لا يتوقع المراقبون في الولايات المتحدة حدوث اختراق نوعي أثناء الجولة التي يقوم بها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في بعض دول منطقة الشرق الأوسط. ويرى هؤلاء أن بنس يحاول من خلال زيارته لمصر والأردن وإسرائيل إعادة تطبيع موقف واشنطن بصفتها مازالت الوسيط الأول والأخير في مسائل الشرق الأوسط عامة، وذلك المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي خاصة.
وتكشف مصادر مقربة من البيت الأبيض أن نقاشا دار في أروقة الرئاسة الأميركية حول المقاربة الجديدة التي يجب على الإدارة الأميركية اعتمادها لامتصاص حالة الغضب التي رانت العالم العربي على المستويين الرسمي والشعبي، جراء قرار الرئيس دونالد ترامب في 6 ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إليها.
وتقول المصادر إن بنس سيحاول الدفع بعروض جديدة قد تأخذ طابعا اقتصاديا في محاولة لتسويق ما أطلق عليه “صفقة القرن”، كما سيسعى من خلال هذه الجولة إلى إشاعة أجواء واعدة بشأن تسوية المسألة الفلسطينية وفق معادلة أن تقديم ترامب لورقة القدس لإسرائيل هدفه ممارسة واشنطن ضغوطا حقيقية على إسرائيل لاحقا لانتزاع تنازلات نوعية تلاقي المقترحات الأميركية لولوج الصفقة العتيدة.
ونشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية موضوعا لأوليفر هولمز مراسلها في القدس تناول زيارة بنس لمنطقة الشرق الأوسط.وتعتبر الصحيفة أن هذه الزيارة ليست بالطبع الزيارة المنتظرة للأراضي المقدسة التي يتوقعها بنس في خياله، وهذا ببساطة لأن بنس المسيحي الأنغليكاني ليس محل ترحيب في مهد المسيح بعدما دمر الرئيس دونالد ترامب كل فرصه في زيارة الضفة الغربية بسبب انقلابه على عقود من السياسات الأميركية المتواصلة بإعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وزارة الخارجية الأميركية تخطط لتحصين المبادرة الأميركية في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إطار أكبر يشمل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
وساطة بنس
وينقل عن مصادر قريبة من وزارة الخارجية الأميركية أن الوزارة لا تعوّل كثيرا على جولة بنس في الشرق الأوسط، وهي ترصد بشكل دقيق عدم استعداد المنطقة لتقبل خطة أميركية تستند على الأمر الواقع الذي فرضه ترامب بشأن القدس.
وتلفت المصادر إلى أن الوزارة التي لم تكن مشجعة لقرار ترامب تراقب مزاج المنطقة المتوتر حيال مسألة القدس، والذي استدعى موقفا عربيا موحدا في اجتماع لوزراء الخارجية العرب في 10 من ديسمبر الماضي وتنسيقا مستمرا من قبل اللجنة المنبثقة لمتابعة هذا الملف والتي اجتمعت في 6 يناير الجاري في عمان مع البحث الدائم في إمكانية عقد قمة عربية حول هذه المسألة.
وتقول هذه المصادر إن واشنطن فوجئت بحجم الإجماع الدولي، سواء داخل مجلس الأمن أو داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد الولايات المتحدة بشأن قرار القدس، وأنه بات صعبا على بنس وترامب تسويق “صفقة” على خلفية العزلة التي فرضها العالم على الولايات المتحدة رفضا لقرار القدس.
وأضافت المصادر أن وزارة الخارجية الأميركية كما بقية المؤسسات الدفاعية والأمنية تخطط لتحصين المبادرة الأميركية في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إطار أكبر يشمل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن ما أعلنه الوزير ريكس تيلرسون في 17 يناير حول سياسة واشنطن في سوريا إضافة إلى الموقف الأميركي في مواجهة إيران، قد يشكل أرضية حوار وتفاهم مع دول المنطقة وقد يحسّن شروط نجاح الأفكار الأميركية التي يحملها بنس في جولته. وتلمح المصادر إلى أن شخص بنس نفسه ليس المناسب للكلام عن وساطة أميركية.
ويقول أوليفر هولمز في الأوبزرفور في هذا الصدد إن بنس كان يساند ترامب في قراراته المثيرة للجدل، وكان يقف إلى جانبه عندما أعلن قرار القدس، كما أنه وجه اللوم للرئيس السابق باراك أوباما عام 2010 لعدم مساندة إسرائيل، إضافة إلى أنه شارك في حملة دعم وحشد للأصوات في الكونغرس قبل سنوات لتقليص المعونة الأميركية للفلسطينيين.
الردود العربية
تؤكد مراجع دبلوماسية عربية أن الموقف الفلسطيني هو أساسي في بناء أي موقف عربي إزاء “صفقة القرن”، وأن ما صدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي كرره أمام اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير في 14 يناير في رام الله كما أمام مؤتمر الأزهر حول القدس في 17 يناير في القاهرة، يمثل عماد الموقف العربي الرافض للانتقال إلى تسوية شاملة على أساس اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ولفتت هذه المراجع إلى أن موقف الأردن المفترض أنه حليف تقليدي للولايات المتحدة يمثل حالة رفض لما يعتبر تجاوزا لدور الأردن في الوصاية على الأماكن المقدسة، ويعبر عن قلق من تداعيات “صفقة القرن” المجهولة على مستقبل المملكة، خصوصا وأن ما تسرّب من مضامين للخطة الأميركية يتجاهل رأي الأردن ومصالحه. وتسعى إسرائيل إلى إعطاء إشارات إيجابية مرحبة ببنس وبالصفقة التي يتأبطها. وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مُتحمس للخطة الأميركية المرتقبة للسلام في المنطقة، و”التي لا تشمل العودة لحدود الرابع من يونيو 1967”.
وأفادت القناة الثانية العبرية أن نتنياهو يرى أنه “لا حاجة للتجمعات الفلسطينية الكبيرة”، حيث تضم المناطق الفلسطينية خارج جدار القدس أكثر من 150 ألف فلسطيني، وكانت سعت بلدية الاحتلال بالقدس مؤخرا لفصلها عن مدينة القدس.
وتؤكد مصادر مصرية مطلعة أن القاهرة لن تستطيع دعم أي أفكار أميركية لا تأخذ بعين الاعتبار الهواجس الفلسطينية العربية ولا تراعي المبادرة العربية الرسمية المستندة على فكرة الأرض مقابل السلام.
وعلى الرغم من أن الموقف الفلسطيني بات يعتبر أن واشنطن فقدت دورها كوسيط وحيد في مسألة الصراع مع إسرائيل، إلا أن القاهرة تستمع للجانب الأميركي من موقع الموقف العربي الرسمي المعلن الرافض لقرار واشنطن بشأن القدس.
وكشفت القناة العاشرة الإسرائيلية البنود العشرة لمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي وردت، حسب القناة، في تقرير قدمه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات لرئيس السلطة محمود عباس، غير أن عريقات قال إن الفلسطينيين لم يتسلموا أي أفكار رسمية. ويتضح من التقرير أن الفلسطينيين مطالبون بشكل صريح بالتفريط في القدس والتنازل عن حق العودة للاجئين، وقبول دولة بلا سيادة، ناهيك عن أن المبادرة تمنح الكيان الإسرائيلي تحديد الظروف التي تسمح بانسحابه من الضفة الغربية.
وينص على منح الفلسطينيين عاصمة في “ضواحي” القدس، والتي يقصد بها البلدات التي تقع في محيط المدينة على أن تضمن إسرائيل حرية انتقال الفلسطينيين إلى الأماكن المقدسة.
وترى مصادر دبلوماسية أوروبية أن ترامب تعامل مع مسألة القدس بخفة رفض انتهاجها رؤساء أميركيون سابقون وأن المنطقة المشتعلة منذ اندلاع “الربيع العربي” والحرب ضد تنظيم داعش التي تعيش مخاضا دراماتيكيا عسيرا في دول كاليمن وليبيا وسوريا والعراق، غير جاهزة لخوض مغامرة التسوية الكبرى وفق توقيت الرئيس الأميركي.
ما أعلنه الوزير ريكس تيلرسون في 17 يناير حول سياسة واشنطن في سوريا إضافة إلى الموقف الأميركي في مواجهة إيران، قد يشكل أرضية حوار وتفاهم مع دول المنطقة
وتضيف المصادر أن واشنطن لا يمكنها فرض رؤى على الجانب العربي في الوقت الذي ينتظر فيه العالم العربي منها ومن الغرب فرض ضغوط حقيقية على الجانب الإسرائيلي.
وتخلص المصادر إلى أن العرب منذ المبادرة العربية باتوا أقرب لحل سلمي مع إسرائيل وأن أعراض التواصل بين العرب وإسرائيل ظهرت بشكل عشوائي خجول في السنوات الأخيرة، لأن العرب لا يستطيعون فتح أبواب التطبيع مع حكومة إسرائيلية متطرفة تفاقم من المشكلة عبر سياسة الإسمنت التي يمثلها الزحف الاستيطاني داخل الأراضي الفلسطينية،
وأن على واشنطن التدخل لردع حليفتها المدللة لا مكافأتها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويقول مصدر دبلوماسي فرنسي في باريس إن إدارة ترامب انسحبت من منظمة اليونسكو في 12 أكتوبر الماضي نصرة لإسرائيل، فيما اتهمت سفيرة الولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة نيكي هايلي منظمة الأمم المتحدة نفسها بالعداء للدولة العبرية، وذهبت واشنطن قبل أيام إلى تجميد 65 مليون دولار تمثل قسما من تمويلها إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينين (الأنروا).
وأضاف المصدر أن هذه المواقف لا تسمح لواشنطن بالاحتفاظ بمصداقية وحياد نسبي يخولها التقدم بصفقة العصر، كما أن النظام العربي لا يمكنه ابتلاع سلوك الابتزاز الذي يمارس لناحية إمكانية عودة واشنطن عن قراراتها العقابية ضد الفلسطينيين مقابل تمرير أفكار الإدارة الأميركية.
وختم المصدر أن ترامب يتعامل مع “صفقة القرن” بصفتها عملية “بزنس” يجوز داخلها استخدام أساليب الترغيب والترهيب والخديعة المستخدمة في إبرام الصفقات داخل عالم المال والأعمال، بيد أن المراقبين يعتبرون أن جولة بنس ستكون محطة أخرى في تأكيد خرافة صفقة القرن وركاكتها، ما سيفرض على الإدارة الأميركية ورشة أخرى من التصويب والتعديل، وربما نقل الملف برمته من يد مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات، ونقله إلى سلة تجتمع داخلها وزارات الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) ومستشارية الأمن القومي القادرة مجتمعة على تقييم رصين لحقيقة المأزق الذي يمر به هذا الملف الملتهب.