د.سليم محمد الزعنون*
لليوم السادس على التوالي تندلع المظاهرات في 36 مدينة صغيرة ومتوسطة الحجم في إيران، وتحمل الظاهرة الحالية فُرقات واضحة عن تجرية الثورة الخضراء عام 2009، إذ تُشكل العفوية الطابع العام للتظاهرات، ولاتمتلك قيادات سياسية أو مذهبية، كما أنها تتركز في مدن الأطراف، وتُركز على الجوانب الاقتصادية ذات البعد السياسي، بينما تجربة الثورة الخضراء في عام 2009 كان لها بنية تنظيمية وقيادة واضحة تمثلت في مير حسين موسوي ومهدي كروبي، واعتمدت على مدن المركز كطهران وشيراز والمدن الفارسية، وتركزت حول الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية، وانحصر الصراع بين فريقين الاصلاح والمحافظين.
إن اندلاع التظاهرات في بعض المدن يحمل دلالة هامة لطبيعة الأحداث، فإنطلاق الاحتجاجات من مدينة “مَشهد” ثاني أكبر مدينة بعد طهران، وتتضمن العديد من المزارات الدينية، وانتقالها إلى مدينة “قُم” والتي تُعتبر المدينة الثانية من حيث المكانة الدينية للشيعة وتضم الحوزة العلمية، يحمل دلالة رمزية قوية تستهدف النظام الديني، ولا تقتصر فقط على المطالبة بمكافحة الفساد، وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، ووفقاً لنظرية “الدومينوز” بدأت الاحتجاجات تنتقل للمدن المحيطة بهما، بحيث انتقلت إلى مدن “اصفهان، وساري، وكرماشاه، وهمدان”.
بيدَّ أنه وبالقياس على التجربة الماضية للثورة الخضراء وقدرة النظام على إحتوائها، بالاضافة إلى تماسك مؤسسات النظام الاقتصادية والسياسية والأمنية، فإن الاحتجاجات الحالية لا تُعتبر عملية سياسية قادرة على التغيير الجذري للنظام، ولكنها قد تُحدث بعض التغير النسبي في حال استمرارها، وفقاً لهذا المنظور فإن الظاهرة الحالية تواجه ثلاث سيناريوهات محتملة.
السيناريو الأول: فشل الاحتجاجات.
تؤشر التجربة الماضية إلى قدرة النظام الإيراني على التعامل مع الاحتجاجات الشعبية واحتوائها، وبعد نجاح النظام في فرض السيطرة والعودة للاستقرار تتم عملية التطهير والملاحقة القضائية والقانونية، ووفقاً لهذه التجربة لا يزال قائدي الحركة الخضراء(مهدي كروبي، ومير حسين موسوي) في احجاجات 2009 قيد الاقامة الحبرية.
نظراً لذلك قد يتمكن النظام من كبح الاحتجاجات الجماهيرية الحالية، غير أن هذا الخيار يحمل في طياته العديد من التداعيات لمرحلة ما بعد فرض الاستقرار، أهمهما، انتقام الحرس الثوري وقوات “الباسيج” من المشاركين في الاحتجاجات، يتزامن مع ذلك توسيع صلاحيات الرئيس “روجاني” لإجراء المزيد من الانفتاح والإصلاح.
السيناريو الثاني: التظاهر بالنضج السياسي.
يقوم هذا السيناريو على أن يعترف النظام بفشله الاقتصادي، وهذا ما بدا واضحاً في خطاب الرئيس “روحاني”، لامتصاص نقمة الشارع، في محاولة لعودة الهدوء، والتعهد بإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية زائفة، بحيث لا ترافقها عملية اصلاح اقتصادي وسياسي حقيقية على غرار احتجاجات عام 2009 ويبقى الوضع على ما هو عليه.
بيدّ أنه من المستبعد اعتراف النظام بفشله السياسي والاقتصادي، فما زال النظام يتمتع ببنية هيكلية وتنظيمية متينة، ويمتلك كل المقومات تلاقتصادية والعسكرية كأدة لقمع الجماهيرة وفرض الاستقرار
السيناريو الثالث: الانتخابات المبكرة.
في حال تمدد الاحتجاجات وفقاً لنظرية “الدومينوز”، وفشل النظام في احتوائها، قد يلجأ إلى الاعلان عن إجراء انتخابات مبكرة، كمحاولة للتهدئة والحفاظ على استقرار النظام، وفي هذا الاطار يخرج الرئيس روحاني من المشهد السياسي، باعتباره فشل في توظيف الرفع الجزئي للعقوبات لإجراء اصلاحات اقتصادية حقيقية .
الاحتجاجات الحالية في إيران لن تتمكن من تغيير النظام الحالي، ولكن من الممكن أن تدفع باتجاه توسيع صلاحيات الرئيس روحاني لإجراء المزيد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية، ولكن إذا ما استمرت الاحتجاجات وتوسعت من المحتمل أن يتم إجراء انتخابات مبكرة تُطيح بروحاني وتغيير المشهد الحكومي.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية