استفاد الحرس الثوري كثيرا من سنوات العقوبات التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي ليكون إمبراطورية اقتصادية ممتدة الأطراف من صناعة الأسلحة إلى شركات النفط والطيران والنقل والاتصالات والسياحة وإنتاج السيارات والاتصالات والتشييد والبناء. وفي سنوات التفاوض بشأن الاتفاق النووي تمكن من التمدد في الخارج عبر أذرع عسكرية في العراق واليمن بالإضافة إلى حزب الله في لبنان.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الحرس الثوري -وهو القوة العسكرية الموازية للجيش النظامي، ومهمتها الأساسية حماية الثورة- أكثر ثقة ويشعر بأنه يمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية التي تجعله المتحكم الرئيسي في البلاد، لا المرشد الأعلى. حتى بعض الخبراء يعتبرون أن دعم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للرئيس حسن روحاني في خلافه مع الحرس الثوري على إدارة الاقتصاد الإيراني حيث حاول تقليص ميزانيته بنحو 10 بالمئة، يعود إلى التخوف من تغول الحرس الثوري، إلى درجة أنه أصبح دولة شاملة تتحكم في الدولة الدينية العميقة في إيران، حتى أن البعض صار يتحدث عن نشأة دولة الحرس الثوري مكان دولة الولي الفقيه.
ويتجلى ذلك واضحا من خلال الدور الذي يلعبه الحرس في اختيار خليفة المرشد الأعلى خامنئي، منذ أن أعلن عن إجرائه عملية لاجتثاث سرطان البروستاتا. ويقول الخبير في الشأن الإيراني والمحلل في مجلة فورين افيرز، سنام وكيل، “بالتوازي مع تنامي قوته الاقتصادية تنامت أيضا رغبة الحرس الثوري في تأكيد حضوره السياسي”.ويؤكد الخبراء أن الحرس الثوري سيعمل بكل ما لديه من قوة لتحقيق ذلك، مشيرين إلى أن تدخله لقمع الاحتجاجات بعد أسبوع من اندلاعها عكس مدى تخوفه من أن تفلت من يديه زمام الأمور، حيث كان الحرس الثوري يتصور أن المظاهرات ستتراجع بسرعة وستتولى أذرعه الأمنية ردعها، مثلما حدث من قبل.
بصفتهم المستفيدين الأوائل من النظام، في ما يتعلق بالسلطة والمال، لدى جنرالات الحرس الثوري كل الأسباب لمعارضة الإصلاح ولقمع أي جهة تطالب به وتدعمه
لكن الوقائع كانت عكس ذلك، فكلما قُمعت المظاهرات علت أصوات الغاضبين أكثر وطالت شعاراتهم رأس النظام وحرسه الثوري. وتحولت الاحتجاجات، التي بدأت الأسبوع الماضي بسبب الشعور بالإحباط من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب والطبقة العاملة، إلى انتفاضة ضد السلطات والمزايا التي تتمتع بها النخبة خاصة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
وواصلت الاضطرابات إثارة ردود فعل شديدة التباين على المستوى الدولي مع تعبير عدد من الأوروبيين عن استيائهم من رد الفعل المبتهج الصادر عن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تحد لتهديدات من القضاء بمواجهة عقوبات تصل إلى الإعدام حال الإدانة بإثارة الشغب استأنف متظاهرون احتجاجاتهم مع خروج المئات إلى الشوارع في ملاير بإقليم همدان وهم يهتفون “الناس يتسولون والزعيم الأعلى يتصرف كإله”.
وفي مؤشر على مخاوف في الدوائر الرسمية من صمود الاحتجاجات مدة طويلة قال الميجر جنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري إنه أرسل قوات إلى أقاليم أصفهان ولورستان وهمدان لمواجهة “الفتنة الجديدة”. في نهاية المطاف أكثر ما تخشاه الدولة العميقة هو حدوث انهيار، خصوصا بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتدخل القوى الغربية على خط التعليق على ما يجري من انتهاكات لحقوق المتظاهرين، وإن كانوا قد عارضوا تغريدات ترامب، وأكدوا أن مشاكل الإيرانيين يحلها الإيرانيون، مشبهين سقوط النظام في إيران (إن حدث) بزلزال سقوط الاتحاد السوفييتي.
حكمتيار يتهم إيران بتوجيه داعش نحو أفغانستان
كابول – اتهم قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي في أفغانستان، إيران بتوجيه تنظيم داعش الإرهابي نحو بلاده، معتبرا أن إجراء الانتخابات الرئاسية في 2019 هو “السبيل الأوحد” لحل الأزمة في بلاده.
وقال حكمتيار، خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس بالعاصمة الأفغانية كابول، إن “إيران تسعى لتطبيق مؤامرة داعش -التي نفذتها في العراق وسوريا- في أفغانستان”.
وأضاف أن “إيران توجه تنظيم داعش إلى أفغانستان؛ فعناصر التنظيم ينتقلون إلى أفغانستان، من سوريا والعراق، مرورا بالأراضي الإيرانية”.
وعلى صعيد آخر، قال حكمتيار، خلال المؤتمر نفسه، إن “الحزب الإسلامي (إحدى الجماعات المسلحة في البلاد)، يدعم بشدة العملية السياسية، وسيساند الراغبين في المشاركة بعملية السلام”.
وأشار إلى أنه على اتصال بحركة طالبان في محاولة لتشجيعها على المشاركة بمحادثات السلام، دون الإشارة إلى حدوث تطورات بشأن إقناع الحركة بالمشاركة من عدمها.
كما لفت إلى أنه ينظر في الدعوة لعقد اجتماع يضم جميع الأحزاب السياسية وجماعات المعارضة، من أجل مناقشة أوضاع البلاد.
وقال “أعتقد أن بعض الأحزاب السياسية ستتردد في المشاركة، إلا أن الاجتماع سيُعقد مستقبلا بمشاركة معظم الأحزاب”، مشددا على أنه “يتعين على الأحزاب أن تتبنى المنافسة السياسية نهجا لها بدل التناحر”.
وأكد حكمتيار دعمه للجهود الرامية للحفاظ على النظام الحاكم حاليًا، ومواجهة أي محاولات لإدخال تغييرات عليه، معتبرا أن “أي تغيير يجب أن يتم عبر السبل القانونية، وبرضا جميع الأطراف المعنية”.
ودعا جميع أنصاره إلى التحلي بالصبر حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019. وحول اتفاقية السلام التي وقعها الحزب الإسلامي مع الحكومة الأفغانية، قال حكمتيار إن “الحكومة لم تف بوعودها كما هو متفق عليه”.
وأشار إلى أنه رغم مرور أشهر طويلة على توقيع الاتفاقية، إلا أن معظم عناصر جماعته المعتقلين، لا يزالون في السجون.
وذكر حكمتيار، الذي عاد إلى كابول، في أبريل الماضي، أنه لم يتم، حتى اليوم، الإفراج سوى عن 70 عضوا معتقلا.
وحارب الحزب الإسلامي الحكومة الأفغانية منذ 1992، قبل أن يوقع الحزب، في سبتمبر 2016، اتفاق سلام مع الرئيس الأفغاني، أشرف غني، عاد بموجبها حكمتيار إلى البلاد، ودخل حزبه في العملية السياسية.
قوة سياسية واقتصادية
شكل الحرس الثوري آية الله الخميني. وبينما كان جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكلفا دستوريا بالدفاع عن حدود إيران والحفاظ على النظام الداخلي، كان الحرس الثوري الإيراني مكلّفا بحماية النزعة الإسلامية للبلاد إضافةً إلى الأنشطة العسكرية.
وبعد الحرب مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي حظي بأول موطئ قدم اقتصادي عندما سمح له الحكام من رجال الدين بالاستثمار في صناعات رائدة. وتنامى نفوذه الاقتصادي خاصة بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد عام 2005.
وأثناء احتجاجات 2009 برهنت الدولة العميقة، بدعم من الحرس الثوري، على استعدادها لاستعمال العنف للحيلولة دون حصول تغيير في البلاد. وكوفئ الحرس الثوري بعقود مهمة بعد أن قمع احتجاجات مطالبة بالإصلاح أعقبت إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا عام 2009. واشترت شركة تابعة للحرس الثوري شركة الاتصالات التي تديرها الدولة مقابل ثمانية مليارات دولار تقريبا.
واليوم يسعى الحرس الثوري إلى تحقيق نفس النتيجة مع الاحتجاجات الراهنة، والعودة بالبلاد إلى المربع الأول، حتى يتسنى له التحكم في خلافة المرشد الأعلى الثالث ليدعم بذلك منظومة التحكم في البلاد، فإلى جانب قوته الاقتصادية يشغل رجال الحرس الثوري مناصب عليا في الدولة، ومنهم علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى.
ويسعى الحرس الثوري إلى الدفع برجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي ليكون على رأس قائمة الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي. وكان الحرس دعم بشكل كبير رئيسي خلال الانتخابات الرئاسية ضد حسن روحاني. ورغم تواضع مؤهلاته بما يناسب المنصب إلا أن علاقته القوية بالدولة العميقة يمكن أن تفتح له الطريق ليكون المرشد الأعلى.
وتذكر تقارير سابقة أن قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورئيس مجلس خبراء القيادة أحمد جنتي وقائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري زاروا، قبل الانتخابات الرئاسية في ربيع 2016، إبراهيم رئيسي في مدينة مشهد وبصحبته كبار الضباط لتقديم تقرير حول الأنشطة الإقليمية السرية للحرس.
وظهر رئيسي في الصور التذكارية للزيارة وهو يجلس على كرسي بينما جلس ضيوفه على الأرض، في إظهار ملحوظ للاحترام والثقة لمؤسسة أمنية تحرص على حماية أسرارها. وكان رئيسي عضوا بمجلس إدارة شركة ستاد، وهي شركة قابضة خاضعة لسيطرة خامنئي، ولها مصالح في قطاعات الأدوية والعقارات والاتصالات والطاقة في إيران، ووفقا لوكالة رويترز للأنباء فإن أصول الشركة تبلغ نحو 95 مليار دولار.
قمع ضروري
يقول الباحث في الشأن الإيراني أليكس فتانكا “بالإمكان تلخيص الدولة العميقة في إيران في اسم الحرس الثوري الإسلامي الذي لا يتكون فقط من مركّب صناعي عسكري بل وكذلك من مؤسسات إعلامية وثلاث وكالات استخباراتية منفصلة”.
واليوم تخشى هذه الدولة -إن لم تتم لملمة المظاهرات وإظهار القوة اللازمة- أن تواجه في المستقبل مصاعب واحتجاجات ممثالة، خاصة وأن الإيرانيين كسروا حاجز الخوف وتجاوزوا الخطوط الحمراء في هذه المظاهرات حين رفعوا شعارات طالت الثورة الإسلامية والمرشد الأعلى بشكل صريح وبجرأة تنم عن عدم التراجع أو الخوف أمام أي بطش أو قمع.
وكانت للحرس الثوري على مدى وقت طويل علاقة صراع مع مركزي السلطة الآخرين، وفي كل مرة يصمد أمام محاولتهما تهميشه. وتصادم أول مرة مع الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما سعى دون نجاح لإدماج الحرس الثوري في القوات العسكرية النظامية.
واليوم تجد هذه المؤسسة نفسها تصارع للحفاظ على منزلتها، لكن في هذه المرة صار الصراع مع شبكة سياسية غير رسمية كانت على الدوام جزءا من الجمهورية الإسلامية لكنها منفصلة عن الحرس الثوري. وغالبا ما يشار إلى هذه الفئة في طهران على أنها فئة “التكنوقراط”، والرئيس حسن روحاني محسوب على هذه الشبكة.
ويشير أليكس فتانكا إلى أن الشكوك المتبادلة بين الحرس الثوري والتكنوقراط تعود جزئيا إلى خلفياتهم ونظرتهم للعالم الشديدة التباين. تتكون قيادة الحرس الثوري من رجال كانوا في بداية العشرينات من أعمارهم عندما التحقوا بحركة الخميني لتحقيق “مدينة فاضلة إسلامية” ولبسوا لأول مرة زي الحرس الثوري الإسلامي.
دولة داخل الدولة
تنحدر غالبية هؤلاء من خلفيات حضرية أو ريفية فقيرة، وسطع نجمهم أثناء الحرب الإيرانية العراقية عندما تمكنوا من صد الجيش العراقي في زمن كانت إيران ما بعد الثورة تعتبر ضعيفة. وكان التكنوقراط أيضا فيما مضى ثوريين إسلاميين شبابا، لكن بدل ارتداء أزياء الحرس الثوري خدموا في الوزارات المدنية. وبدلا من النشوء في الفقر أتوا من عائلات من الطبقة المتوسطة، وتعلم الكثير منهم في الغرب.
كلتا المجموعتين تكونتا في الفوضى التي أعقبت مباشرة ثورة 1979، لكن كل مجوعة أخذت درسا مختلفا من تلك الفترة. في الوزارات في طهران، تعلم التكنوقراط من تجربة كيف أن التعصب الثوري (مثلا عن طريق قطع التجارة مع العالم الخارجي) قد يؤدي إلى العزلة الدولية ويضر بالاقتصاد. وفي الأثناء وجد الحرس الثوري أن التعصب ذاته لا غنى عنه لتعبئة قاعدة صغيرة لكنها مصممة لخدمة مصالحه. وبصفتهم المستفيدين الأوائل من النظام، في ما يتعلق بالسلطة والمال، لدى جنرالات الحرس الثوري
كل الأسباب لمعارضة الإصلاح ولقمع أي جهة تطالب به وتدعمه.
ولا يستبعد فارس إلياس، المختص في شؤون الشرق الأوسط بمركز أنقرة للأبحاث السياسية والأمنية، أن يقوم النظام الإيراني بتصدير أزمته إلى الخارج من خلال خلق حرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أو تحريك الميليشيات المسلحة التي يشرف عليها قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابه للحرس الثوري، لإثارة المزيد من الفوضى في اليمن والعراق.
واستبعد إلياس أن تشكل الاحتجاجات الشعبية في إيران تهديدا للنظام حتى وإن وصلت إلى مستويات عالية، مبينا أن مطالب المحتجين تتعلق بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وتوقع أن تقوم الحكومة الإيرانية بافتعال فوضى تحت السيطرة، حتى تكون وسيلة لتفتيت الاحتجاجات، الأمر الذي سينهي المظاهرات تلقائيا.
استفاد الحرس الثوري كثيرا من سنوات العقوبات التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي ليكون إمبراطورية اقتصادية ممتدة الأطراف من صناعة الأسلحة إلى شركات النفط والطيران والنقل والاتصالات والسياحة وإنتاج السيارات والاتصالات والتشييد والبناء. وفي سنوات التفاوض بشأن الاتفاق النووي تمكن من التمدد في الخارج عبر أذرع عسكرية في العراق واليمن بالإضافة إلى حزب الله في لبنان.
وفي السنوات الأخيرة أصبح الحرس الثوري -وهو القوة العسكرية الموازية للجيش النظامي، ومهمتها الأساسية حماية الثورة- أكثر ثقة ويشعر بأنه يمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية التي تجعله المتحكم الرئيسي في البلاد، لا المرشد الأعلى. حتى بعض الخبراء يعتبرون أن دعم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للرئيس حسن روحاني في خلافه مع الحرس الثوري على إدارة الاقتصاد الإيراني حيث حاول تقليص ميزانيته بنحو 10 بالمئة، يعود إلى التخوف من تغول الحرس الثوري، إلى درجة أنه أصبح دولة شاملة تتحكم في الدولة الدينية العميقة في إيران، حتى أن البعض صار يتحدث عن نشأة دولة الحرس الثوري مكان دولة الولي الفقيه.
ويتجلى ذلك واضحا من خلال الدور الذي يلعبه الحرس في اختيار خليفة المرشد الأعلى خامنئي، منذ أن أعلن عن إجرائه عملية لاجتثاث سرطان البروستاتا. ويقول الخبير في الشأن الإيراني والمحلل في مجلة فورين افيرز، سنام وكيل، “بالتوازي مع تنامي قوته الاقتصادية تنامت أيضا رغبة الحرس الثوري في تأكيد حضوره السياسي”.ويؤكد الخبراء أن الحرس الثوري سيعمل بكل ما لديه من قوة لتحقيق ذلك، مشيرين إلى أن تدخله لقمع الاحتجاجات بعد أسبوع من اندلاعها عكس مدى تخوفه من أن تفلت من يديه زمام الأمور، حيث كان الحرس الثوري يتصور أن المظاهرات ستتراجع بسرعة وستتولى أذرعه الأمنية ردعها، مثلما حدث من قبل.
بصفتهم المستفيدين الأوائل من النظام، في ما يتعلق بالسلطة والمال، لدى جنرالات الحرس الثوري كل الأسباب لمعارضة الإصلاح ولقمع أي جهة تطالب به وتدعمه
لكن الوقائع كانت عكس ذلك، فكلما قُمعت المظاهرات علت أصوات الغاضبين أكثر وطالت شعاراتهم رأس النظام وحرسه الثوري. وتحولت الاحتجاجات، التي بدأت الأسبوع الماضي بسبب الشعور بالإحباط من الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب والطبقة العاملة، إلى انتفاضة ضد السلطات والمزايا التي تتمتع بها النخبة خاصة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
وواصلت الاضطرابات إثارة ردود فعل شديدة التباين على المستوى الدولي مع تعبير عدد من الأوروبيين عن استيائهم من رد الفعل المبتهج الصادر عن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تحد لتهديدات من القضاء بمواجهة عقوبات تصل إلى الإعدام حال الإدانة بإثارة الشغب استأنف متظاهرون احتجاجاتهم مع خروج المئات إلى الشوارع في ملاير بإقليم همدان وهم يهتفون “الناس يتسولون والزعيم الأعلى يتصرف كإله”.
وفي مؤشر على مخاوف في الدوائر الرسمية من صمود الاحتجاجات مدة طويلة قال الميجر جنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري إنه أرسل قوات إلى أقاليم أصفهان ولورستان وهمدان لمواجهة “الفتنة الجديدة”. في نهاية المطاف أكثر ما تخشاه الدولة العميقة هو حدوث انهيار، خصوصا بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتدخل القوى الغربية على خط التعليق على ما يجري من انتهاكات لحقوق المتظاهرين، وإن كانوا قد عارضوا تغريدات ترامب، وأكدوا أن مشاكل الإيرانيين يحلها الإيرانيون، مشبهين سقوط النظام في إيران (إن حدث) بزلزال سقوط الاتحاد السوفييتي.
حكمتيار يتهم إيران بتوجيه داعش نحو أفغانستان
كابول – اتهم قلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي في أفغانستان، إيران بتوجيه تنظيم داعش الإرهابي نحو بلاده، معتبرا أن إجراء الانتخابات الرئاسية في 2019 هو “السبيل الأوحد” لحل الأزمة في بلاده.
وقال حكمتيار، خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس بالعاصمة الأفغانية كابول، إن “إيران تسعى لتطبيق مؤامرة داعش -التي نفذتها في العراق وسوريا- في أفغانستان”.
وأضاف أن “إيران توجه تنظيم داعش إلى أفغانستان؛ فعناصر التنظيم ينتقلون إلى أفغانستان، من سوريا والعراق، مرورا بالأراضي الإيرانية”.
وعلى صعيد آخر، قال حكمتيار، خلال المؤتمر نفسه، إن “الحزب الإسلامي (إحدى الجماعات المسلحة في البلاد)، يدعم بشدة العملية السياسية، وسيساند الراغبين في المشاركة بعملية السلام”.
وأشار إلى أنه على اتصال بحركة طالبان في محاولة لتشجيعها على المشاركة بمحادثات السلام، دون الإشارة إلى حدوث تطورات بشأن إقناع الحركة بالمشاركة من عدمها.
كما لفت إلى أنه ينظر في الدعوة لعقد اجتماع يضم جميع الأحزاب السياسية وجماعات المعارضة، من أجل مناقشة أوضاع البلاد.
وقال “أعتقد أن بعض الأحزاب السياسية ستتردد في المشاركة، إلا أن الاجتماع سيُعقد مستقبلا بمشاركة معظم الأحزاب”، مشددا على أنه “يتعين على الأحزاب أن تتبنى المنافسة السياسية نهجا لها بدل التناحر”.
وأكد حكمتيار دعمه للجهود الرامية للحفاظ على النظام الحاكم حاليًا، ومواجهة أي محاولات لإدخال تغييرات عليه، معتبرا أن “أي تغيير يجب أن يتم عبر السبل القانونية، وبرضا جميع الأطراف المعنية”.
ودعا جميع أنصاره إلى التحلي بالصبر حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019. وحول اتفاقية السلام التي وقعها الحزب الإسلامي مع الحكومة الأفغانية، قال حكمتيار إن “الحكومة لم تف بوعودها كما هو متفق عليه”.
وأشار إلى أنه رغم مرور أشهر طويلة على توقيع الاتفاقية، إلا أن معظم عناصر جماعته المعتقلين، لا يزالون في السجون.
وذكر حكمتيار، الذي عاد إلى كابول، في أبريل الماضي، أنه لم يتم، حتى اليوم، الإفراج سوى عن 70 عضوا معتقلا.
وحارب الحزب الإسلامي الحكومة الأفغانية منذ 1992، قبل أن يوقع الحزب، في سبتمبر 2016، اتفاق سلام مع الرئيس الأفغاني، أشرف غني، عاد بموجبها حكمتيار إلى البلاد، ودخل حزبه في العملية السياسية.
قوة سياسية واقتصادية
شكل الحرس الثوري آية الله الخميني. وبينما كان جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكلفا دستوريا بالدفاع عن حدود إيران والحفاظ على النظام الداخلي، كان الحرس الثوري الإيراني مكلّفا بحماية النزعة الإسلامية للبلاد إضافةً إلى الأنشطة العسكرية.
وبعد الحرب مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي حظي بأول موطئ قدم اقتصادي عندما سمح له الحكام من رجال الدين بالاستثمار في صناعات رائدة. وتنامى نفوذه الاقتصادي خاصة بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد عام 2005.
وأثناء احتجاجات 2009 برهنت الدولة العميقة، بدعم من الحرس الثوري، على استعدادها لاستعمال العنف للحيلولة دون حصول تغيير في البلاد. وكوفئ الحرس الثوري بعقود مهمة بعد أن قمع احتجاجات مطالبة بالإصلاح أعقبت إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا عام 2009. واشترت شركة تابعة للحرس الثوري شركة الاتصالات التي تديرها الدولة مقابل ثمانية مليارات دولار تقريبا.
واليوم يسعى الحرس الثوري إلى تحقيق نفس النتيجة مع الاحتجاجات الراهنة، والعودة بالبلاد إلى المربع الأول، حتى يتسنى له التحكم في خلافة المرشد الأعلى الثالث ليدعم بذلك منظومة التحكم في البلاد، فإلى جانب قوته الاقتصادية يشغل رجال الحرس الثوري مناصب عليا في الدولة، ومنهم علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى.
ويسعى الحرس الثوري إلى الدفع برجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي ليكون على رأس قائمة الأسماء المرشحة لخلافة خامنئي. وكان الحرس دعم بشكل كبير رئيسي خلال الانتخابات الرئاسية ضد حسن روحاني. ورغم تواضع مؤهلاته بما يناسب المنصب إلا أن علاقته القوية بالدولة العميقة يمكن أن تفتح له الطريق ليكون المرشد الأعلى.
وتذكر تقارير سابقة أن قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورئيس مجلس خبراء القيادة أحمد جنتي وقائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري زاروا، قبل الانتخابات الرئاسية في ربيع 2016، إبراهيم رئيسي في مدينة مشهد وبصحبته كبار الضباط لتقديم تقرير حول الأنشطة الإقليمية السرية للحرس.
وظهر رئيسي في الصور التذكارية للزيارة وهو يجلس على كرسي بينما جلس ضيوفه على الأرض، في إظهار ملحوظ للاحترام والثقة لمؤسسة أمنية تحرص على حماية أسرارها. وكان رئيسي عضوا بمجلس إدارة شركة ستاد، وهي شركة قابضة خاضعة لسيطرة خامنئي، ولها مصالح في قطاعات الأدوية والعقارات والاتصالات والطاقة في إيران، ووفقا لوكالة رويترز للأنباء فإن أصول الشركة تبلغ نحو 95 مليار دولار.
قمع ضروري
يقول الباحث في الشأن الإيراني أليكس فتانكا “بالإمكان تلخيص الدولة العميقة في إيران في اسم الحرس الثوري الإسلامي الذي لا يتكون فقط من مركّب صناعي عسكري بل وكذلك من مؤسسات إعلامية وثلاث وكالات استخباراتية منفصلة”.
واليوم تخشى هذه الدولة -إن لم تتم لملمة المظاهرات وإظهار القوة اللازمة- أن تواجه في المستقبل مصاعب واحتجاجات ممثالة، خاصة وأن الإيرانيين كسروا حاجز الخوف وتجاوزوا الخطوط الحمراء في هذه المظاهرات حين رفعوا شعارات طالت الثورة الإسلامية والمرشد الأعلى بشكل صريح وبجرأة تنم عن عدم التراجع أو الخوف أمام أي بطش أو قمع.
وكانت للحرس الثوري على مدى وقت طويل علاقة صراع مع مركزي السلطة الآخرين، وفي كل مرة يصمد أمام محاولتهما تهميشه. وتصادم أول مرة مع الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما سعى دون نجاح لإدماج الحرس الثوري في القوات العسكرية النظامية.
واليوم تجد هذه المؤسسة نفسها تصارع للحفاظ على منزلتها، لكن في هذه المرة صار الصراع مع شبكة سياسية غير رسمية كانت على الدوام جزءا من الجمهورية الإسلامية لكنها منفصلة عن الحرس الثوري. وغالبا ما يشار إلى هذه الفئة في طهران على أنها فئة “التكنوقراط”، والرئيس حسن روحاني محسوب على هذه الشبكة.
ويشير أليكس فتانكا إلى أن الشكوك المتبادلة بين الحرس الثوري والتكنوقراط تعود جزئيا إلى خلفياتهم ونظرتهم للعالم الشديدة التباين. تتكون قيادة الحرس الثوري من رجال كانوا في بداية العشرينات من أعمارهم عندما التحقوا بحركة الخميني لتحقيق “مدينة فاضلة إسلامية” ولبسوا لأول مرة زي الحرس الثوري الإسلامي.
تنحدر غالبية هؤلاء من خلفيات حضرية أو ريفية فقيرة، وسطع نجمهم أثناء الحرب الإيرانية العراقية عندما تمكنوا من صد الجيش العراقي في زمن كانت إيران ما بعد الثورة تعتبر ضعيفة. وكان التكنوقراط أيضا فيما مضى ثوريين إسلاميين شبابا، لكن بدل ارتداء أزياء الحرس الثوري خدموا في الوزارات المدنية. وبدلا من النشوء في الفقر أتوا من عائلات من الطبقة المتوسطة، وتعلم الكثير منهم في الغرب.
كلتا المجموعتين تكونتا في الفوضى التي أعقبت مباشرة ثورة 1979، لكن كل مجوعة أخذت درسا مختلفا من تلك الفترة. في الوزارات في طهران، تعلم التكنوقراط من تجربة كيف أن التعصب الثوري (مثلا عن طريق قطع التجارة مع العالم الخارجي) قد يؤدي إلى العزلة الدولية ويضر بالاقتصاد. وفي الأثناء وجد الحرس الثوري أن التعصب ذاته لا غنى عنه لتعبئة قاعدة صغيرة لكنها مصممة لخدمة مصالحه. وبصفتهم المستفيدين الأوائل من النظام، في ما يتعلق بالسلطة والمال، لدى جنرالات الحرس الثوري
كل الأسباب لمعارضة الإصلاح ولقمع أي جهة تطالب به وتدعمه.
ولا يستبعد فارس إلياس، المختص في شؤون الشرق الأوسط بمركز أنقرة للأبحاث السياسية والأمنية، أن يقوم النظام الإيراني بتصدير أزمته إلى الخارج من خلال خلق حرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أو تحريك الميليشيات المسلحة التي يشرف عليها قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابه للحرس الثوري، لإثارة المزيد من الفوضى في اليمن والعراق.
واستبعد إلياس أن تشكل الاحتجاجات الشعبية في إيران تهديدا للنظام حتى وإن وصلت إلى مستويات عالية، مبينا أن مطالب المحتجين تتعلق بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وتوقع أن تقوم الحكومة الإيرانية بافتعال فوضى تحت السيطرة، حتى تكون وسيلة لتفتيت الاحتجاجات، الأمر الذي سينهي المظاهرات تلقائيا.
صحيفة العرب اللندنية