تونس – دقت القوى السياسية والحزبية والنقابية التونسية ناقوس الخطر من تداعيات استمرار الاحتقان الاجتماعي على أمن واستقرار البلاد، مع بدء حراك احتجاجي تحوّل إلى مواجهات ليلية عنيفة في عدد من المحافظات، تخللتها عمليات نهب وتخريب.
وترافقت تلك التحذيرات مع خشية متصاعدة من مخاطر الانفلات الأمني الذي قد يستغله الإرهابيون لتنفيذ مخططاتهم الهدامة، وتزايد الدعوات إلى التعقّل وتغليب الحوار والمصلحة الوطنية العليا، لا سيما أن خطر الإرهاب مازال قائما، ويستدعي المزيد من الحذر واليقظة لمواجهته والتصدي له.
ورفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وصف ما عرفته بلاده ليل الاثنين-الثلاثاء من مواجهات عنيفة بين المُحتجين وقوات الأمن شملت عدة محافظات، بأنه احتجاجات شعبية ضد قانون المالية للعام 2018، وما اتخذته حكومته من إجراءات تسببت في غلاء المعيشة.
وقال الشاهد في أول ردّ فعل له على الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مناطق تونسية، إن ما حصل “لا يمكن اعتباره احتجاجا”، وذلك على ضوء عمليات التخريب والنهب والاعتداءات على المواطنين التي تم تسجيلها.
وأضاف في تصريحات على هامش زيارته فجر الثلاثاء، لمقر قيادة الفيلق الأول الترابي الصحراوي لجيش بلاده المُرابط بمنطقة رمادة بأقصى الجنوب التونسي غير بعيد عن المثلث الحدودي التونسي-الليبي- الجزائري، إن ما حصل “هو نهب وسرقة”.
وتابع قائلا إن “حق التظاهر يكفله القانون، والحكومة مستعدة للاستماع إلى أي شخص، ومن يريد التظاهر بطريقة سلمية فنحن معه ونقوم بحمايته، لكن لا وجود لاحتجاجات ليلية في البلدان الديمقراطية، وإن الحكومة ستطبق القانون على المخربين وعلى من يقوم بتحريضهم”.
وساد هدوء حذر الثلاثاء في غالبية المحافظات التونسية، باستثناء محافظات قفصة وقابس وسيدي بوزيد والقصرين، التي عرفت تواصل المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في عدد من قراها منها السند (قفصة)، والحامة (قابس)، والمكناسي وجلمة (سيدي بوزيد)، وتالة (القصرين)، إلى جانب تسجيل مظاهرة وسط العاصمة تونس.
وشهدت تلك المحافظات ليل الاثنين-الثلاثاء مواجهات عنيفة في سياق الاحتجاج على قانون المالية وارتفاع الأسعار والمطالبة بالتنمية والتشغيل، ما دفع الجيش إلى نشر قواته لحماية المنشآت العمومية، لا سيما في مدينة القصرين المحاذية للحدود الجزائرية.
واتسعت دائرة تلك الاحتجاجات لتشمل عددا من المحافظات الأخرى، منها الكاف والقيروان ونابل، وصولا إلى منوبة الواقعة غرب تونس العاصمة، حيث جرت مواجهات عنيفة في مدينة طبربة التابعة لها تم خلالها تسجيل حالة وفاة بسبب الغاز المسيل للدموع، إلى جانب إصابة خمسة من أفراد قوات الأمن بجروح متفاوتة الخطورة.
نورالدين الطبوبي: الاحتجاج من أجل مطالب اجتماعية وتنموية لا يكون تحت جنح الظلام
وتخللت تلك المواجهات اعتداءات على مراكز أمنية ومنشآت عمومية، إلى جانب القيام بعمليات نهب وتخريب، في تطور لافت للأحداث يشي برغبة في دفع الأمور نحو الانفلات الأمني.
وأكد العميد خليفة الشيباني، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، أنه تم تسجيل اقتحام لمركز الأمن الوطني بالبطان من محافظة منوبة وحرق أحد مكاتبه، واقتحام آخر لمركز الأمن الوطني بالقطار من محافظة قفصة وبعثرة بعض الوثائق والتجهيزات به وحرقها أمام المقر.
وأضاف في تصريحات إذاعية أنه تم أيضا تسجيل عمليات خلع لمحلات تجارية والاستيلاء على مواد غذائية من داخلها، وسرقة 34 دراجة نارية، لافتا إلى أن الذين قاموا بهذه الجرائم كانوا مُسلحين بالسكاكين والهراوات.
وأمام هذه التطورات الخطيرة، حذر منور الورتاني محافظ الكاف من احتمال اندساس العناصر الإرهابية المتحصنة بالجبال المتاخمة للمنطقة، واستغلالها لهذه التحركات الاحتجاجية للتسلل والقيام بعمليات إرهابية في البلاد.
وفيما دعا الورتاني أهالي الكاف إلى التعقل والاحتجاج السلمي، ارتفعت أصوات الأحزاب السياسية والنقابية المحذرة من تداعيات هذا الوضع، حيث استنكر نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أعمال النهب والتخريب التي سُجلت في عدد من محافظات البلاد.
وقال الطبوبي إن الاحتجاجات من أجل مطالب اجتماعية وتنموية “لا تكون تحت جنح الظلام، ولا تكون أيضا بالنهب وبتخريب الممتلكات الخاصة والعامة”.
ودعا حزب “حركة مشروع تونس″ إلى مراجعة قانون المالية، وحث السلطات في نفس الوقت على فرض حظر تجوال ليلي للتصدي لأعمال النهب والتخريب للمنشآت العامة.
ودعا الأمين العام للحزب محسن مرزوق على صفحته بفيسبوك إلى تطبيق القانون بما فيه حظر التجوال ليلا لمحاصرة الناهبين والمخربين، كما أشار إلى أن تخريب المنشآت والممتلكات لا يمكن السماح به مع احترام حرية التعبير والتظاهر السلمي. وحث على القيام بتعديلات جوهرية للخروج من الأزمة.
وبالتوازي، نددت ريم محجوب النائبة بمجلس نواب الشعب عن حزب آفاق تونس، بما شاب الاحتجاجات من نهب وسرقة وفوضى ومن اعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة.
ودعت في المقابل المحتجين إلى الاحتجاج بشكل سلمي وإلى “الحذر من المُندسين الذين يغتنمون الفرصة للقيام باعتداءات”.
العرب اللندنية