بعد مرور أول مئة يوم من الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني بدأت حكومته تواجه ضغوطا داخلية مصدرها هذه المرة أنصاره في تيار المعتدلين الذين صوتوا له بشكل مكنه من الفوز بجولتها الأولى على مرشح الأصوليين إبراهيم رئيسي.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا حملة “نادمون” التي نظمها بعض المؤيدين لتيار المعتدلين، الذين مثلوا الظهير السياسي للرئيس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الماضية، بالتوازي مع استمرار الانتقادات التي وجهها بعض أقطاب الإصلاحيين، مثل مصطفى كواكبيان، الذين تحالفوا مع المحافظين التقليديين من أجل تشكيل تيار المعتدلين ودعم روحاني في مواجهة الأصوليين المتشددين.
بدأت تلك الحملة في رصد السلبيات التي اتسم بها أداء حكومة روحاني خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد نجاحه في الانتخابات، على غرار تعمده تقليص دور الإصلاحيين في تشكيلته الحكومية وتراجعه عن تعيين المرأة في مناصب وزارية وفشله في مكافحة انتشار الفساد وفي مواجهة ضغوط المتشددين في ملف الحريات السياسية والاجتماعية.
ورغم أن ثمة مؤشرات تكشف عن إمكانية إبداء السلطات الإيرانية مرونة إزاء ملف الإقامة الجبرية المفروضة على قادة الحركة الخضراء التي نظمت احتجاجات في يونيو 2009 اعتراضا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، وهم مير حسين موسوي وزوجته زاهرا راهنافارد ومهدي كروبي، إلا أن ذلك لم يقلص من حدة الضغوط المفروضة على روحاني بسبب سياسته في التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وجاء تقديم الحكومة لميزانية العام الجديد (الذي سيبدأ في 21 مارس 2018) إلى مجلس الشورى الإسلامي من أجل إقرارها، ليصعد من حدة استياء المعتدلين بشكل أدى في النهاية إلى تأسيس تلك الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي قد يتبعها تصعيد تجاه روحاني خلال المرحلة القادمة.
دلالات عديدة
توقع أنصار تلك الحملة أن يساهم فوز روحاني بفترة رئاسية ثانية في تقليص الضغوط التي كانت مفروضة عليه في فترته الأولى، باعتبار أنه كان يحتاج إلى دعم المرشد الأعلى من أجل تجديد ولايته، بما يعني أنهم اعتبروا أن فوزه من جديد سيساعده على اتخاذ خطوات أكثر جرأة لتنفيذ التزاماته الانتخابية، إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق في النهاية بسبب أداء روحاني الذي تسبب في إحباط الأوساط المؤثرة داخل تيار المعتدلين.
ووفقا لرؤية منظمي حملة “نادمون”، فإن أداء روحاني خلال المئة يوم الأولى من فترته الرئاسية الثانية يطرح دلالات عديدة، فقد كشفت مواقف الرئيس الإيراني أنه ليس بعيدا عن السياسة المتشددة التي يتبناها المحافظون المتشددون والمؤسسات النافذة في النظام، على غرار الحرس الثوري. واستندوا في ذلك إلى حرصه على التوافق مع الإجراءات التي تتخذها تلك المؤسسات، في ما يتعلق بالإمعان في تعزيز النفوذ الإيراني في مناطق الأزمات ودعم التنظيمات الإرهابية الموجودة فيها.
وباتت تلك الحملة تعتبر أن روحاني بدأ يتحول من معتدل إلى أصولي، في ظل تعمده إعلان التزامه بالأسس الراديكالية التي تتبعها قوى المحافظين الأصوليين والمؤسسات النافذة داخل النظام والمسؤولة عن المغامرات الإيرانية في الخارج.
روحاني يقلص دور الإصلاحيين ويفشل في مكافحة انتشار الفساد ومواجهة ضغوط المتشددين في ملف الحريات
لكن هذه التحفظات لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى أن روحاني لم يكن معتدلا من البداية، بدليل أنه تولى مناصب أمنية رفيعة في النظام، في الوقت الذي كان المعتدلون يتعرضون فيه للإقصاء من داخل المؤسسات الرئيسية بسبب اتهامهم بدعم “الحركة الخضراء”.
ويكمن سر اختياره لتمثيل تيار المعتدلين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 2013 في عدم وجود شخصية إصلاحية كانت تحظى بإجماع وتستطيع مواجهة المحافظين الأصوليين في الانتخابات، خاصة بعد الإجراءات القمعية التي اتخذتها السلطات تجاه قادة وكوادر هذا التيار بعد أزمة عام 2009.
واستند المتحفظون على أداء روحاني أيضا إلى حرصه في الميزانية الأخيرة على رفع نسبة المخصصات المالية للمؤسسة العسكرية، ولا سيما الحرس الثوري، الذي يقوم فيلق القدس التابع له بإدارة التدخلات الإيرانية في الخارج حيث وصلت موازنة تلك المؤسسات إلى أكثر من 11 مليار دولار. ووفقا لذلك، فإن هذه الخطوة تكشف أن روحاني تراجع عن جهوده السابقة الخاصة بتقليص دور الباسدران في التدخل بالشؤون السياسية، خاصة في ما يتعلق بإدارة سياسة إيران الخارجية، والتي تسببت في تصاعد حدة التوتر بين الطرفين قبل أن يقوم روحاني باحتوائها من جديد بعد ضغوط من جانب المرشد والمحافظين الأصوليين.
لكن هذه الموازنة لا تعتبر مصدر التمويل الوحيد للحرس، في ظل الأنشطة الاقتصادية الواسعة التي يقوم بها ونفوذه داخل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، والتي توفر له موارد مالية كبيرة لا تخضع لإشراف الحكومة.
وفتح ذلك الباب أمام استفحال الفساد داخل مؤسسات الدولة، لدرجة وصلت معها إيران إلى المرتبة 131 من أصل 176 دولة على مستوى العالم في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية لعام 2016.
رفع ميزانية المؤسسة العسكرية وتراجع عن تقليص دور الباسدران
وبدا ذلك واضحا من خلال الضجة التي فرضها الزلزال الأخير الذي تعرضت له بعض المحافظات والمدن الغربية الإيرانية على غرار كردستان وكرمانشاه، في 12 نوفمبر الماضي، بعد انهيار المنازل التي شيدت في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد في إطار مشروع “مهر” للإسكان الاجتماعي، الذي تبنته الحكومة للتعامل مع الضغوط التي كانت تفرضها العقوبات الدولية التي فرضت على إيران قبل الوصول للاتفاق النووي.
ورغم أن حكومة روحاني دعت إلى محاسبة المسؤولين عن انهيار تلك المنازل التي أسست قبل أعوام قليلة، إلا أنها لم تتخذ خطوات إجرائية لتفعيل ذلك، بسبب إدراكها أن إجراء تحقيق في هذه القضية يمكن أن يتسبب في مشكلات جديدة مع المؤسسات النافذة في النظام، وفي مقدمتها الحرس الثوري.
مسارات بديلة
مع أن بعض الشخصيات القيادية داخل تيار الإصلاحيين انتقدت تلك الحملة، على غرار الرئيس الأسبق محمد خاتمي ووزير الداخلية الأسبق عبدالواحد موسوي لاري والناشط الإصلاحي البارز عبدالله ناصري، حيث اعتبروا أنها مدبرة من جانب خصوم الرئيس، إلا أن ذلك لم يقلص من الأهمية والزخم الذي حظيت به الحملة. ويمكن القول إنها تؤشر إلى بداية مرحلة جديدة من إعادة صياغة التوازنات السياسية داخل تيار المعتدلين استعدادا للاستحقاقات الانتخابية القادمة، ولا سيما الانتخابات البرلمانية التي سوف تجرى في عام 2020 والرئاسية التي ستعقد بعدها بعام واحد ولن يترشح فيها حسن روحاني لقضائه فترتين في منصبه.
ومن المرجح أن يتجه قادة الحملة إلى البحث عن شخصية جديدة لقيادة تيار المعتدلين خلال المرحلة القادمة، في ظل تراجع تعويلهم على روحاني بالتوازي مع القيود المفروضة على خاتمي، وقبلها رحيل هاشمي رفسنجاني الأب الروحي للتيار الذي فقد بسببه تأثيرا سياسيا كبيرا لا يمكن تعويضه بسهولة. ويراقب تيار المحافظين الأصوليين حالة الانقسام المبكر التي بدأ يتعرض لها تيار المعتدلين، خاصة في ظل تحفزه لإعادة تكريس نفوذ داخل بعض المؤسسات التي تراجع دوره فيها في الفترة الماضية، مثل مجلس الشورى الإسلامي ورئاسة الجمهورية، وربما مجلس خبراء القيادة أيضا الذي قد يشهد الاستحقاق الأهم الذي تترقبه إيران والخاص باختيار خليفة للمرشد الحالي علي خامنئي خلال دورته الحالية التي تمتد إلى عام 2024.
وهنا، بات روحاني يواجه ضغوطا مزدوجة سوف تدفعه إلى تبني سياسة أكثر ارتباكا في التعامل مع القضايا الرئيسية داخليا وخارجيا، في ظل حرصه على عدم الاصطدام بالباسدران، ومن خلفه المرشد، وفي الوقت نفسه عزوفه عن خسارة باقي رصيده المتآكل لدى تيار المعتدلين، الذي قد يشهد اصطفافات سياسية جديدة خلال الفترة القادمة.
العرب اللندنية