انتظر أبو جبر أكثر من ثلاثة أعوام للأخذ بثأره. ففي العام 2014، قتل جهاديو “داعش” المئات من بني جلدته في محافظة دير الزور. وعاد السيد جبر إلى قريته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي على رأس مجموعة من المقاتلين القبليين. وبدعم من سلاح الجو الأميركي، تمكن هو ورجاله من طرد مقاتلي “داعش” إلى الصحراء على طول الحدود العراقية. وما يزال الجهاديون يرسلون سيارات ملغومة إلى داخل خطوطه، لكنه يقول إنهم سوف يهزمون قريباً. ويقال إن الضربات الجوية بقيادة أميركية أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 150 جهادياً في دير الزور يوم 20 كانون الثاني (يناير).
يتبع رجال جبر قيادة قوات سورية الديمقراطية، التحالف الذي شُكل بقيادة كردية لهزيمة “داعش” في شمال وشرق سورية. وقد أصبحت قوات سورية الديمقراطية التي تلقت التسليح والتدريب من القوات الأميركية قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر على “داعش”. وترفرف أعلامها فوق أكثر من ربع البلد الذي كان الكثير منه ذات مرة خاضعاً لسيطرة الجهاديين. ولكن، عندما هدرت الدبابات التركية داخلة إلى جيب عفرين الذي يقع تحت سيطرة الأكراد يوم 20 كانون الثاني (يناير)، وجد الأكراد أنفسهم فجأة وهم يقاتلون على جبهتين.
تصاعد غضب تركيا بينما تتوسع المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية على مدى مسار الحرب، لتشمل حتى سبع بلدات وقرى عربية وتركمانية تم انتزاعها من “داعش”. وفي العام 2016، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم أن الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، والتي تتاخم الحدود التركية، منطقة فدرالية تدعى “روجافا”. ولم يكن الإعلان خطوة في اتجاه الانفصال، كما يقول حزب الاتحاد الديمقراطي، وإنما لكي يكون نموذجاً لباقي سورية. وقد استخف نظام بشار الأسد بذلك الإعلان بينما استشاط الأتراك غضباً. لكن الأكراد الذين يشكلون نحو 10 في المائة من سكان سورية، أحكموا قبضتهم على الشمال.
يشير شاهوز حسن، المشارك في قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، إلى “روجافا” على أنها “تجربة ديمقراطية”. فقد مكَّن الحزب النساء، وشكل لجاناً قروية متماشية مع تعاليم موراي بوكشين، الفيلسوف الأميركي الذي أثرت كتاباته بشكل كبير في الحركات الكردية في سورية وتركيا. لكن “روجافا” تعد بالكاد تعددية، حيث يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي بقمع المنتقدين والأحزاب الكردية الأخرى.
ومن ناحيتهم، يقول قادة الحزب إنهم سوف لن يسمحوا بأن تُحكم “روجافا” من جانب دمشق مرة أخرى أبداً. وكان الأكراد في سورية قد عانوا من قمع الرئيس بشار الأسد ومن قبله والده. وقد تم تجريد العديد منهم من الجنسية وحرمانهم من حقوق التملك. وتم إخراج آخرين من أراضيهم لإحلال عرب محلهم. كما تم حظر النشرات الكردية ومنعت المدارس الخاصة من تعليم اللغة الكردية. وقد تدفق النزر اليسير وحسب من الاستثمارات إلى داخل المنطقة الغنية بالنفط والغاز. وبدلاً من ذلك، استغل النظام السهول الشمالية الخصبة لتغذية باقي البلد. ونتيجة لذلك، أصبح الأكراد فقراء معدمين.
بينما يحيط به الأعداء المحتملون وتمس حاجته إلى الدعم، غازل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي كل المتحاربين في سورية تقريباً. وتعد أميركا أقوى داعم له وترى في جناحه العسكري، وحدات حماية الشعب، القوة البرية الأكثر قابلية للاعتماد عليها ضد “داعش”. وقد أمدتها أميركا بالتدريب وبالأسلحة ونشرت 2000 من جنودها (الأميركيين) لمساعدتها. وخشية من عودة الجهاديين والهيمنة الإيرانية، وعدت أميركا بالبقاء في شمال شرق سورية حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة. ولا يعتقد حزب الاتحاد الديمقراطي بأنها ستسمح للأكراد بالذهاب إلى أبعد من عفرين.
ربما تكون روسيا، التي تدعم الرئيس الأسد، قد باركت العملية التركية ضد الأكراد -حتى ولو كانت هذه المباركة لغرض إغاظة الولايات المتحدة. وفي الرد على ذلك، قال حزب الاتحاد الديمقراطي إنه ربما لن يحضر مباحثات السلام التي ترعاها روسيا في نهاية كانون الثاني (يناير). ومع ذلك، قد ترى روسيا -ومعها السيد الأسد- شريكاً محتملاً في حزب الاتحاد الديمقراطي الذي قبل الدعم العسكري الروسي وحافظت على روابطه مع النظام. وتعد المجموعة أكثر براغماتية من الحركات الثورية الأخرى. وعندما انسحبت قوات الأسد من مناطق في الشمال، فإنها حرصت على تسليمها لحزب الاتحاد الديمقراطي. ويستطيع المرء تخيل النظام والأكراد وهم يدعمون صفقة تبقي السيد الأسد في السلطة وتمنح “روجافا” حكماً ذاتياً.
لكن الأكراد ربما يترتب عليهم التنازل عن بعض مكاسبهم من أجل الحفاظ على معظم “روجافا”. وربما يتطلب إبرام أي صفقة من القوات الكردية دمجها في الجيش الوطني؛ وإعادة الحقول النفطية التي تم الاستيلاء عليها إلى الحكومة المركزية، والتنازل عن الأراضي العربية المصادرة. ويقول السيد حسنك “إذا جرت مفاوضات حقيقية فسوف نتحدث عن كل هذه الأمور. إننا منفتحون دائماً على المباحثات. ومع ذلك، فإن عليه أن يتعامل أولاً مع الأتراك”.
صحيفة الغد