ما يسمى «مؤتمر الحوار الوطني السوري»، الذي انعقد بالأمس في منتجع سوتشي الروسي، بدأ من عيب تكويني فادح: أن روسيا، الدولة التي دعت إليه واحتضنته، هي ذاتها التي تدخلت عسكرياً قبل سنتين لإنقاذ النظام السوري من السقوط، وهي التي ارتكبت جرائم حرب ضد سكان عشرات القرى والبلدات والمدن السورية. روسيا إذن هي الخصم الفعلي للطرف الثاني الافتراضي في المؤتمر، أي قوى الشعب السوري المتضررة سواء حضرت أم غابت، وبالتالي لا يمكن لخصم أن يكون حكماً أيضاً لصالح النظام الذي ساندته روسيا منذ سنتين ونيف.
العيب الثاني كان الانطلاق من فرضية تنظيمية يعرف الراعي نفسه أنها كاذبة وباطلة، أي الزعم بأن الوفود إلى المؤتمر تمثل فعلاً «كافة مكونات المجتمع السوري، وقواه السياسية والمدنية، والعرقية والمذهبية والفئات الاجتماعية»، كما جاء في نصّ البيان الختامي. فبمعزل عن مقاطعة المؤتمر من جانب قوى المعارضة في الداخل، من أحزاب سياسية وهيئات مجتمع مدني وحكم محلي، اتخذت الموقف ذاته غالبية أطراف المعارضة الخارجية التي سبق للمجتمع الدولي وللدولة الراعية ذاتها أن تعاملت معها رسمياً. هذا بغض النظر عن لوائح الـ»فيتو» التي وضعتها هذه الدولة الراعية أو تلك، على مشاركة بعض القوى أو الأفراد.
العيب الثالث كان إغماض موسكو العين عن حقيقة أن القادمين من سوريا للمشاركة في المؤتمر يصعب أن يمثلوا طرفاً مناهضاً للنظام، وحاملا لمطالب إصلاح جذرية تخدم الأهداف التي من أجلها ثار الشعب السوري ودفع الأثمان الباهظة من دماء شهدائه وعذابات نازحيه ومهجريه ومعتقليه ومفقوديه، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي أصاب العمران والزرع والضرع نتيجة تعنت النظام ولجوئه إلى الخيارات العنفية المفتوحة. هؤلاء أنصار النظام أو تفريخ أجهزته المختلفة، وهيهات أن ينخرطوا في مشروع وطني ديمقراطي يقوم على أنقاض نظام بات خارج التاريخ ونقيض قيم الإنسانية المعاصرة.
العيب الرابع هو افتراض موسكو أن مجرد استقطاب إيران وتركيا إلى مشروع هذا المؤتمر يكفي لترويض الفئات الموالية لهذين البلدين، سواء قاتلت ضد النظام أم إلى جانبه. ولم يكن انقلاب المؤتمر إلى مسرحية فاشلة، عمادها الازدحام الفوضوي والضجيج الأجوف والمقاطعات المتعاقبة، إلا الدليل على أن أنقرة واصلت اقتفاء مصالحها في بطاح عفرين وليس على شواطئ سوتشي، وكذلك فعلت طهران المنشغلة بشارعها الشعبي المشتعل.
وأما العيب الأخير فهو اعتماد لغة خشبية في صياغة البيان الختامي، تصف سوريا المستقبلية لا صلة البتة تجمعها بسوريا الراهنة، خاصة من حيث التعامي عن مسؤولية نظام استبدادي وراثي حكم البلد طيلة 48 سنة ولا يمكن لرأسه، أو لجيشه الفئوي أو لأجهزته الفاشية، أن تكون شريكة في إقامة «دولة ديمقراطية وغير طائفية مؤسسة على قاعدة التعددية السياسية والمساواة بين المواطنين»، كما يقول البيان الختامي.
بهذا فإن فشل سوتشي يسجل أولى انتكاسات الحملة الانتخابية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تفاخر بأنه «أنجز المهمة» العسكرية في سوريا، وخال أن إنجاز المهمة السياسية مجرد تحصيل حاصل. لكن الطائرات الحربية الروسية التي قصفت سراقب عشية المؤتمر بعثت رسالة مختلفة، هي الوحيدة الصادقة التي استلمها المواطن السوري.
صحيفة القدس العربي