أعلنت الولايات المتحدة أمس إنها تعمل مع فصائل «حليفة» لها لتشكيل «قوة حدودية» جديدة قوامها 30 ألف جندي ستكون مهمتها الانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالا والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات.
الفصائل الحليفة المقصودة طبعا هي «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات الحماية الكردية» وكلاهما من الواجهات ذات الأسماء المتعددة لحزب العمال الكردستاني في تركيا، (وهو ما يعني أنه حزب يعبّر عن سياق سياسي لأكراد تركيا وليس أكراد سوريا) وهذا ما يفسّر الغضب التركي السريع من الإعلان واستدعاء أنقرة للسفير الأمريكي لديها.
توازى الإعلان مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تهدد بمهاجمة مدينة عفرين، وهي مركز أساسي لسيطرة «حزب العمال الكردستاني» لكنه قريب جدا من تركيا (حوالى 70 كم) وبعيد عن حدود نهر الفرات، وهي تصريحات سبق أن كررها المسؤولون الأتراك على مدى سنوات، ولكن رافقها هذه المرة توسيع القصف المدفعي منذ السبت الماضي على مواقع حزب العمال في المدينة وإرسال تعزيزات عسكرية للحدود والحديث عن قرب ظهور تشكيل من 5 آلاف مسلّح مع تحركات تشير إلى هجوم برّي، وكلّ هذه إشارات تدلّ على تصاعد غير مسبوق لغضب الأتراك تجاه الأمريكيين.
لا يخفي «حزب العمال» أبداً خططه لتشكيل دولة «اتحادية» كردية داخل سوريا (مع إمكان توسّعها إلى مناطق نفوذه في العراق وتركيا)، والواضح أن هذا يجد دعماً أمريكياً متزايداً لأن الحزب كان مطواعاً في تنفيذ الأهداف العسكرية والسياسية الأمريكية في سوريا والعراق، ولكونه (على عكس التجربة الأمريكية مع الفصائل العسكرية السورية المعارضة) معصوما عن الهوى «الإسلامي» الذي «يزعج» الإدارات الأمنية والسياسية الأمريكية، وعلى عكس تلك الفصائل، كان قادراً على التنسيق مع النظام السوري و»توحيد القوى» معه ضد «الإسلاميين» بكافة أشكالهم حين يحتاج الأمر.
يمكن ربط النقلة الأمريكية الحالية بتجربة واشنطن التاريخية الطويلة مع الأكراد، لكن إذا وضعنا في حسباننا تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عن استفتاء الاستقلال الأخير في كردستان العراق يمكننا اعتبار ما يحصل في سوريا حاليّاً تطوّرا غير مسبوق.
سحب التجربة الكردية العراقية على تركيا يكشف بدوره تغيّرات مهمة في الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، ففي حين تدافع واشنطن عن وحدة الدولة العراقية وترفع بطاقة حمراء لاستفتاء استقلال الأكراد هناك، فإنها، في المقابل تحوّل حزب العمال الكردستاني إلى جيش وتحدد له حدود دولة في سوريا (مع قابلية للتمدد)، وهو ينتج بالضرورة أشباح المشابهة بين حال عراق صدام تسعينيات القرن الماضي وتركيا إردوغان الحالية.
يمكننا اعتبار تفكك سوريا وتمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» من العراق إليها مدخلاً للحالة الراهنة، ولكنّ هذا التفكك وصعود «الجهادية» المتطرفة ما كانا ليحصلا لولا الاجتياح الأمريكي الشهير للعراق، وتجاهل أمريكا للوحشيّة الرهيبة التي قوبلت بها الثورة السلمية في سوريا، وبالتالي فإن كل ما جرى يحمل بصمات أمريكا ويجعلها مسؤولة كبرى عما حصل.
ولكن ماذا لو أن كل ما حصل هو نفسه «الاستراتيجية الأمريكية»؟
وماذا لو أن استهداف تركيا كان ضمن هذه الاستراتيجية وليس نتيجة فرعيّة لتفكك سوريا وصعود «الجهادية» المتطرفة؟
القدس العربي