الأخطاء السياسية والعسكرية في 2017، وأثرها على التوقعات العالمية للعام 2018

الأخطاء السياسية والعسكرية في 2017، وأثرها على التوقعات العالمية للعام 2018

على مر التاريخ، كان التحول نحو الشعبوية القومية، من النوع الذي جسدته التغيرات السياسية الكاسحة في جميع أنحاء العالم في العام 2017، سببا في نشوب الصراع وعدم الاستقرار على الصعيد العالمي، والذي يمكن أن يؤثر مباشرة على كل من المشهد الأمني الدولي وعلى الاقتصاد العالمي في العام 2018.
بالنظر إلى الوراء، من الصعب تصديق مدى السرعة التي تغير بها المشهد الجيوسياسي في عام واحد فقط. فخلال العام 2017، جلبت الانتخابات في كل أنحاء العالم قوى جديدة إلى السلطة، والتي تحدت المؤسسة السياسية، وأنتجت توترات جديدة في السياسة العالمية، وفاقمت التوترات القديمة.
مع ذلك، كانت الظروف التي مهدت الطريق أمام هذه التطورات السياسية التاريخية قائمة قبل عقد الانتخابات نفسها. وكان الانتصار المفاجئ من النوع الذي يحدث مرة واحدة في جيل للرئيس الأميركي دونالد جيه. ترامب في الانتخابات الرئاسية للعام 2016، في جزء منه، نتيجة ثانوية لنظام حكومي أصبح متكلسا، وطبقة سياسية أصبحت صماء أمام التحديات التي تواجه عائلات الطبقة العاملة في الولايات المتحدة. وقد ساعد وعد ترامب بإحداث تغيير إيجابي بحمله إلى المكتب البيضاوي، لكن الطبيعة المتغيرة للولايات المتحدة وحالة الاقتصاد العالمي جعلا من غير المرجح إلى حد كبير أن يستطيع الوفاء بوعوده التي بذلها لهؤلاء الناخبين الساخطين.
وليست الولايات المتحدة وحيدة في الشعور بالزلزال الذي يعيد تشكيل المشهد السياسي في الديمقراطيات الغربية. وكان قليلون فقط هم الذي استطاعوا التنبؤ بالخسارة الدرامية للدعم الذي تتمتع به الأحزاب الرئيسية في فرنسا في العام 2017، مع فوز حزب جديد بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، “الجمهورية إلى الأمام”، على حزب “الجبهة القومية” اليميني. وفي ألمانيا، ربما يكون حكم المستشارة أنجيلا ميركل يقترب من نهايته بينما تكافح المستشارة لتشكيل حكومة، وبينما يحتل حزب من أقصى اليمين مكانه في البوندستاغ لأول مرة في أكثر من نصف قرن. أضف إلى ذلك نواتج قرار بريطانيا العظمى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وصعود النزعات المناهضة للديمقراطية في بلدان مثل هنغاريا وبولندا، والانقلاب على الديمقراطية العلمانية في تركيا، وما يصبح واضحا كاتجاه عالمي نحو الشعبوية، والذي أصبح شأنا شائعا ومقلقا.
هذه الظروف السياسية، التي جاءت نتيجة لانبعاث الشعبوية القومية، غالبا ما تمهد الظروف أمام تفاقم التهديدات الأمنية على المستوى العالمي.
ربما يمكن القول بأن الأمور ليست بالسوء الذي تبدو عليه، ولكن، سيكون من الحكمة الالتفات إلى علامات التحذير الأساسية في المشهد العالمي السياسي والأمني، واستنطاق حقيقة حيوية السوق العالمية التي كشفت عن مرونة مدهشة أمام تحديات العام 2017.
بينما يدخل العام 2018، دعونا نلقي نظرة على “البقاع الساخنة” العالمية الناشئة، وكذلك على المخاطر السياسية والأمنية المتعالقة التي تلوح في الأفق.
كوريا الشمالية
من الصعب تصديق أن تكون الصواريخ الكورية الشمالية قادرة على التحليق فوق اليابان، متسببة بإطلاق صفارات الإنذار في المدن، وبإقلاق الأسواق العالمية التي تتململ بالكاد. وعلى الرغم من الخطاب السياسي العدائي المتصاعد بين واشنطن وبيونغ يانغ، فقد أغوت الأخبار الاقتصادية الإيجابية بشكل عام في الولايات المتحدة وأوروبا الناس إلى الشعوب بإحساس زائف بالأمن.
مرة بعد المرة، أظهر التاريخ كيف أن الحسابات الخاطئة، والفخر القومي، والإحساس المفرط بالقدرة العسكرية وأثرها في إنتاج أو تنفيذ الأهداف السياسية، قد أفضت إلى نشوب صراعات مدمرة. وحتى الآن، لم يتمكن خطاب ترامب المتوعد الصاخب من تثبيط همة “رجل الصواريخ”، الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ-أون. بل إنها أحدثت بدلاً من ذلك تأثيرا معاكسا، فأدت إلى تصعيد التهديد الموجه إلى المنطقة بسبب الاختبارات الكورية الشمالية التي تصبح أكثر استفزازا باطراد في المجالين الصاروخي والنووي. وفي حين أن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن الوضع سيصل في النهاية إلى نقطة ركود جديدة مع سياسة “احتواء وعقوبات” صارمة تهدف إلى إبقاء كوريا شمالية مسلحة نووياً تحت السيطرة، فإن قلة خبرة ترامب وطبيعته غير المتوقعة، يقابله نظير مصاب بجنون العظمة في بيونغ يانغ، يمكن أن تخلق عاصفة كاملة.
الصين
زادت التحديات التي فرضتها كوريا الشمالية، وهي حليف لبكين، من تعقيدات العلاقة الأميركية-الصينية. وفي حين أن لهذه الدينامية العديد من الأبعاد، فإن البعد الرئيس الذي تنبغي مراقبته هو ما إذا كان الافتقار إلى التقدم في مسألة كوريا الشمالية يمكن أن يضيف الوقود إلى نار نزعة الحمائية الأميركية. وإلى المدى الذي يُنظر فيه إلى الصين على أنها شريك قيِّم سيساعد ترامب في التعامل مع مشكلة كوريا الشمالية، فإن من المرجح أن تواصل الولايات المتحدة تبادلاتها التجراية مع الصين بحذر. ومع ذلك، إذا كان التصور السائد هو أن بكين لا تلقي بثقلها حقا وراء حل الأزمة الكورية، فيمكن أن يكون هناك ضغط إضافي من الكونغرس الأميركي من أجل اعتناق نهج أقوى في مسألة التجارة مع الصين، وهو ما قد يضع الولايات المتحدة على مسار تجاري غادر في الطريق نحو حرب تجارية. ومع تأكيد الصين الإضافي على تحديث جيشها لممارسة القوة عالمياً، وموقفها العدواني في بحر الصين الجنوبي، وانتباه اليابان المتزايد إلى تقوية دفاعها الخاص، فإن آسيا تنطوي على إمكانية أن تكون نقطة ساخنة في العالم القادم، حيث تفيض القضايا السياسية والأمنية لتطال الاقتصاد العالمي.
روسيا
من غير المرجح أن يجلب العام القادم أي أخبار جيدة فيما يتعلق بروسيا، والمخاطر السلبية لا تعوزها الوفرة. فقد كشف تحقيق شامل يجري في الولايات المتحدة حتى الآن عن أن موسكو عملت بنشاط لضمان انتخاب ترامب رئيسا للبلاد، على أمل أن يغض رجل الأعمال البراغماتي الطرف عن استيلائها على الأراضي في أوكرانيا، وعلى أمل تعزيز علاقة أكثر تفضيلاً لروسيا بين واشنطن وموسكو. ومع ذلك، جاءت استراتيجية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتِن، بنتائج عكسية، حيث عززت المواقف المناهضة لروسيا في أوساط المحافظين الأميركيين والليبراليين على حد سواء، وأدت إلى إقرار عقوبات أقوى ضد روسيا في الكونغرس الأميركي.
في العام 2018، من المرجح أن تؤدي المزيد من الاكتشافات المدمرة في التحقيقات التي يجريها المجلس الخاص المخول بالتحقيق في دور روسيا في الانتخابات الأميركية، إلى إضعاف الإدارة الأميركية. وسوف يزيد ذلك من تقويض قدرة واشنطن على التعامل بفعالية مع القضايا المحلية والعالمية، والانخراط بجدارة مع شركاء الولايات المتحدة الدوليين. ومن المرجح أن تستمر الحرب الروسية الهجينة والأخبار المزيفة في التدفق من موسكو، من أجل إخراج العمليات السياسية عن مساراتها في الدول المستهدفة، ومن المرجح أن تكون العقوبات الأميركية جزءاً دائماً من المشهد الجديد. وسوف تكون الحصيلة النهائية لكل هذا تآكلاً في الاستقرار والسلام الدوليين، وإضعاف النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
إيران
من المرجح أن تؤدي عدم مصادقة ترامب على التزام إيران بالاتفاق النووي إلى تقوية المتشددين في طهران، ودفعهم إلى بذل جهود أكثر تركيزا لتقويض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وفي العالم، من خلال تقديم الدعم العسكري والسياسي الخفي والمعلن لخصوم الولايات المتحدة. وسوف تجد طهران شركاء مرحِّبين في روسيا والصين، وستسعى إلى دق إسفين بين أوروبا والولايات المتحدة، وستكون الحصيلة النهائية قدرا أكبر من عدم الاستقرار واحتمالات الصراع. وفي حين أن عددا من الدول العربية سوف تكون مسرورة بالنهج الأميركي الأكثر قوة وعدوانية تجاه عدوها الألد، فإن من المرجح أن يتم إهدار رأس مال ترامب السياسي الإضافي، ما لم تتمكن الإدارة الأميركية من عرض نهج أكثر انضباطاً واتساقاً في سياستها الخارجية.
الإرهاب في الشرق الأوسط
في حين فقد “داعش” معظم أراضي خلافته المعلنة ذاتيا في العراق وسورية، فقد انتشر التطرف العنيف وحسب، بينما يتسلل المقاتلون الأجانب عائدين إلى أوروبا وأجزاء أخرى من الغرب. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم كوادر “داعش” التي تعمل عن بعد من خلال الفضاء السيبراني بتشجيع القيام بأعمال إرهابية بسيطة، وإنما قاتلة. وما تزال أيديولوجية “داعش” نابضة وضارية، ويتم الشعور بآثارها فيما وراء أعمال الإرهاب، حيث تقوم بتأجيج الحركات الشعبوية واليمينية المضادة، وتزرع الكراهية والشك والانقسام بطريقة تعيق الأنظمة السياسية الديمقراطية في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
لسوء الحظ، لم يتمكن نجاح العراق في هزيمة “داعش” رسميا وطرد المجموعة إلى خارج حدوده من تزويد البلد بمساحة التنفس اللازمة للتركيز على إعادة الإعمار والتعامل مع تحدياته الاقتصادية الخاصة. وقد خلق استفتاء استقلال كردستان المتسرع وسيئ التوقيت في تشرين الأول (أكتوبر) مزيدا من التعقيدات، ولم يقتصر أثره على إقلاق بغداد، وإنما تعدى ذلك إلى إزعاج أنقرة وطهران أيضا. وفي حين تراجعت أربيل في وجه المعارضة الدولية، فإن هذه القضية لن تختفي، وإنما ستعمل بدلاً من ذلك على تعقيد الديناميات السياسية في المنطقة الأوسع في العام 2018.
كما تضيف القضية الكردية أيضا إلى التحديات الماثلة في سورية، متسببة بالمزيد من تعقيد العلاقات الأميركية-الروسية، ومعطية روسيا بطاقة أخرى لتلعبها في إضعاف توازن القوى وتعزيز تقدم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وفي حين دعمت كل من الولايات المتحدة وتركيا الفصائل المناهضة للأسد في سورية، فإن دعم الولايات المتحدة للثوار الأكراد، الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين، قوبل بإدانات قوية في تركيا. وتعني الطبيعة المعقدة للحرب والمنافسة الجيو-استراتيجية أن هناك أملاً قليلاً في تحقيق سلام دائم في سورية في العام الجديد، ويبقى احتمال وقوع حادث غير مقصود بين القوات الأميركية والروسية والتركية، والذي قد يتصاعد إلى أزمة أمنية، احتمالاً حاضراً دائماً -وبقوة.
وفي خارج سورية، عمل خطاب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العدائي تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مصحوبا بنقض التقدم الديمقراطي الداخلي في البلد، على خلق دينامية سياسية جديدة يمكن أن تقوض بشكل خطير قدرة حلف الناتو على التصدي بفعالية للتحديات الأمنية. وتركيا دولة عضو في حلف الناتو. وبالاقتران مع تقدم سياسات اليمين المتطرف في أوروبا والقيادة الأميركية غير القابلة للتنبؤ، فإن من المرجح أن يصبح الوضع بين أنقرة وحلفائها الغربيين أكثر سوءاً قبل أن يصبح أفضل، ويمكن أن يؤذن بظهور نقاط ساخنة جديدة في العام الجديد.
وأخيراً، في حين قالت الإدارة الأميركية أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو مجرد اعتراف بالواقع، فإن هناك القليل من الشك في أن ذلك سيؤدي إلى زعزعة خطيرة للاستقرار في بلاد الشام ومنطقة الشرق الأوسط الأوسع. وسوف يوفر طاقة متجددة للعواطف المناهضة للولايات المتحدة ويعزز جهود التجنيد للجماعات الإرهابية. كما سيزود هذا القرار روسيا أيضاً بفرص إضافية لاستغلال عدم الاستقرار وتقويض المصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة والعالم.
الولايات المتحدة الأميركية
سوف تعمل كل هذه التحديات السياسية والأمنية على المزيد من تعقيد البيئة السياسية في الولايات المتحدة في العام 2018، بينما تستعد الأحزاب السياسية المختلفة لانتخابات نصف المدة المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر). ويرجح أن يعني ذلك انتهاج الإدارة نهجاً أقل صبراً وتعاوناً تجاه العملية الدقيقة والمرهقة التي تتطلب الكثير من الوقت لبناء التحالفات والتصدي للتحديات العالمية. وبينما يحاول ترامب أن يضفي القوة على ذلك الجزء من القاعدة الانتخابية الذي يتبى عقلية “نحن في مقابل هُم” في نظرته العالمية، من المرجح أن يكون النهج تجاه الخصوم الخارجيين أكثر عدوانية. ويزيد كل هذا بقدر كبير من فرص حدوث تخبط في السياسة الخارجية الأميركية، والذي يمكن أن يؤدي إلى تراجع في الأسواق والتوقعات الاقتصادية.
الملاحة في دروب السنة القادمة
بينما تعرض القوى العالمية والإقليمية، بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا وتركيا، رؤاها اليائسة القائمة على “استعادة العظمة”، وتتابع أجندات قومية على حساب المصالح العالمية والمشتركة، فإن الوضع السياسي والأمني العالمي يقف عند واحدة من أكثر النقاط خطورة منذ نهاية الحرب الباردة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاختلالات الكبرى الناجمة عن التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة، والنمو الهائل للكوارث الطبيعية بسبب الاحتباس الحراري في الكوكب، والهجرات الجماعية الضخمة من الناس الذين يهربون من انعدام الأمن واليأس الاقتصادي، تعني كلها أن تواصل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء التعرض لاختبار الحدود والإمكانيات. وفي هذه البيئة، على المرء توقُّع إعادة حساب ومراجعة لحس التفاؤل السائد في الأسواق الاقتصادية العالمية، في واقع عالم غير آمن وعدواني إلى حد كبير. أما إذا كان ذلك سيحدث في العام 2018، فعلينا أن ننتظر ونرى، لكن الاحتمالات تتصاعد.
في هذا العالم كثير الغموض والمشحون سياسيا، سوف تُحسن الأعمال والحكومات والمنظمات غير الحكومية التي تريد الازدهار والبقاء على قيد الحياة، سوف تُحسن صنعا إذا هي انتهجت استراتيجيات تضمن لها أن تكون:
– متكيفة ورشيقة في الاستجابة للتطورات العالمية عند حدوثها؛
– متنوعة في برامجها، ومواردها، وخطوط إمدادها؛
– حذِرة في استثماراتها واستراتيجياتها المصممة لاستيعاب المشهد السياسي العالمي المتدهور؛
– مُركِّزة أمنيا فيما يتعلق بحماية الناس، والبنية التحتية، والعلاقات والأنظمة والبيانات؛
– متحوِّطة، مع توقع حدوث أمور سيئة، وبناء تكرارات وبدائل في خططها وأنظمتها؛ و:
– متقدمة تكنولوجيا وابتكارية، للمساعدة في حل المشكلات عندما تحدث، والعثور على طرق جديدة للوصول إلى العملاء، والمشاركين في البرنامج، أو المواطنين عندما تُطرَح العقبات في الطريق.

ما تزال غيوم العاصفة تتجمع في الكوكب بينما ندخل العام 2018، لكن القادة الحكماء، المتناغمين مع الديناميات المتغيرة والقادرين على استيعابها، سيجدون الفرص للنهوض بمهماتهم في وجه بيئة تزداد صعوبة باطراد.

دانييل في. سبيكارد

صحيفة الغد