من أن السفير لدى الأمم المتحدة يتبع تقنيًا لوزارة الخارجية، تحظى هيلي بمقعدٍ متساوٍ في مجلس الوزراء. وقد زادت حدة الاحتكاكات نتيجة رغبة ترمب السماح لمُوظفيه بالتعبير عن آرائهم علنًا. يقول مستشار جمهوري في السياسة الخارجية عمل في إدارة سابقة: “في أي إدارة أخرى، لن يتم التسامح مع ذلك. إن انطباعي هو أن ترمب يحب أن يجمع حوله أشخاصًا مختلفين، يعبرون عن وجهات نظر مختلفة، وذلك يشكل جزئيا الكيفية التي يتخذ ترمب بها قراراته، ليرى كيف يتم تلقي الأفكار المختلفة”. يُعرف ترمب بمقته أن يرشده أحدهم نحو اتخاذ القرارات. غير أن هيلي تميزت ببراعةٍ مكنتها من استشراف الوجهة التي يريد الرئيس السير نحوها، فتباشِر في مساعدته على إيجاد وسيلة للوصول الى هناك. يقول المسؤول السابق، الذي لا يزال يتحدث عن هيلي “لم تتوقف عن التفكير في “كيف يمكنني التفوق على عقبة تيلرسون؟ وهو ما تفعله بكل بساطة”

تعتبر إحدى المواهب السياسية التي تنعم بها هيلي -وربما أثمنها، بالنظر إلى عبء التحيز الجنسي الذي تعاني منه النساء- قدرتها على تقديم نفسها بنوع من التواضع الساحر الذي يفقد الخصم قدراته. وتبدي طموحها الواضح على الطريقة الأنيقة المعروفة لدى أهل ولايات الجنوب، حيث ستقول أي امرأة تعبيرًا عن مشاعرها “فليبارك الرب قلبك”، وهي تعني في الواقع “فلتذهب إلى الجحيم”. تقول امرأة لعبت دورًا رئيسيا في صعود نجم هيلي: “إنها مصممة بالتأكيد للمضي قدمًا ولن تتردد في دهس من يقع في طريقها للوصول إلى وجهتها. تفعل ذلك تمامًا مثلما يفعله الرجل المصمم على بلوغ أهدافه”. في المجلس التشريعي للولاية، الذي انضمت إليه في عام 2005، تركت هيلي بصماتها باعتبارها مصلحة شابة، وذلك في صراعها مع ما أطلقت عليه “نظام الفتى الجيد” الذي سيطر على حكومة الولاية. تقول كارين فلويد، رئيسة سابقة للحزب الجمهوري في ولاية كارولينا الجنوبية: “كانت دائما تصارع شيئًا ما”.

وعندما حاولت هيلي إجبار السلطة التشريعية على التسجيل علنًا كيف صوت الأعضاء على مشاريع القوانين -قضية توقيعها- رفض رئيس المجلس طلبها بشدة عن طريق إقصائها من عضوية لجنة هامة. تقول أشلي لانديس، رئيسة مجلس سياسة ولاية كارولينا الجنوبية -وهي مجموعة غير ربحية تدعو إلى الشفافية-: “لقد جاءتني والدموع في عينيها، أخذتها معي إلى البيت، سكبتُ لها كأسين من النبيذ، وقلتُ لها إن هذا سيكون في مصلحتنا”. وبصفتها مُشرِّعةً ناشئة، كانت هيلي حليفًا لحاكم الولاية آنذاك، مارك سانفورد، وهو تحرري شحيح جدًّا يقف على النقيض من المحافظين المعارِضين الذين يسيطرون على الاعتمادات. كان لسانفورد يدٌ في بناء سمعة هيلي، فقدّمها إلى جون ليرنر المسؤول عن استراتيجيته الانتخابية، الذي أصبح مستشارَها الأكثر ثقة. في عام 2009 بدأ ليرنر في تنصيب سانفورد للترشح لسباق الرئاسة في خِضمّ تمرد حزب الشاي. هيّأ سانفورد الحاكمُ هيلي لتكون خلفًا له، إلا أن الجماعة أصبحت تتولى المسؤولية بعد أن برز للعلَن أن سانفورد كان على علاقة فاضحة في الأرجنتين، عبر درب أبالاشيان.

وفي سباق الترشح لمنصب الحاكم، كان الخصوم ينعتون هيلي بقولهم “ها هو مارك سانفورد في شخص امرأة”. لكنها تأخرتْ في الركب عن خصمها غريشام باريت. يقول باريت: “أحسب أنه يمكنك القول إنني كنتُ نسخة مصغرة من المؤسسة. فكان لدي كلب لابرادور ريتريفر، وعملتُ في مزرعة، ولدي سلسلة من النسب الأصيل”. ولما كان باريت عضوًا في الكونجرس، فقد صوّت لصالح الإنقاذ المصرفي خلال الأزمة المالية التي حدثت في 2008، وتوافد حزب الشاي على هيلي. أما سارة بالين، التي أصبحت فيما بعد في ذروة نفوذها، فقد ظهرت في مسيرةٍ وأعطتْ تأييدها الرئيسي لهيلي. تقدمت هيلي جرّاء ذلك في السباق. يقول باريت الذي أصبح اليوم “قسًّا إنجيليًّا”: “هذه الموجة التي يبتعثها ترمب، بدأت مع هذه المرأة”.

وبينما اكتسبت هيلي شعبيةً وقوةً، هاجمها خصومها على جبهتَين، هما: العِرق والجنس. حتى إن أحد أعضاء مجلس الشيوخ -وبالمناسبة هو يصف نفسه بـ”المتخلف”- ينعت هيلي بالمرأة “الخرقاء”. وكان مستشارا سياسيا سابقا لهيلي أعلن عن علاقة بينه وبينها. أصبح هذا المستشار اليوم مدونًا يكتب مقالات نميمة. رفضت هيلي هذا الادعاء واعتبرته “تشويهًا مُشينًا” من افتعال خصومها. وقالت إن كل الذي تبثه الصحافة عنها لم تشهده قط. كتبت هيلي: “في غضون أيام قليلة، تحولتُ من شخص لا يعبأ بحملته الانتخابية أحدٌ، إلى شخص مُطارَد من مجموعة من الذئاب اللاهثة ورائي في كل مكان”.

وذات مرة في مكتبها، فقدت هيلي بعضًا من حماسها القتالي، باعتبارها حاكمًا محافظًا مؤيِّدًا لقطاع الأعمال، فكانت تركز على جذب كبرى الشركات المُصنِّعة، مثل شركة بوينغ، إلى بلدها المناهض للنقابات. وكانت تناصر القضايا الجمهورية، وتقاوم توسيع نظام الرعاية الطبية (ميديكيد) في ظل قانون الرعاية الصحية الأمريكي (أوباما كير)، وحظر الإجهاض بعد 20 أسبوعًا. قالت لانديس مرددًة خيبة أمل العديد من المؤيدين السابقين: “كانت نيكي تعمل وكأنها مُصلِح حقيقي. لكنها، بلا أدنى شكٍّ، كانت تهيئ الطريق لنفسها”. قبل كل شيء، كانت هيلي تعمل وكأنها تروّج ترويجًا يملؤه التفاؤل المتناهي لبيئة الأعمال الصديقة للولاية. حتى إنها أصدرت أمرًا لجميع موظفي الولاية، ليردوا على الهاتف بعبارة “ما أعظمَه من يوم في كارولينا الجنوبية”.

ثم في مساء يوم 17 من شهر (يونيو/حزيران) 2015، بلغ السيل الزُّبَى. فقتل ديلان روف، أحدُ المتعصبين البيض، تسعةَ أشخاص وهم يحضرون جلسة دراسة الكتاب المقدس في الكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية في تشارلستون. وما إن تناهى الخبرُ إلى أسماع هيلي، حتى رفعت سماعة الهاتف لتتصل بقس الكنيسة، كليمينتا بينكني، الذي كان أيضًا عضوًا محبوبًا في مجلس الشيوخ الأمريكي. فاتضح أن بينكني كان من جُملة القتلَى. وفي صباح اليوم التالي، استقلت هيلي طائرة الولاية إلى تشارلستون لزيارة مسرح الجريمة. وعندما عادت إلى كولومبيا، أخبرت هيلي مستشاريها أنها ترغب في إلقاء بيان جريء. وفي يوم الاثنين التالي أعلنت هيلي، وهي محاطة بمعظم الزعماء السياسيين بالولاية، اقتراح إزالة العلم الكونفدرالي من مبنى العاصمة الأمريكية. كان هذا العلم -الذي رُفِع في الأصل ليكون علامةً على التحرر من التمييز العنصري- قد ظل على مدى عقود قضية خطيرة، ويمثل احتجاجات ملهمة ومحاولات غير مرضية للتوصل إلى حل توفيقي. لكن المأساة قدمت لهيلي انفتاحًا سياسيًّا، كانت تعرف أنه قد يكون انفتاحًا عابرًا.

وعندما تعرض مشروع قانون إزالة العلم إلى مقاومة فى المجلس التشريعى للولاية، حيث أشار أحدُ الـمُشرِّعين الموالين للعلم فى كلمته إلى “حرب العدوان الشمالي”، تناولت هيلي اجتماعًا مغلقًا للمُشرِّعين الجمهوريين، فقالت لهم: “لقد نشأتُ بشخصية أخرى. أنا لا أتحدث عن العِرق، ولا أتحدث عن التحديات؛ لأن كل ذلك لن يوصلنا إلى أي مكان”. ولكن في هذه المناسبة، رَوَتْ هيلي قصة من طفولتها حول مشاهدة صاحبة عربة بيعٍ وهي تُبلِغ الشرطةَ عن والدها لأنه كان يرتدي عمامة.

تقول هيلي وصوتُها يكاد يختنق: “في كل مرة نمر بعربة بيع، أتذكر تلك الفتاة التي أحبت أباها، لكنها رأت أنهم رأوا شيئًا مختلفاً”. ثم عادت إلى قضية العلم، قالت هيلي للمُشرِّعين: “أعلم أنكم صليتم من أجل هذا الأمر، وأعلم أنكم لاقَيتم الأمَرَّيْن في سبيل ذلك، وأعلم أنكم شاهدتم استطلاعات الرأي. ولكن ما أرجوه في نهاية اليوم هو الآتي؛ فكروا في هؤلاء الأطفال الذين يمرون بجواركم، وتأكدوا من أنهم لا يشعرون بأي ألم”. مُرر مشروع القانون واُقر به. يقول المعلق المحافظ إريك إريكسون، وهو من المؤيدين منذ زمن طويل: “لأي يمكن إنزال العلم الكونفدرالي إلا عن طريق أحد الجمهوريين، وربما لا يمكن لأي جمهوري أن يفعل ذلك إلا إذا كان جمهوريًا مثل نيكي هيلي”. وبعد ذلك أصبح كثير من صُناع الرأي في واشنطن، ومن بينهم بعض الليبراليين، هائمين في حب هيلي. عقدت ولاية كارولينا الجنوبية انتخابات رئاسية تمهيدية مبكرة، وتنافس الجمهوريون ليحصلوا على تأييدها. كانت تبدو كأنها رفيق مثالي لأي مرشح أراد تحدي هيلاري كلينتون.

وفي الوقت نفسه، كان دونالد ترمب يبني حركة شعبية برسالة متعارضة تمامًا مع حركة هيلي. فبينما دعا ترمب إلى “إغلاق تام وكامل” للأبواب أمام المسلمين الذين يدخلون البلاد، وصفت هيلي الاقتراح بأنه “غير أمريكي على الإطلاق” و”غير دستوري”. وعندما دعا بول ريان وميتش ماكونيل هيلي إلى إعطاء الرد الجمهوري لآخر خطابات حالة الاتحاد التي يلقيها أوباما، استهدفت ترمب مباشرة. فقالت هيلي: “خلال الأوقات الشاقة، قد يكون من المغري اتباع دعوة صفارات الإنذار من أكثر الأصوات حنقًا، وعلينا أن نقاوم هذا الإغراء”. وبعد فترة طويلة من التودد، انتهت هيلي إلى تأييد ماركو روبيو. والسياسي الذي كان قد نعتَها بالمرأة “الخرقاء” أيد ترمب ونظم مسيرة له في أراضي بلده في مقاطعة ليكسينغتون.

في ثنايا هذا الحدث، كشف ترمب عن تأييد مفاجئ لهنري ماكماستر، النائب الحاكم لولاية هيلي، كارولينا الجنوبية. ولكن حتى بعد فوز ترمب بالانتخابات التمهيدية بأغلبية الأصوات، واصلت هيلي شن حملتها ضده. أما ليرنر، مستشارها الاستراتيجي السياسي، فكان يعمل نيابة عن روبيو والعملاء الآخرين طوال فصل الربيع، في محاولة لتعبئة حملة المقاومة “لا لترمب”. فردّ ترمب الهجوم بشراسته المعهودة، ونشر تغريدةً له ردًّا على إحدى الهجمات قائلًا: “الناس في كارولينا الجنوبية يشعرون بالحرج من نيكي هيلي!” وبعد أقل من 30 دقيقة، ردّت هيلي عليه بتغريدة تقول: “يا لك من مسكين!”

حضرت هيلي في نهاية المطاف اتفاقية الحزب الجمهوري ودعمت المرشح دعمًا ضعيفًا. وفي هذا يقول إريكسون: “كانت تستبطن أكثر بكثير مما توقعه معظم الناس في ذلك الوقت، وهم يحاولون معرفة لماذا كل هذا القلق والغضب”. وفي الوقت نفسه، إذا خسر ترمب، وهو ما بدا أمرًا محتومًا، سيكون هناك بداية البداية على رأس الحزب لامرأة تصلح أن تكون حديث الشاشات مع خبرة تنفيذية تتمتع بها. وأضاف إريكسون: “وتلك كانت خطتها. ولم تكن فكرتها هي فحسب، وإنما كان زعماء جمهوريون آخرون يدفعونها لأن تكون هذا الشخص لتشكل خلافًا مع كلينتون”. كان موظفو هيلي قد حجزوا مكانًا من أجل الظهور في برامج حوارية، مثل استضافتها في برنامج “مع الصحافة” (Meet the Press) بعد الانتخابات مباشرة، فيما كان متوقعًا أن تكون أولَ محطة لحملات تلفزيونية. وكانت تتابع النتائج في مبنى الحاكم مع الدائرة المقربة منها. وفي اليوم التالي، أُلغيت حجوزات ظهور هيلي، ولم يكن مستقبلها السياسي واضحًا.

على الرغم من معارضتها السابقة، رأى مستشارو ترمب أن هيلي من الأصول المحتملة للمشاركة في إدارته. وبعد أسبوع من الانتخابات، في اجتماع الحكام الجمهوريين في أورلاندو، اجتمعت هيلي مع مايك بينس. وأثناء وجوده، تلقت هيلي مكالمة من راينس بريبوس. فقد أراد الرئيس المنتخب أن يلتقي بها في برج ترمب. فاستقلت هيلي طائرة إليه مباشرة، وأُحضِرَت من المدخل الخلفي حتى لا تُضطر إلى المرور من أمام أعين الصحافة في ساحة الأتريوم. ومع ذلك تسربت كلمة من حديث ترمب، وأنه أعد قائمة مختصرة تكون فيها هي وزيرة الخارجية، كإشارة تصالحية منه لها. قد يكون إخراج هيلي من ولاية كارولينا الجنوبية جزاءً أيضًا على تأييدها المبكر لهنري ماكماستر، الذي سيخلفها في منصب الحاكم. عندما سأل ترمب هيلي عن رأيها في هذا المنصب، أُسقِط في يدِها، فلم تكن هيلي مهتمة بالشأن العام، وقالت له إن عدم وجود خبرة لها في السياسة الخارجية من شأنه أن يعيقها في إدارة قسم كبير ومعقد هو بمثابة دولة بمفرده، لذا انتقل الأمر إلى عرض آخر جيد؛ سفيرة لدى الأمم المتحدة. بالنسبة إلى هيلي، كانت هذه المهمة فرصة لكسب أوراق اعتماد السياسة الخارجية وتلميع صورتها دون أن تصبح متورطة في الجنون الذي كان من شأنه أن يحيط ترمب في واشنطن. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية تشاور بشكل غير رسمي مع ترمب: “ستكون بعيدةً عن أعين المراقبين هناك في الأمم المتحدة”.

“لن نكون منصفين، إن نظرنا إلى نزعات هيلي الجريئة على أنها مجرد تموضع بيروقراطي. ربما هي أكثر طيبة من ترمب، لكنها ليست أكثر لطفًا منه”

وفي العديد من قضايا السياسة الخارجية -وخاصة القضايا الإنسانية البعيدة عن مصلحة ترمب- رسمت هيلي مسارًا مشابهًا لأسلافها. شددت هيلي على حقوق الإنسان، وذرفت الدموع على الأطفال الذين اشتعلوا في الحرب الأهلية خلال رحلة قاموا بها مؤخرًا إلى أفريقيا، وركزت بشدة على زيارة مخيم للاجئين السوريين. وعندما أقنع الفصيل الكاره للمهاجرين مؤخرًا ترمب بالانسحاب من اتفاق الأمم المتحدة حول الهجرة، ذُكِر أن هيلي كانت المنشق الوحيد. لكن العمل في منصب مبعوث الرئيس أمام الرأي العام طلب منها إعادة معايرة بعض مواقفها. في الأيام الأولى من عملها، شعر العديد من المسؤولين في البعثة الأمريكية بالإحباط عندما دافعت عن حظر ترمب لسفر المسلمين باعتباره ضرورة أمنية. وهي الآن ترشد الرئيس في تغريداته الساخرة، وتصر على أن عدم القدرة على التنبؤ بأفعاله له فوائد استراتيجية، وتحرص على أن تظل متماشية مع ترمب بشأن قضايا السياسة الخارجية الكبيرة.

ولم يكن هذا أكثر وضوحًا في أي مكان مما كان عليه في النقاش حول ما إذا كان ينبغي الاستمرار في احترام الاتفاق النووي مع إيران. خلال فصل الصيف، وفقًا لصحيفة بوليتيكو، في الوقت الذي أشعل فيه ترمب النار ضد صفقة تيلرسون، الذي فضّل البقاء طرفًا فيها، التقت هيلي مع الرئيس وعرضت “وضع أساس” للانسحاب. وتابعت مع خطاب عام يحدد سيناريو يمكن فيه لترمب “سحب الثقة” من مدى التزام إيران وطرح القضية على الكونغرس. أفادت التقارير أن تيلرسون كان حانقًا، لكن الرئيس انتهى من الأمر بعد مسار هيلي. واعتبر السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر أن هيلي “تساعد على ترجمة رغبته الحدسية في اتخاذ إجراء وتحويله إلى صيغة سياسية”.

لن نكون منصفين إن نظرنا إلى نزعات هيلي الجريئة على أنها مجرد تموضع بيروقراطي. ربما هي أكثر طيبة من ترمب، لكنها ليست أكثر لطفًا منه. في (نيسان/أبريل)، عرضت في مجلس الأمن صورًا مروعةً لأطفال سوريين قتلوا في هجوم بالأسلحة الكيميائية، قبل وقت قصير من إطلاق ترمب صواريخ كروز ردًا على ذلك الحدث. واتهمت كوريا الشمالية بمحاولة “إشعال الحرب”. وقالت إن الادارة تكتب أسماء الدول التي لا تساند الولايات المتحدة فى أجندتها الخارجية، مما تسبب في تقويض الاتفاقيات الدولية في كل المجالات، من التجارة إلى تغير المناخ. وكانت شديدة السخاء في الدفاع عن إسرائيل، وذلك عن طريق الهجوم الشرس على حزب الله وحماس، ودعم ​​الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية علنًا، حتى قبل أن يعلن ترمب قراره في هذا الشأن. ومع ذلك، فإن شخصية هيلي، على الصعيد الإيديولوجي، لا تتشابه مع شخصية ترمب، بل ربما تشبه حاكمًا سابقًا واثقًا من نفسه، مؤيدًا للتدخل في شؤون الدول الأخرى؛ جورج دبليو بوش. يرى فيها مثقفو المحافظون الجدد، الذين يقصيهم ترمب، صديقًا داخل الإدارة. وقال مسؤول سابق في إدارة بوش يتحدث إلى هيلي: “لقد تحدث ترمب ضد بناء الأمة وهو لا يميل إلى استخدام لغة “حقوق الإنسان والديمقراطية”. من الواضح أنها اتخذت قرارًا واعيًا بالقفز في تلك الفجوة ومحاولة ملء ذلك الفراغ. وبما أنها سياسية بارعة، يبدو أنها قررت أن هذا سوف يساعدها، ولن يؤذيها”

وفى (أكتوبر/تشرين الأول) الماضي، عبرت هيلي وسط المدينة إلى مركز تايم وارنر لعقد مؤتمر حول “روح الحرية” برعاية مركز جورج دبليو بوش الرئاسي، وجلس بوش نفسه فى الصف الأول بينما صعدت هيلي إلى المنصة مع وزيرتي الخارجية السابقتين كونداليزا رايس ومادلين أولبرايت. قالت رايس في كلمتها مخاطبةً هيلي: “أنا سعيدة حقا لأنك في هذا المكان”. ثم انتقدت هي وأولبرايت طريقة تقويض ترمب للناتو، والتجارة الحرة، وحقوق الإنسان، انتقادًا لاذعًا، ولكن بلهجة دبلوماسية مهذبة. قالت رايس إن الخطاب الذي أدلى به الرئيس عزز ما وصفته بـ”المقدمات الأربع لنهاية العالم: الشعبوية، ومعاداة المهاجرين، والانعزالية، والحمائية”. ردت هيلي كما لو كانت تتحدث من كونٍ بديلٍ، حيث كان قائد أميركا محافظًا أرثوذكسي، وليس ديماغوجيًا ثار في نفس اليوم ضد عائلة جندي أمريكي قُتل في النيجر. قالت هيلي: “إن البلاد بحاجة إلى الاعتقاد بأن كل شئ على ما يرام. إننا بحاجة إلى أن نشعر بأن هناك استقرارًا”. وادعت أن أمريكا لن “تمزق” أي صفقات تجارية. ثم عزفت على نغمة المواجهة ضد روسيا، فقالت: “عندما يتدخل بلد ما في انتخابات بلد آخر، فإن ذلك بمثابة إعلان حرب”.

تحرص هيلي، في العلن، على تجنب ذكر خلافاتها السابقة مع ترمب. ومع ذلك، يحاول المقربون منها إيضاح أنها لم تتراجع عن تحذيرها من “الأصوات الأكثر غضبًا”. أخبرني روب غودفري، المتحدث باسم هيلي، بكل فخر: “ما قالته كان صحيحًا في ذلك الحين، وهو صحيح الآن”. في بعض اللحظات، خاطرت هيلي بالتصريح ببعض الانتقادات غير المباشرة. فقد قالت بعد أحداث العنف من قبل البيض في شارلوتسفيل: “أعرف كل ما قد تسببه الكراهية من الألم”. وقالت لشبكة “سي إن إن” إنها تُجري “محادثة شخصية” مع ترمب حول تصريحاته بأن اللوم يقع على عاتق “الجانبين”. ثم أرسلت رسالة بريد إلكتروني إلى موظفيها، سُربت على الفور، كتبت فيها “أولئك الذين يشيعون الكراهية قليلون، ولكن أصواتهم عالية. يجب أن ندينهم في كل مكان”.

ونظرًا لأنها المرأة الأبرز في حكومة ترمب، تتوخى هيلي الحرص عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجنسانية، بما في ذلك السيل الحالي من مزاعم التحرش الجنسي ضد رجال نافذين في دوائر الإعلام، والترفيه، والسياسة. قالت هيلي يوم الأحد خلال استضافتها في برنامج “واجه الأمة” (Face the Nation) على قناة “سي بي إس”: “على الناس أن تقرر ما إذا كانت المزاعم السابقة ضد ترمب معقولة”، فيما كانت تؤكد أيضًا على أنه “ينبغي علينا جميعًا أن نكون مستعدين للاستماع” إلى المدّعين. يقول مسؤول جمهوري سابق يعرفها جيدًا: “إنها لا تزال تصدق حتى هذه اللحظة أن النمط السياسي لنيكي هيلي وماركو روبيو يشكل مستقبل الحزب، وليس لترمب”.

أحاطت هيلي نفسها في الأمم المتحدة بدائرة دفاعية بضراوة تتكون من معاونين شباب جلبتهم معها من كارولاينا الجنوبية. يقول مسؤول سابق بوزارة الخارجية: “جون ليرنر هو الشخص الأول الذي تنصت إليه”. يشغل الخبير الاستراتيجي السياسي، الذي عمل لفترة طويلة مع هيلي، منصب نائبها في واشنطن -وهو منصب يشغله في المعتاد خبير مهني بالسياسة الخارجية-. وصف مسؤول سابق بإدارة أوباما هذا الأمر قائلًا بأن “الجنون الشرعي” أن تضع هيلي مدير حملة في مثل هذا الدور المضطلع برسم السياسات. لكن ليرنر -تلميذ آرثر فنكلشتاين، المستشار السابق القاسي المسؤول عن المسيرة المهنية لجيسي هيلمز وآل داماتو- لديه خطة طويلة الأجل لهيلي، وهو في موقعه ليتأكد من عدم خروج أي شيء عن مساره. يقول توم ديفيس، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية الذي يعرف هيلي وليرنر معرفة جيدة: “أعتقد بكل تأكيد أن لديها طموحات رئاسية. جورج بوش كان لديه كارل روف، وأوباما كان لديه أكسلرود، ونيكي هيلي لديها جون ليرنر”.

لم يتضح بعد ما إذا كان ارتباط هيلي بترمب سيثبت أنه بمثابة انطلاقة في مسيرتها المهنية أم قتل لهذه المسيرة. وإذا استمرت الأمور بهذا السوء، قد يدفع الجمهوريون الرئيسيون الذين حرضوه ثمنًا من سمعتهم. رغم ذلك، حاولت نيكي حتى الآن أن تُبقي على اللعبة المزدوجة، لتخدم في إدارته دون الظهور بمظهر الخضوع. تقول كاتي باكر بيسون، وهي استشارية بالحزب الجمهوري خاضت معركة ضد ترمب في الانتخابات التمهيدية “تستقطع نيكي وتؤسس لنفسها مساحة فريدة. إنها شخص يحبه حقًا الجمهوريون المؤيدون لرومني وبوش وماكين، كما يُنظر إليها على أنها إلى حد ما جانبٌ راشدٌ ذو حس سليم في هذه الإدارة. وفي المستقبل، عندما لا يبيت ترمب يحكم، سوف تكون قوة هائلة جدًا”.

تشكل مانهاتن موقعًا استراتيجيًا لأي سياسي لديه آمال رئاسية، وبالنسبة لهيلي، فإن الدور الذي تؤديه يجعلها في تواصل دائم مع الجهات الخيرية ذات التوجهات الفكرية الدولية -وهو حشد مجلس العلاقات الدولية- التي تشكل نوعًا من المانحين الأثرياء الذين يمولون الحملات الرئاسية. في وقت سابق من هذا العام، تحدثت عن السياسة الخارجية في عشاء أُقيم في الشقة الكائنة بجادة بارك والتي يمتلكها أندرو تيش، وهو ملياردير تتضمن أعماله الخيرية منظمة لتعزيز المساعدات الدولية. يتذكر أحد الحاضرين قائلًا: “لقد كانت هناك لساعتين، ولم تقل كلمتي “دونالد ترمب””.

يقال إن ترمب، وهو ليس بغريب عن الطموح، يبقى حذرًا من التطلعات الرئاسية لهيلي. ومن جانبها، تكمن الخدعة في أن تنجح بدون أن تحقق نجاحًا كبيرًا. فقد سعى ترمب في كثير من الأحيان أن يؤكد على هيمنته. في (أبريل/ نيسان)، عندما دعت هيلي جميع السفراء في مجلس الأمن إلى البيت الأبيض من أجل تناول غداء، ألقى الرئيس نكتة قاسية، فقد تساءل: “هل الجميع يحب نيكي؟ وإن كان الأمر غير ذلك، يمكن استبدالها بسهولة”.

بيد أن الإطاحة بهيلي تبدو غير مرجحة وغير ضرورية، نظرًا لمدى الوفاء الذي تؤدي به وظيفتها في الإنتاج العدواني لترمب. في 29 (نوفمبر/ تشرين الثاني)، بعد أن اختبرت كوريا الشمالية أقوى صاروخ باليستي تمتلكه حتى الآن، خاطبت هيلي مجلس الأمن خلال جلسة طارئة نظمها وقلدت نفس النبرة المخيفة التي استخدمها ترمب ليصدم الجمعية العامة قبل أشهر معدودة. فقد صرحت قائلة “إذا جاءت الحرب، فعلينا ألا نخطئ؛ فالنظام الكوري الشمالي سيدمر تمامًا”. ربما تكون هيلي قد بدأت طريقًا طويلًا من نقطة ترمب، لكنها كلما تقترب من السلطة الرئاسية، ستبدو أقل اختلافًا.

============================================

الجزيرة : هذا المقال مترجم عن (مجلة نيويورك)