بيروت ـ استبعد الأمين العام لـ”تيار المستقبل” في لبنان، أحمد الحريري، أن تشن إسرائيل حربا على لبنان، أو ترد جماعة “حزب الله” اللبنانية على تل أبيب في حال شنت حربا، وذلك استنادا إلى التطورات الراهنة في المنطقة.
ويتصاعد توتر وتهديد بين لبنان وإسرائيل، جراء إدعاء الأخيرة سيادتها على بلوك رقم تسعة في البحر الأبيض المتوسط، الذي وقعت بيروت، يوم الجمعة الماضي، اتفاقتين مع ثلاث شركات فرنسية وإيطالية وروسية، لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز منه.
كما تبني إسرائيل، منذ مطلع الشهر الجاري، جدارا على الحدود مع لبنان، وتزعم أنه خلف “الخط الأزرق” (الفاصل بين الدولتين)، فيما تؤكد بيروت أنه يمر في أرضٍ لبنانية تقع في الجانب الإسرائيلي من الخط، الذي رسمته الأمم المتحدة، بعد انسحاب تل أبيب من جنوبي لبنان، عام 2000.
وقال الحريري، في مقابلة صحفية إن “الدولة اللبنانية والجيش اللبناني لن يتسامحا مع أي اعتداء على لبنان برا او بحرا، وهذا موقف جامع للبنانيين، فلدينا عدو واحد اسمه إسرائيل لا يجب أن ننساه”.
وأضاف أن “العدو الإسرائيلي يستفيد من ما تمر به بعض الدول العربية من أزمات”.
وحول احتمال أن يرد “حزب الله” على أي “اعتداء” إسرائيلي، أجاب بأن “الموضوع ما زال في إطار التصعيد الإعلامي.. لم نصل إلى هذه المرحلة، واستبعد أن يفتح الحزب جبهة حرب مع إسرائيل، فهو مشغول في حروب أخرى في سوريا والعراق وكل المنطقة العربية”.
كما استبعد الحريري أن “تشن إسرائيل حربا على لبنان، ففي ظل ما تراه من مذهبية كبيرة في المنطقة ليس من مصلحتها شن حرب لتوحد الموقف العربي في وجهها”.
التحالفات الانتخابية
تأسس “تيار المستقبل” على يد رئيس الوزراء اللبناني الراحل، رفيق الحريري، الذي اغتيل في تفجير ببيروت، عام 14 فبراير 2005، وتتهم قيادات في التيار “حزب الله” باغتياله، وهو ما تنفيه الجماعة.
وبعد اغتيال والده تسلم سعد الحريري، رئيس الحكومة الحالية، قيادة “تيار المستقبل”، الذي يستعد لخوض انتخابات برلمانية في 6 مايو المقبل. وهي الانتخابات التي قال أحمد الحريري، ابن عمة سعد، إن “تيار المستقبل سيخوضها وفق مبادئه”.
وأضاف: “في هذا الوقت ندرس التحالفات في كل الدوائر، والتيار منفتح على كل الأحزاب الكبرى الأخرى، غير حزب الله”.
وتابع: “أخذنا قرارا واضحا وصريحا وعلنا بأنه لا تحالف مع حزب الله في هذه الانتخابات، فلا توجد قواسم مشتركة بيننا”.
واستدرك قائلا إن “التيار متفق مع حزب الله فقط في موضوع حفظ الاستقرار الداخلي وعدم انفلات الأمور إلى أزمة عسكرية كما تشهد بعض الدول”.
وشدد على أن التيار “أخذ بعين الاعتبار أن يكون لديه كتلة نيابية وازنة، ليبقى لاعبا أساسيا في الحياة السياسية بلبنان”.
وأوضح أن “الصورة لم تتبلور حتى هذه اللحظة، فالقانون (الانتخابي) الجديد لا يمكن أن تحدد فيه التحالفات بسهولة، فله حسابات كثيرة، كما أن أسماء المرشحين تمثل عاملا أساسيا فيه، كي تجذب الناس للانتخاب”.
وبينما أجريت كل الانتخابات السابقة على أساس النظام الأكثري، الذي أقر عام 1960، سيقترع اللبنانيون في الانتخابات المقبلة على أساس النظام النسبي، الذي يقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، على أن يتم توزيع مقاعد كل دائرة على القوائم المختلفة، بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة.
وكشف الحريري أنه “خلال هذا الشهر ستتبلور كافة الأمور، ويعلن ذلك رئيس التيار، سعد الحريري”.
وأضاف أن “تيار المستقبل حتى هذه اللحظة في تحالف سياسي مع التيار الحر، بزعامة الرئيس اللبناني، ميشال عون، وخاصة بعد التسوية، وتشكيل الحكومة (أواخر 2016).. لكن (التحالف السياسي) لم يترجم حتى الآن كتحالف انتخابي، فكل الكتل النيابية تدرس مصالحها الانتخابية بشكل محدد”.
سياسية النأي بالنفس
الحريري شدد على أن “الخلاف الأساسي بين تيار المستقبل وحزب الله هو في النظرة إلى البلد، وكيفية إدارة وتسويق لبنان إلى العالم الخارجي، وهذا الخلاف متجذر، ولن تحسمه سوى التطورات الإقليمية”.
وأضاف أنه “على الصعيد الداخلي تراقب الحكومة بشكل كبير اليوم (تطبيق) سياسية النأي بالنفس”.
ويتبنى لبنان سياسة النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، لكن جماعة “حزب الله” تقاتل في سوريا بجانب النظام ضد المعارضة السورية، كما تواجه اتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى.
وتابع الحريري: “حزب الله تعرض بشكل مباشر لدول العربية، وعرّض لبنان لمشاكل مع أشقائه العرب، مثل السعودية ومصر والإمارات والبحرين”.
ومضى قائلا إن ” حزب الله و(حليفته) ايران يريان أن الفرصة متاحة لهما لتنفيذ مشروعهما، لكن هناك من يقاوم هذا المشروع بشراسة، لذلك سيكونون منزعجين”.
وشدد على أن “حفظ الاستقرار (في لبنان) هو الأساس، ولا عودة لعقارب الساعة إلى الوارء، فالبلد لم يعد يحتمل اقتصاديا”.
ذكرى استشهاد الحريري
تحل الأربعاء الذكرى الـثالثة عشر لاغتيال رفيق الحريري، وذلك في ظروف لبنانية وإقليمية دقيقة، خاصة وأن لبنان مقبل على انتخابات برلمانية غابت عن البلد لمدة تسع سنوات، أي دورتين، جراء خلافات على قانون الانتخاب.
وقال الحريري إن “إكمال مسيرة الشهيد الحريري يكون بإنتاج السلم الأهلي، وليس بإنتاج حرب أهلية جديدة”.
وكشف أن “كلمة الرئيس (سعد) الحريري في هذه الذكرى ستركز على الإطار العام السياسي للانتخابات القادمة”.
وأضاف أنه “سيكون في هذه الذكرى لفلسطين والقدس مكانة خاصة، لأنها ستبقى القضية المركزية والأساسية بالنسبة للعرب وللمسلمين”.
وتخيم على العالمين العربي والإسلامي حالة من الغضب منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 6 ديسمبر الماضي، اعتبار القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة باحتلال القدس الشرقية الفلسطينية، منذ عام 1967.
وتابع الحريري على أنه “إذا لم نجد حلا لهذه القضية (الفلسطينية) سيبقى عدم الاستقرار في المنطقة هو سيد الموقف”.
وشدد على أنه “في ذكرى رفيق الحريري سيبقى دمه يلاحق القتلة، مهما على شأنهم، ومهما تكبروا، ونحن نرى أن المتهمين يسقطون الواحد تلوة الأخر”، في إشار إلى مقتل المتهمين من جانب المحكمة الدولية في معارك داخل سوريا، بينما كانوا يقاتلون مع “حزب الله” بجانب النظام السوري.
وتتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي، عناصر في “حزب الله” باغتيال الحريري، وهو ما ينفيه حزب الله.
العلاقات اللبنانية – التركية
بشأن العلاقات اللبنانية- التركية، قال الأمين العام لـ”تيار المستقبل” إنها “متجذرة عبر التاريخ القديم والحديث”.
وتابع بقوله إن “”زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى تركيا، أواخر الشهر الماضي، هدفت إلى تعزيز العلاقات الثنائية، لما فيه مصلحة البلدين والمنطقة ككل”.
وأضاف أن “الزيارة هدفت أيضا إلى استطلاع الأوضاع الإقليمية، وخاصة الحرب السورية، لما لتركيا من مكانة ودور في حل هذه الأزمة (القائمة منذ عام 2011)”.
وشدد على أن “تركيا لاعب رئيس في القضية السورية، عبر مؤتمر سوتشي ومؤتمر جنيف اللذين يبحثان في حل الأزمة السورية”.
وأوضح أن “تيار المستقبل كحزب سياسي في لبنان على علاقة صداقة مع حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في تركيا، والهدف من هذه العلاقة هو هي تبادل الخبرات والتعميق أكثر في التجربة التركية، خاصة من الناحية الاقتصادية”.
وشدد الحريري على أن “ما قام به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منذ 2002 (عام وصول العدالة والتنمية إلى الحكم) وحتى اليوم نقل تركيا من مكانة اقتصادية إلى مكانة أخرى في العالم، وأصبحت من ضمن اللاعبين الإقليميين الكبار والمؤثرين في العالم من الناحيتين الاقتصادية والسياسية”.
وبخصوص الأزمة في سوريا، جارة لبنان، قال الحريري إن “لبنان بشكل عام، وتيار المستقبل خاصة، ملتزم بسياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية داخليا”.
وتابع أن “التيار يترك للدول، التي تشارك في الأزمة السورية بشكل مباشر، تقدير الأخطار التي تواجهها وتهدد أمنها القومي، وتتحرك على أساسها”.
ومضى قائلا إن “الجانب التركي لديه مخاوف جدية من إنشاء (الإرهابيين) دولة على حدوده، وهذه المخاوف ليست جديدة”.
ولفت إلى “تركيا، وتحديدا في عهد الرئيس أردوغان، فتحت حوارا على مدى سنوات مع الأكراد، لينصهروا في المجتمع التركي بشكل أكبر ويحصلوا على جزء من حقوقهم، التي كانوا يطالبون بها، لكن الرد كان سلبيا وعنيفا من جانب بعض الأكراد”.
وأضاف: “من هنا أتت الحملة العسكرية التي تشنها تركيا، في إطار حماية الأمن القومي التركي، ونحن كلبنان نسعى دائما إلى تجنيب أنفسنا وصول الأزمة السورية إلى بلادنا”.
ومنذ 20 يناير الماضي، تستهدف القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحري، ضمن عملية “غضن الزيتون”، المواقع العسكرية لتنظيمي “داعش” و”ب ي د/ بي كاكا” الإرهابيين شمالي سوريا، مع اتخاذ التدابير اللازمة لتجنيب المدنيين أية أضرار.
وختم الحريري بقوله: “هذا ما فعلناه في لبنان كذلك عندما خاض الجيش (العام الماصي) معركة كبيرة في عرسال شرقي لبنان (قرب الحدود مع سوريا)، لكي يحمي حدود لبنان، وكذلك الجيش التركي يخوض معركة لحماية حدوده”
العرب اللندنية