في تقرير أعدته آن برنارد وبن هبارد لصحيفة «نيويورك تايمز» حول الشكوك التركية العميفة تجاه الأكراد السوريين حلفاء الولايات المتحدة أكد الكاتبان في البداية على النظرة التركية للمقاتلين الأكراد في سوريا وأنهم إرهابيون.
ومع ان الآيديولوجية اليسارية التي يؤمنون بها جذبت إليهم متطوعين من الولايات المتحدة وأوروبا فهم يريدون إلغاء الحدود وإقامة مجتمعات شعبية وتقاتل نساؤهم وتموت إلى جانب رجالهم. وترى فيهم الولايات المتحدة حليفاً مهماً بعد الدور الذي لعبوه لقتال تنظيم الدولة. لكن هذا لا يغير موقف تركيا. ويواجهون معركة تركية متصاعدة في شمالي سوريا بشكل عقد من السياسة الأمريكية. ويشير الكاتبان للعلاقة القوية بين قوات حماية الشعب مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، منظمة العنف الإنفصالية داخل تركيا والتي تصنفها تركيا والولايات المتحدة كجماعة إرهابية.
وفي الوقت الذي يقلل فيه قادة قوات حماية الشعب من أهمية العلاقة مع بي كا كا إلا أن صور قائدهم عبدالله أوجلان تزين المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا. وتنظر إليه تركيا بالطريقة نفسها التي نظرت فيها الولايات المتحدة لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة. ويعتقد الكاتبان أن ما هو واضح في السياسة الأمريكية التي اعتمدت على الأكراد لقتال تنظيم الدولة قللت التعقيدات الناجمة عن تحالفها معهم فيما يعتبره المحللون «جهلًا متعمدًا».
ضرورة ملحة
ويعلق نوح بونسي، محلل شؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية: «من الواضح أن الولايات المتحدة قررت تجاهل الوضع بطريقة مقصودة خاصة أنها كانت ترى في التحالف معهم ضرورة ملحة للسيطرة على المناطق من داعش». ويمضي قائلاً إن الولايات المتحدة لديها مبررات منطقية لاستمرار دعم الأكراد السوريين «لكن عمل هذا في الوقت الذي يواجه فيه حليف في الناتو تمرداً مستمراً من بي كي كي يخلق وضعاً غير مستدام» إلا أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين في سوريا والذي يتعاونون مع «قوات سوريا الديمقراطية» التي تتسيدها الحماية الشعبية الكردية لم يهتموا بهذه التفاصيل، رغم ما يحمله تدريبهم للأكراد وتسليحهم وتقديم الغطاء الجوي من مخاطر تصادم مع الحليف التركي.
وفي محاولة من الولايات المتحدة لتجاوز الخلافات أكدت على الفرق بين الأكراد في مدينة عفرين الذين شنت عليهم تركيا الأسبوع الماضي عملية «غصن الزيتون»وبين الأكراد خارجها، مع أن الأكراد أنفسهم لا يعترفون بوجود هذا الفرق.
ونقلت الصحيفة عن نواف خليل المحلل السياسي الكردي في ألمانيا والمتحدث السابق لحزب الإتحاد الديمقراطي الذي تتبع إليه قوات حماية الشعب «لا يوجد هناك فرق على الإطلاق ولا يمكن تقسيمهم سياسياً، إقتصادياً ولا عسكرياً» و «بالنسبة لنا فكلها كردستان ونحن ندافع عن عفرين بكل ما لدينا من قوة». وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تحادث هاتفياً مع الرئيس التركي طيب رجب إردوغان.
وحسب البيان الصادر عن البيت الأبيض فقد دعا ترامب نظيره التركي لضبط النفس والابتعاد عن التصعيد الذي قد يقود لمواجهة عسكرية بين البلدين.
غضب تركي
إلا أن البيان التركي عن المكالمة ناقض ما ورد في البيان الأمريكي خاصة طلب ضبط النفس والأعمال التدميرية ضد المدنيين. ويقول قادة حماية الشعب إن قوتهم شكلت للدفاع عن المدنيين في الأيام الأولى للحرب الأهلية ولمواجهة تنظيم الدولة. وحولها الدعم الأمريكي إلى أكبر فصيل عسكري وسياسي في شمال شرقي سوريا.
ويسيطر الأكراد على مناطق واسعة يديرونها ويعلمون الكردية في المدارس فيما يتهمهم النقاد بتهجير العرب. وحاول المسؤولون الأمريكيون تقليل علاقة الحماية الشعبية بحزب العمال الكردستاني إلا أن تركيا عبرت عن غضبها من دعم واشنطن لجماعة تعبد عبدالله أوجلان السجين الوحيد في جزيرة ببحر مرمرة.
ويتحدث قادة الحماية بشكل مفتوح عن علاقتهم ببي كا كا وأن أكرادا من العراق وتركيا وإيران قد انضموا للحركة في سوريا. وعلق بونسي أن الأمريكيين كانوا يأملون بإبعاد الحماية الشعبية عن حزب العمال. ويظل هذا منظورًا بعيدًا بعد الرسائل المتناقضة التي أرسلتها الإدارة الأمريكية بشأن دعمها للأكراد في وجه الهجوم التركي.
وبدا التردد الأمريكي واضحاً من تعليقات وزير الأمن الوطني توماس بي بوسيرت في منتدى دافوس العالمي: «لست ناقداً للقرار التركي ولكنني أعول على صبرهم الإستراتيجي طول الأمد».
ضوء أخضر
ومن الناحية الفعلية فقد منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للعملية التركية الحالية ضد عفرين وطالبت بضبط النفس وأكدت على أنها لا تعمل مع قوات حماية الشعب في المدينة. فهذا الجيب الكردي ليس مرتبطاً بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد التي تنتشر فيها القواعد العسكرية وآلاف الجنود الأمريكيين. ولكن الرئيس إردوغان هدد بتوسيع العملية إلى منبج التي لا تزال تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية رغم وعد الأمريكيين بانسحابهم من هذه المدينة العربية. وتعود جذور الأزمة الحالية إلى انتفاضة الشعب السوري عام 2011 ضد الديكتاتور بشار الأسد، فبعد سنوات أصبحت مناطق مثل الحسكة التي يعيش فيها أكراد وعرب وأشوريون تحت إدارة ذاتية.
وبعد سيطرة قوات حماية الشعب على المنطقة أخذت تطبق آيديولوجية اوجلان المثالية المتأثرة بأفكار المفكر اليساري الأمريكي موراي بوكتشين الداعية لبناء المجتمع الديمقراطي الحر. ويقول المدافعون عن هذه الآيديولوجية إنهم لا يريدون تقسيم سوريا بقدر ما يعملون على إحداث ثورة اجتماعية. وعندما اجتاح تنظيم الدولة مناطق كردية وهزم بدعم من الطيران الأمريكي في مدينة كوباني بدأت واشنطن بتشكيل قوة أسمتها «قوات سوريا الديمقراطية» لجذب العرب إليها رغم النقد التركي. ولا تزال قوات حماية الشعب القوة الرئيسية في قوات سوريا الديمقراطية واستطاعوا جذب حلفاء لهم خاصة في المناطق العربية. ويقول المحلل السوري حسن حسن ومؤلف كتاب عن تنظيم الدولة إن الأمريكيين حنثوا مراراً بوعودهم للأتراك.
فقد قالوا إن قوات سوريا الديمقراطية لن تعبر إلى غربي الفرات وفعلوا وقالوا إنها ستنسحب ولم تفعل. وقال الأمريكيون ان قوات حماية الشعب ستتجنب نشر آيديولوجية أوجلان إلا أن مقاتليها رفعوا صورة كبيرة له في وسط مدينة الرقة العربية، وكانت إحراجاً كبيراً لواشنطن.
وقال حسن إن المجالس المحلية التي تدار في مناطق الأكراد تشكل بموافقة من قوات الحماية ولا يمكن والحالة هذه اعتبارها ديمقراطية. وقال المسؤولون الأمريكيون للأكراد انهم لن يقاتلوا الأكراد نيابة عنهم. ومع تراجع أهمية تنظيم الدولة فالدعم الأمريكي قد يخف لهم حسب حسن. إلا أن خليل يقول إن الأمريكيين بحاجة للأكراد لمواجهة إيران في سوريا.
«إيكونومست»: هل يدعم النظام السوري قادة الأكراد لحماية منطقة حكم ذاتي باسم «روجافا»؟
تقول مجلة «إيكونومست» إن الأكراد السوريين الذين رفرف علمهم على ربع الأراضي السورية كانوا يعدون العدة مع حلفائهم من القبائل العربية للانتصار على تنظيم الدولة حينما توغلت الدبابات التركية باتجاه عفرين وعندها وجدوا أنفسهم يقاتلون على جبهتين.
وتشير المجلة إلى أبي جابر الذي انتظر ثلاثة أعوام كي ينتقم من مقاتلي تنظيم الدولة الذين أعدموا العشرات من أبناء قبيلته في منطقة دير الزور. وفي كانون الأول (ديسمبر) رجع أبو جابر لقريته وهو يقود مجموعة من المقاتلين الذين دعمهم الطيران الأمريكي ونجحوا في طرد التنظيم إلى الصحراء. ورغم عودة الجهاديين بين الفينة والأخرى إلا أن هزيمتهم قريبة.
وينضوي أبو جابر ومقاتلوه تحت قوات سوريا الديمقراطية والتي يقودها الأكراد أو ما يطلق عليها قوات حماية الشعب. وتتحدث المجلة عن الغضب التركي المتزايد بتزايد المناطق التي سيطر عليها الأكراد خلال الحرب بما فيها مناطق عربية وتركمانية. وفي عام 2016 أعلن حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يسيطرعلى المناطق الكردية المحاذية لتركيا منطقة حكم ذاتي مستقلة باسم «روجافا».
قال حزب الإتحاد إن الخطوة لم تكن إنفصالية بل تقديم نموذج لكل سوريا، ورفض نظام بشار الأسد الخطوة فيما زاد سخط الأتراك، إلا أن الأكراد الذين يشكلون نسبة 10% من سكان سوريا عززوا من سيطرتهم على مناطق الشمال. ويصف شهوز حسن، المسؤول البارز في حزب الإتحاد الديمقراطي روجافا بـ «التجربة الديمقراطية»، فقد قام الحزب بتقوية المرأة وإنشاء لجان قروية متأثرة بأفكارالمفكر الأمريكي اليساري موراي بوكتشين الذي تأثرت به الحركتان الكردية التركية والسورية. ولكن تجربة «روجافا» ليست متعددة لأن الحزب الحاكم فيها يقمع الرأي والمعارضة الحزبية الأخرى. ويقول قادة الحزب إنهم لن يسمحوا بعودة شمال سوريا لحكم نظام الأسد.
وتشير المجلة لوضع الأكراد في ظل بشار الأسد ووالده حافظ حيث حرموا من الجنسية والتعليم والنشر بلغتهم وتمت مصادرة أراضيهم فيما استغل النظام البترول في مناطقهم بدون استثمارات لها معنى في مناطقهم. ويحيط الأعداء بمنطقة الأكراد ومن كل مكان، ولهذا غازلوا كل القوى المعارضة والموالية للنظام قبل أن يصبح الأمريكيون أقوى الداعمين لهم. واعتمد الأمريكيون على قوات حماية الشعب في المعارك ضد تنظيم الدولة. وقدمت الولايات المتحدة لهذه الميليشيا السلاح والتدريب ونشرت أكثر من ألفي جندي وأقامت عدداً من القواعد العسكرية في مناطقهم. ووعدت بالحفاظ عل قواتها خشية عودة المقاتلين الجهاديين والهيمنة الإيرانية. ولا يعتقد الأكراد بأن تسمح للقوات التركية المضي أبعد من عفرين.
ودعمت روسيا العملية التركية لإغضاب الولايات المتحدة رغم الدعم الذي قدمته لقوات حماية الشعب، وردت هذه برفض المشاركة في مؤتمر سوتشي هذا الشهر، إلا أن الروس والنظام السوري قد يجدان حلفاء في هذه القوات، خاصة أنها قبلت الدعم العسكري الروسي وحافظت على علاقات مع النظام. وتتميز الجماعة بالبراغماتية مقارنة مع الجماعات السورية المسلحة الأخرى. فعندما انسحبت القوات السورية من مناطق شمال شرقي سوريا سلمتها لحزب الإتحاد الديمقراطي. وقد يشك الواحد بأن الطرفين اتفقا على صفقة يظل فيها الأسد في السلطة مقابل منح حكم ذاتي لمنطقة «روجافا».
وحتى يتحقق هذا فعلى الأكراد التخلي عن بعض المكتسبات كي تحافظ على مناطقها. وأي صفقة تعني دمج القوات الكردية في الجيش الوطني وإعادة آبار النفط إلى الحكومة ورد الأراضي التي صودرت من العرب. وقال حسن «نحن مستعدون للحوار» ولكن علينا أولاً مواجهة الأكراد.
لندن – «القدس العربي»