رغم أن أغلب التحليلات والتقارير التي تتناول انتخابات الرئاسة المصرية المرتقبة تعدها صورية معلومة النتائج، فإن ترشح رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق ثم تراجعه وترشح الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق، أثارت تساؤلا عن إمكان وجود مرشحين أقوياء للرئاسة غير محسوبين على النظام القائم.
وبينما تراجع شفيق عن ترشحه بعد تسليمه من طرف الإمارات لمصر، جاء إصرار إعلان عنان بشكل رسمي ترشحه لانتخابات الرئاسة، ليعزز التساؤل حول قدرته على تجاوز أي عقبات تمنع استمراره.
الإعلام المحلي بشقيه الخاص والحكومي لا يُخفي دعمه الكامل لاستمرار الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في منصب الرئاسة، لذا جاء تعاطيه مع من أعلنوا عزمهم الترشح للانتخابات سواء من اعتبر منافسا قويا كعنان وشفيق، أو غيرهم، مبني في أغلبه على التجاهل وعدم المتابعة المقصودة.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن النظام القائم حريص على عدم مشاركة أي شخصية ذات ثقل في الرئاسيات، ومن ثَم فتكرار ما تم مع شفيق وارد مع غيره، كما لم يستبعد آخرون حدوثه بالفعل مع شخصيات كانت لديها النية الترشح وتم إجهاض محاولاتها قبل إعلان ذلك.
ورغم قيام عنان بالإعلان الرسمي عن ترشحه مساء الجمعة، وذلك بعد ساعتين فقط من إعلان السيسي عن ترشحه والذي حظي بتغطية إعلامية مكثفة من قبل الإعلام المحلي، فإن وكالة الأنباء المصرية وأغلب الصحف الرسمية لم تُشر إلى هذا الإعلان، كما أفادت مصادر بأن قنوات مصرية رفضت إذاعة بيان ترشح عنان.
إثناء أو إلغاء
هذا الأمر دفع أستاذ القانون الدولي والسفير السابق عبد الله الأشعل إلى أن يتوقع قيام السلطات بالضغط على عنان لإثنائه عن الاستمرار في الترشح، مشيرا إلى أنه في حال نجاحه في تجاوز تلك الضغوط واستيفاء مستلزمات الترشح، فإن الماكينة الإعلامية المؤيدة للسيسي ستبدأ في تشويهه وقصفه إعلاميا.
وذهب الأشعل في حديثه للجزيرة نت إلى أبعد من ذلك بأن توقع أن يقوم نظام السيسي في حال تأكد وجود منافسين أقوياء بأي أمر يبرر له إلغاء إجراء الانتخابات في موعدها بتأجيلها أو تحويلها إلى استفتاء على استمرار السيسي في منصب الرئاسة فترة جديدة لسنتين أو أكثر.
ومع اعتقاده بأن الانتخابات المقبلة هي أشبه بـ”المسرحية” التي سيكون موقع الشعب منها موقع المتفرج، فإن رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير يرى أن عنان لو تسنى له الاستمرار في المنافسة سيكون مرشحا قويا لاحتمال دعمه من قبل أجنحة بالنظام، وخوف السيسي من أن تتم عمليات تزوير لصالحه.
ورأى في حديثه للجزيرة نت أن صراع أجنحة السلطة الذي يزداد وضوحا مؤخرا يشي بعدم وجود سيطرة كاملة للسيسي على قواعد اللعبة، وهو ما يدفعه لعدم السماح بوجود مرشح قوي قد يحصل على دعم في الانتخابات المقبلة، لافتا إلى أن الإعلام هو أداته لذلك خاصة بعد سيطرة المخابرات الحربية عليه.
نافعة نفى وجود إعلام مهني في مصر (الجزيرة)
لا إعلام
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة، فيرى أنه لا يمكن النظر إلى المنتج الصادر عن وسائل إعلام محلية باعتباره إعلاما مهنيا يوفر معلومة جديدة وصحيحة”، وإنما في ظل سيطرة أجهزة الدولة عليها فهي عبارة عن نافذة لإيصال رسائل النظام وتوجيهاته، مضيفا “في حقيقة الأمر لا إعلام في مصر”.
ومن ثم، فإن التناول الإعلامي للانتخابات المقبلة والمرشحين المنافسين خاصة عنان، دفع نافعة في حديثه للجزيرة نت إلى توقع تكرار ما حدث لشفيق مع عنان ولو في مرحلة متأخرة، مشيرا إلى أنه في حال عدم نجاحهم في عرقلته سيتم استهدافه بطرق مختلفة في مقدمتها الاستهداف الإعلامي.
لكنه يرى كذلك أن النظام في حاجة إلى مرشحين كومبارس سيعمل إلى إظهارهم بوسائل الإعلام المختلفة بشرط ألا يكونوا أقوياء ولا يشكلوا خطورة لكي يرسموا ديكور العملية الانتخابية المطلوبة، وحتى تظهر المرحلة وكأن هناك انتخابات حقيقةي وليست استفتاء على شخص، حسب تعبيره.
بدروه، يرى ممدوح الولي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق نقيب الصحفيين الأسبق أن الإعلام المحلي بات مسيطرا عليه بشكل أعمق مما كان عليه في أي مرحلة سابقة بعد شراء أجهزة سيادية بالدولة لأغلب القنوات الفضائية، لافتا إلى إغلاق كافة مساحات النقد للسلطة التي كانت متاحة ولو بشكل ضعيف.
ومع اتفاقه بأن النظام سيعمل على منع وجود مرشح قوي في ظل تدني شعبيته، حسب رأيه، فإنه ربما يتعرض لضغوط دولية مبنية على مواقف غربية من السيسي غير معلنة، بعد توسع تعاونه مع روسيا وكوريا الشمالية، تضطره للسماح باستمرار منافسين أقوياء، مشيرا إلى أن الإعلام سيتيح فقط مساحة للمرشحين “الكومبارس”.
المصدر : الجزيرة