وبينما تدخلت روسيا بقوتها العسكرية والسياسية الضاربة لضمان ألا يسقط نظام بشار الأسد وألا تخسر هي قواعدها العسكرية الرئيسية في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة اختارت التدخل النوعي بدعمها للمقاتلين الأكراد والسيطرة على مناطق غنية بالنفط ومواقع إستراتيجية تضمن لها كلمة أخيرة في تحديد مستقبل سوريا.
في شرق البلاد تقع محافظة دير الزور، خزان النفط والغاز، التي تشكل 17% من مساحة سوريا وموطن الزراعات الإستراتيجية. وتمثل المحافظة ساحة رئيسية للتنافس الأميركي الروسي غير الخفي، الذي تتوالى فصوله من دون اندلاع مواجهة مباشرة بين القوتين.
أحدث هذه الفصول هو ما وقع ليل الأربعاء في الريف الشرقي لدير الزور بين قريتي خشام والطابية، شرق نهر الفرات، حيث توجد مواقع نفطية مهمة.
ضربات أميركية
أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أنه شن ضربات جوية على قوات موالية للنظام السوري في تلك المنطقة على مسافة نحو ثمانية كيلومترات شرق نهر الفرات، الخط الفاصل لمنع الاشتباك، بعد “هجوم دون مسوغ” على قيادة قوات سوريا الديمقراطية، المكونة أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وصرح مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه بأن ضربات التحالف أدت إلى مقتل أكثر من مئة مقاتل من القوات الموالية للنظام السوري بعدما أحبط التحالف هجوما على مقر قيادة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور.
وقال هذا المسؤول الأميركي في تصريحات نقلتها وكالة رويترز “نشتبه أن قوات موالية للنظام السوري كانت تحاول السيطرة على أراض حررتها قوات سوريا الديمقراطية من تنظيم الدولة الإسلامية في سبتمبر/أيلول 2017”. وأضاف أن تلك القوات “كانت على الأرجح تسعى للسيطرة على حقول نفط في خشام كانت مصدرا مهما للإيرادات لتنظيم الدولة بين 2014 و2017”.
وأوضح المسؤول الأميركي أن هجوم القوات الموالية للنظام السوري كان كبيرا حيث بلغ عدد المشاركين فيه نحو خمسمئة مقاتل مدعومين بالمدفعية والدبابات وقاذفات صواريخ وقذائف الهاون. وأضاف أن التحالف كان على اتصال منتظم مع المسؤولين الروس قبل إحباط ذلك الهجوم بفترة طويلة، وفي أثنائه وبعده.
اتهام روسي
من جانبها، وفي بيان غير معتاد، قالت وزارة الدفاع الروسية إن هذا الحادث يدل على أن “الهدف الحقيقي لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في سوريا ليس مكافحة الإرهاب الدولي وإنما الاستيلاء على الأصول الاقتصادية السورية”.
وذكرت الوزارة أن القوات الموالية للنظام السوري قرب منطقة القصف كانت تنفذ عملية ضد “خلية نائمة” لتنظيم الدولة الإسلامية لحظة القصف، وأن عدم تنسيق تلك القوات الموالية للنظام السوري تحركاتها الاستطلاعية مع روسيا كان سببا في وقوع الحادث، ونفت في الوقت نفسه وجود أي عسكريين روس في تلك المنطقة.
وأضافت وزارة الدفاع الروسية أن القيادة الروسية في قاعدة حميميم الجوية أجرت من خلال القنوات المفتوحة محادثات مع ممثلين عن التحالف بعد تلك الضربات الجوية، وأن الجانب الأميركي أكد أن منشأة تكرير النفط في تلك المنطقة تقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والعسكريين الأميركيين.
من جانب آخر، أوردت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن التحالف الدولي قصف “قوات شعبية” حليفة للقوات الحكومية كانت تقاتل تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات، وأن القصف أدى لسقوط عدد من القتلى.
الوجود الأميركي بالجنوب
ومع هذه التطورات، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الوجود العسكري الأميركي في سوريا يمثل تحديا جديا في طريق التسوية السلمية للأزمة السورية والحفاظ على وحدة البلاد.
وتحدثت زاخاروفا عن ساحة أخرى للتنافس الأميركي الروسي في سوريا حين قالت إن المنطقة الآمنة التي أنشأتها الولايات المتحدة في جنوب سوريا تُستخدم من قبل مسلحي تنظيم الدولة وتساعدهم على الاختباء من قوات النظام السوري وتسمح لهم بإعادة التجمع والتسلح وشن هجمات جديدة في البادية السورية، وفقا للمتحدثة.
وفي ظل تفاهمات هشة تنظم العلاقة بين الأميركيين والروس في سوريا، فإن من الصعب التنبؤ بمآلات التنافس على ورقة النفط والمعابر الحدودية وغيرها في سوريا، لكن موسكو في كل الأحوال لا تبدي ارتياحا للسيطرة الأميركية غير المباشرة على حوالي 80% من احتياطيات النفط السورية وفق بعض التقديرات.