أعلن الجيش المصري، صباح أمس الجمعة، رفع حالة التأهب القصوى «لتنفيذ عملية شاملة على الاتجاهات الاستراتيجية في إطار مهمة القضاء على العناصر الإرهابية»، كما تحدث عن خطة «مجابهة شاملة» للسيطرة على المنافذ الخارجية، وتطهير «المناطق» من البؤر الإرهابية إضافة إلى «تحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب»، مع مواجهة «الجرائم الأخرى».
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد كلّف الجيش والشرطة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإعادة الأمن والاستقرار إلى سيناء خلال 3 أشهر وذلك باستخدام «كل القوة الغاشمة»، وانطلاق هذه العمليّة، يعني في ما يعنيه، أن ذلك التكليف لم ينفّذ وأن الوقت المحدد له (نهاية الشهر الحالي) على وشك النفاد.
تلقّى سكان مصر، وخصوصاً في سيناء (وكذلك سكان دلتا مصر والظهير الصحراوي غرب وادي النيل)، عملية «المجابهة الشاملة» على شكل أسراب من الطائرات العسكرية التي عبرت قناة السويس، وبمشاركة من القوات البحرية، وخمسة وثلاثين ألف جندي وعشرة آلاف شرطي.
ولا ندري إن كانت الطائرات العسكرية المصرية ستتلاقى في سماء سيناء بنظيراتها المقاتلات الإسرائيلية لتلقي عليها التحية، على دورها الذي قامت به في قصف المصريين، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، خلال السنتين الأخيرتين، عبر تنفيذ أكثر من 100 غارة على سيناء.
يكشف بيان الجيش المصري عن ركاكة عجيبة بجمعه بين الأهداف العسكرية الضبابية كـ«تطهير المناطق» (أي مناطق؟)، ومواجهة «الجرائم الأخرى» (أي جرائم أخرى؟)، مع أهداف سياسية لم يستطع النظام السياسي (لأسباب مفهومة وواضحة) الوفاء بها كـ«تحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب».
والحقيقة أن هذا التهافت نابع من فقدان الجيش المصري لبوصلته الوطنية والأخلاقية، منذ استبدل عدوّ مصر الجغرافي والتاريخي، إسرائيل، بعدوّ قام النظام السياسي المستبد، على إنشائه وتوضيبه وجعله السبب الأساسي لوجوده وهو «الإرهاب»، من خلال انقلابه على الانتخابات الديمقراطية الناتجة عن ثورة شعبية كبرى.
هذا اللقاء المصري ـ الإسرائيلي، وما تردّد على ألسن سياسيين فلسطينيين وعرب، عن استهداف النظام المصري لأهالي سيناء، في إطار «اتجاه استراتيجي» لاعتبارها أرضاً فارغة لاستقبال دولة فلسطينية خارج فلسطين التاريخية، مقابل رشاوى كبرى تقدّمها أنظمة خليجية عربية، يوظّف عمليّاً «القوة الغاشمة» المذكورة، لتحقيق تلك الصفقة التعجيزية.
والحقيقة أن وهم القضاء على الإرهاب بـ «القوة الغاشمة» (وليس بالعمل على دمقرطة المؤسسات وفصل السلطات ورفع الحذاء العسكري والأمني عن السياسة)، يتناسب مع وهم «صفقة القرن» التي تقوم على معادلة بمجهولين: الأول، هو تفريغ سيناء من أهلها، والثاني، إخراج الفلسطينيين من فلسطين.
والنتيجة أن «المجابهة الشاملة» ستكون مع الواقع التاريخي والجغرافي لمصر وفلسطين وليس مع «الإرهاب».
القدس العربي