حتجاجات شعبية تحمل مطالب اجتماعية اندلعت يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2017 في مدينة مشهد الواقعة شمال شرقي البلاد، وامتدت لاحقا إلى العاصمة طهران ومحافظات أخرى، وأسفرت عن مقتل شخصين، وتعتبرها السلطات غير قانونية.
انطلقت أولى الاحتجاجات الشعبية في إيران بمدينة مشهد ثاني أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان، واتسعت إلى مدن ومحافظات أخرى، منها يزد في الجنوب، وشاهرود في الشمال، وكاشمر في شمال شرقي البلاد، ومحافظة كرمنشاه في غرب البلاد.
وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2017 امتدت الاحتجاجات إلى العاصمة طهران، حيث تظاهر مئات الطلاب مرددين هتافات مناهضة للنظام والرئيس حسن روحاني.
المطالب
رفع المتظاهرون في مختلف المدن والمحافظات مطالب اجتماعية اقتصادية بعكس ما حصل عام 2009 بعد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، حيث خرجت في حينه مظاهرات مؤيدة للإصلاحيين.
وتركزت الاحتجاجات الشعبية على سياسات حكومة إيران الاقتصادية وغلاء الأسعار والتضخم والبطالة، لكن بعض المتظاهرين عبروا عن غضبهم من تركيز السلطات الإيرانية على الوضع في سوريا وملفات إقليمية أخرى بدلا من تحسين الظروف داخل البلاد.
ففي مشهد رفع المتظاهرون شعارات استهدفت بشكل مباشر حكومة الرئيس روحاني الذي اتهموه بالفشل في معالجة عدد من الأزمات الاقتصادية. وبحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أظهرت تسجيلات فيديو بثت على تطبيق تلغرام متظاهرين وهم يهتفون “الموت لروحاني”، ورددوا أيضا هتافات، من بينها “لا غزة ولا لبنان.. حياتي لإيران”، في ما يشير إلى حالة غضب لدى البعض في إيران من تركيز السلطات على القضايا الإقليمية بدلا من تحسين الظروف داخل البلاد.
وفي محافظة كرمنشاه غربي إيران احتج المتظاهرون على ما سموها سرقة ثروات المواطنين من قبل مؤسسات مالية قدمت لهم وعودا زائفة بالاستثمارات، ورددوا هتافات ضد الغلاء والفساد والفقر والبطالة، وطالبوا الحكومة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وذكرت وكالة رويترز أن نحو ثلاثمئة متظاهر هتفوا “أطلقوا سراح السجناء السياسيين”، و”الحرية أو الموت”، وأشارت وكالة فارس للأنباء (شبه رسمية) إلى أن المتظاهرين أتلفوا ممتلكات عامة.
وفي طهران ردد مئات الطلاب هتافات مناهضة للنظام الإيراني وللرئيس روحاني، ونددوا بطريقة تعامل السلطات مع المظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في مشهد وغيرها من المدن والمحافظات.
وتواجه حكومة الرئيس روحاني مصاعب اقتصادية على خلفية ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت -وفق مركز الإحصاءات الإيراني- 12.4% في العام المالي 2017، وهو ما يمثل ارتفاعا نسبته 1.4% عن العام الذي سبقه، وهناك نحو 3.2 ملايين عاطل عن العمل في إيران التي يبلغ عدد سكانها ثمانين مليون نسمة.
وبحسب النائب عن مدينة نيشابور القريبة من مشهد حميد غرمابي، فإن الأزمة الحالية نابعة كذلك من انهيار مؤسسات إقراض غير قانونية ظهرت وانتشرت في عهد الرئيس السابق نجاد (2005-2013)، فضلا عن فضائح مالية أخرى.
تعامل السلطات
تعتبر السلطات الإيرانية أن الاحتجاجات الشعبية غير قانونية، وتتهم جهات معنية بتحريك الشارع ضد حكومة الرئيس روحاني وسياساته الاقتصادية، وهو ما أشار إليه إسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني قائلا إن تيارا سياسيا -لم يسمه- يتخذ من رفع أسعار بعض السلع الغذائية وبعض المشتقات النفطية ذريعة لتوجيه الانتقادات إلى الرئيس وحكومته عبر تشجيع الناس على الخروج في مظاهرات ضد الحكومة.
من جهته، تحدث الحرس الثوري الإيراني في بيان له عن ما وصفه بمخطط فتنة جديدة يستهدف إيران، وقال إن أميركا وإسرائيل وبريطانيا والجبهة المعادية للثورة في الداخل والخارج والرجعية “تتبع أسلوبا مخادعا جديدا لإحداث فتنة في البلاد واستهداف حركة ثورتها خارج الحدود”.
أما التلفزيون الرسمي فاتهم “مواقع العدو على الإنترنت ووسائل الإعلام الأجنبية بمحاولة استغلال المصاعب الاقتصادية والمطالب المشروعة للشعب لإطلاق مسيرات غير قانونية وإثارة اضطرابات محتملة”.
وواجهت السلطات الاحتجاجات الشعبية بإطلاق يد شرطة مكافحة الشغب التي استخدمت مدافع المياه والغاز المدمع لتفريق الحشود في كرمنشاه وطهران، كما اعتقلت 52 شخصا في مشهد بتهمة محاولة حرق وتخريب بعض الممتلكات العامة كما كشف عن ذلك حاكم المدينة محمد رحيم نوروزيان.
كما أكدت وكالة رويترز أن شخصين قتلا في مدينة دورود غربي إيران برصاص شرطة مكافحة الشغب يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأكد حبيب الله خوجاتهبور نائب حاكم إقليم لورستان مقتل الشخصين، لكنه قال للتلفزيون الرسمي “لم تطلق الشرطة وقوات الأمن أي أعيرة نارية، عثرنا على أدلة تشير إلى أعداء الثورة وجماعات تكفيرية وعملاء أجانب في هذا الاشتباك”.
في المقابل، قام النظام الإيراني بحشد أنصاره ردا على المظاهرات المناوئة له، حيث نزل آلاف المؤيدين إلى الشوارع لمساندته، وأوردت وكالة فارس أن أكثر من 1200 نقطة في جميع المحافظات الإيرانية شهدت يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2017 خروج “جماهير غفيرة” لإحياء ما وصفته بالتصدي للفتنة التي أعقبت انتخابات عام 2009.
وأضافت الوكالة أن الآلاف احتشدوا في طهران “مرددين شعارات تدعم الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه”، وأنهم طالبوا بإدانة قادة “فتنة 2009″، وجددوا البيعة للولي الفقيه (المرشد الأعلى علي خامنئي) معلنين استعدادهم للدفاع عن الثورة ونظامها الإسلامي، حسب تعبيرها.
انتقاد ترمب
من جهة أخرى، رفض النظام الإيراني الانتقادات الأميركية لطريقة تعاطي طهران مع الاحتجاجات، وأدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن اعتقال متظاهرين، ووصفها بـ”السخيفة وعديمة القيمة”.
وكتب ترمب على تويتر “تقارير كثيرة عن احتجاجات سلمية لمواطنين إيرانيين سئموا فساد النظام وإهداره ثروات الأمة من أجل تمويل الإرهاب في الخارج”، مضيفا “يجدر بالحكومة الإيرانية احترام حقوق شعبها، بما في ذلك الحق في التعبير عن أنفسهم.. العالم يراقب”.
كما دعت الخارجية الأميركية دول العالم إلى دعم الشعب الإيراني في مطالبه بحقوقه الأساسية وإنهاء الفساد، وقالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر نويرت في بيان إن “القادة الإيرانيين حولوا دولة مزدهرة ذات تاريخ وثقافة غنيين إلى دولة مارقة تصدر أساسا العنف وسفك الدماء والفوضى”.
المصدر : الجزيرة + وكالات