يواجه تنظيم «الدولة الإسلامية» هزائم ميدانية في العراق وسورية، وقد خسر ما يزيد على 90% من مداخيله التي اكتسبها منذ عام 2015، حسب تقرير جديد للأمم المتحدة. وقد تردى وضع التنظيم إلى حد تبني هجمات إرهابية لا علاقة له بتنفيذها. وتوقف تنظيم «داعش» عن إصدار بعض مجلاته الإلكترونية التي ساهمت بشهرته عالمياً. ولكن على الرغم من هذه النكسات، خلص الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير عن التهديد الذي يشكله «داعش» للسلام والأمن الدوليين، إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» “لا يزال يشكل تهديداً كبيراً ومتنامياً في جميع أنحاء العالم”.
ووفقاً للتقرير، “يتخذ (تنظيم «داعش») حالياً هيئة شبكة عالمية تتسم بتراتبية أفقية وسيطرة عملياتية أقل على الجماعات المرتبطة به”. عملياً يعني هذا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» سيعتمد أكثر على أفراد ومجموعات صغيرة لتنفيذ هجمات، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي، منصات التواصل المشفرة والإنترنت الأسود للتواصل مع أتباعه والجماعات المرتبطة به في المنطقة.
سيصبح “المسافرون المحبطون” ـ أي الأفراد الذين فشلوا في السفر إلى أماكن النزاع، لكنهم ما زالوا متطرفين ـ والمقاتلون الأجانب العائدون إلى بلادهم وأولئك الذين انتقلوا إلى مواقع قتالية جديدة، ذا أهمية كبيرة لـ تنظيم «داعش» كلما تناقص مخزونه من المجندين. في الوقت ذاته، بات أعضاء في تنظيمي «داعش» و «القاعدة» مستعدين لدعم هجمات بعضهم البعض، ما يدل على وجود مستوى من التقارب بين التنظيمين الإرهابيين، قد يتزايد مع الوقت.
لكن إدامة العلاقات مع الجماعات المرتبطة بالتنظيم إقليمياً ودعم الأتباع والمتعاطفين عالمياً، يحتاجان إلى أموال. وعلى الرغم من خسارة مداخيل حقول النفط، يستمر تنظيم «داعش» بإيجاد طرق لتمويل أنشطته الإرهابية.
وتفيد تقارير صادرة عن دول أعضاء في الأمم المتحدة بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» ينقل الأموال في الشرق الأوسط عبر نظام “الحوالة” واستخدام أشخاص لنقل الأموال النقدية، وهو النظام الذي كان معتمداً قبل سقوط “الخلافة”. أما خارج سورية والعراق، في ليبيا مثلاً، يستمر تنظيم «داعش» بجمع الأموال عن طريق الابتزاز ونقاط التفتيش والضرائب التي يفرضها على شبكات التهريب والاتجار بالبشر. ويستفيد التنظيم من أعمال مشروعة يستخدمها كواجهة، وكذلك من أفراد “نظيفين” ظاهراً، قادرين على التعامل عبر النظام المالي الرسمي. ومع بدء جهود إعادة الإعمار في الأراضي المحررة، يخشى المسؤولون أن يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من الاحتيال على جهود إعادة الإعمار والاستثمار في الاقتصاد المحلي، خصوصاً عبر شركات – واجهات تعمل في قطاع البناء وبعض الصناعات الأخرى.
إقرأ للكاتب أيضاً: غلق الباب في وجه تنظيم «داعش»
ولا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يملك إمكانية الحصول على تمويل كاف لدعم عملياته الإرهابية في الشرق الأوسط وخارجه، أبعد من حدود سورية والعراق. ففي اليمن، استغل التنظيم تردي الأوضاع الأمنية لـ”التخطيط والتوجيه والتحريض وتوظيف الموارد وتجنيد الأفراد لشن هجمات ضد دول المنطقة”، حسب الأمم المتحدة. وفي السعودية، أحبطت السلطات في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مؤامرة لتفجير مقر وزارة الدفاع في الرياض.
وفي مصر، واصل المتعاطفون مع تنظيم «داعش» شن هجمات على الأقباط، وقد كان آخرها، تبني المسؤولية عن هجوم خارج كنيسة قبطية في القاهرة في كانون الأول/ديسمبر الماضي؛ وقد أسفر الهجوم عن مقتل 12 شخصاً على الأقل. ويسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى إضفاء حالة من الترابط بين أنشطته الإقليمية. وتلاحظ الأمم المتحدة أن التنظيمات التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في إفريقيا، بما في ذلك جماعة “بوكو حرام”، أرسلت مقاتلين إلى ليبيا، وأصبح قيادي بارز من تنظيم “«داعش» ـ ليبيا”، عضواً في مجلس شورى تنظيم «الدولة الإسلامية في سيناء» المصرية.
وأبعد من ذلك، أفادت تقارير الأمم المتحدة بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» الأم وفر التمويل لفرع التنظيم في الفليبين، خلال حصار مدينة مراوي. ويقول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إن “الجماعات الموجودة جنوب الفليبين تلقت مئات آلاف الدولارات من تنظيم «الدولة الإسلامية» الأم، عبر بلد ثالث، قبل الحصار”.
على الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإن الاستهداف المركّز لأموال تنظيم «داعش»، واستخدام البيانات البيومترية، والتعاون المستمر بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يبشر باستجابة فعالة لمواجهة قدرات التنظيم وتهديداته. وفي حين لا تزال المجموعات المحلية، في أفغانستان على سبيل المثال، تتلقى بعض التمويل من التنظيم ـ الأم، فإن التنظيم يشجع هذه المجموعات المحلية على تمويل أنشطتها ذاتياً، مع أنها ستعاني في سبيل البقاء من دون تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية» ـ الأم. ويعتبر تمويل “تنظيم «الدولة الإسلامية» في اليمن” لزملائه في الصومال “محدوداً ولا يمكن الاعتماد عليه”.
لا يزال تنظيم «داعش» يشكل تهديداً إرهابياً خطيراً، ولكنه يصبح مع الوقت محدود الإمكانية وأقل موثوقية في تقديم الدعم المالي لفروعه ونشطائه. وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن