شذى خليل*
تستمر الاطماع الايرانية التوسعية على الاراضي العراقية، اذ تعد وتعد الحدود العراقية الايرانية، من اهم اسباب المشاكل والنزاعات في تاريخ العراق، فمنذ عام 1937 عندما كان العراق تحت سيطرة بريطانيا تم توقيع اتفاقية حول نقطة معينة في شط العرب ( خط القعر) لرسم الحدود البحرية بين العراق وإيران لكن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت هذا الترسيم الحدودي واعتبرته “صنيعة امبريالية” واعتبرت إيران نقطة خط القعر في شط العرب التي كان متفقا عليه عام 1913 بين إيران والعثمانيين بمثابة الحدود الرسمية ونقطة خط القعر هي النقطة التي يكون الشط فيها باشد حالات انحداره.
وفي عام 1969 أبلغ العراق الحكومة الإيرانية ان شط العرب كاملا هو مياه عراقية.
وفي 6 مارس عام 1975 وقعت اتفاقية الجزائر بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه ايران محمد رضا بهلوي وباشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين.
وتضمنت الاتفاقية ، أن تمر الحدود بين العراق وإيران بأعمق نقطة في شط العرب متمثلة بخط التالوك (هي النقطة التي يكون الشط فيها بأشد حالات انحداره) أي بشكل عام في منتصفه.
ولكن صدام حسين ألغى هذه الاتفاقية عام 1980 بعد سقوط حكم الشاه ووصول الخميني إلى الحكم، الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى.
ويتكون شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات، ويبلغ طوله من التقائهما عند بلدة القرنة إلى مصبه في الخليج العربي عند بلدة الفاو ما يقرب من 180 كم، ويبلغ عرض مجراه بين 1-2 كم، ونصف هذه المسافة تقريبًا يجري شط العرب في العراق والنصف الثاني يصبح حدًا فاصلاً بين العراق وإيران بدءًا من خور رامشهر التي تقع شرق مدينة البصرة بـ 30 كم حيث يرفده نهر قارون.
ويخرج منه فرع يدعى (خور بهمانشير) وبين الفرعين توجد أرض واسعة تعرف باسم جزيرة (عبدان)، وتوجد عدة جزر في مجرى شط العرب، وهو صالح للملاحة وتدخله السفن حتى مدينة البصرة، وتنتهي الخطوط الحديدية العراقية في البصرة, وتنتقل البضائع بعدئذٍ إلى الطرق المائية، أما أنابيب النفط فتصل حتى الفاو، بل إلى نهاية خور العمية جنوب الفاو وداخل مياه الخليج العربي.
ويعد شط العرب الذي يبلغ طوله نحو 200 كيلو متر شرياناً مهماً للعراق من الناحية الاقتصادية، فهو القناة الملاحية للسفن المتوجهة إلى موانئ البصرة من الخليج العربي، و مصدرا رئيسا لري بساتين النخيل في مناطق جنوبي العراق.
ويعد خط التالوك الحد الفاصل بين المياه العراقية والإيرانية ضمن اتفاقية الجزائر عام 1975، ويبدأ الشاطئ الإيراني على شط العرب من جزيرة أم الرصاص وحتى رأس البيشة حيث مصب شط العرب في الخليج العربي.
وتتعرض الضفة الشرقية لشط العرب لتآكل مستمر بسبب الإهمال وكثرة الغوارق والطمى وترسبات نهر الكارون وترعة بهمشير الإيرانية ، وانحراف مجراه داخل الأراضي العراقية، مما يتسبب بخسارة الأراضي لصالح إيران، اذ تزحف حدودها داخل البصرة باقتطاع مساحات جديدة من الأراضي العراقية، ويؤكد عضو المركز البحري العراقي عامر عدنان ، ان العراق يخسر قرابة مئة دونم سنويا من أراضيه الوطنية لصالح إيران من خلال تقدم خط التالوك، الذي يقسم النهر عند منتصفه بين البلدين، باتجاه المياه الإقليمية العراقية بشكل مستمر.
واضاف عدنان ان انحراف مجرى شط العرب عند منطقة المصب بزاوية حادة باتجاه خور عبد الله أدى إلى إضافة أراض رسوبية جديدة إلى الجانب الإيراني على حساب الجانب العراقي ولاسيما مع غياب عمليات كري الأنهر.
وحذر عدنان من أن استمرار هذا الانحراف في مجرى شط العرب سيؤدي الى وقوع الموانئ النفطية العراقية في الخليج العربي كميناء البصرة وميناء خور العمية ضمن أراضي الجانب الإيراني ويحرم العراق من أي إطلالة بحرية.
و تمتلك إيران ثلاثة موانئ في الشط هي: ميناء خرمشهر الذي شهد توسعا كبيرا وميناءي عبادان وخسرو آباد، كما بادرت إلى إنشاء ثلاثة موانئ أخرى هي: أرفند كنّار، وبل بعست، وأرفند يك، وشيّدت منصات بحرية جديدة.
يقول أستاذ قسم الجغرافيا في كلية التربية بجامعة المثنى الدكتور سرحان الخفاجي, ان أصحاب البساتين في منطقة (أبو الخصيب) يشكون من نحت وتعرية وتآكل وانهيار مساحات كبيرة في بساتينهم وأراضيهم الزراعية المطلة على شط العرب.
ويوضح الخفاجي، ان تدفق مياه شط الكارون الشديدة الانحدار وفي كثير من المناطق في شط العرب إلى ظهور مساحات يابسة في الضفة الشرقية العائدة للسيادة الإيرانية، ما أدى إلى تآكل الجرف العراقي ، واختفاء مساحات واسعة من الحيازات الزراعية، وازداد التآكل في بعض الجهات خاصة في منطقة التنومة (قضاء شط العرب) حيث تكاثرت التشققات والصدوع ما ينذر بانزلاق الضفاف نحو المجرى المائي”.
ويقارن الخفاجي بين المراحل المختلفة للتبدلات في مجرى النهر قائلا إن “هناك دلائل على أن النهر يتجه إلى إعادة ترتيب مجراه بما يتلاءم بين عمليات البناء والهدم على الجانبين.
ويتضح من مقارنة معدلي البناء والهدم السنوي للفترة من ( ١٩٥٢- ٢٠٠٩ ) اختفاء معدل البناء السنوي خلال السنوات الأخيرة، في حين ازداد معدل الهدم او التراجع ولاسيما في مناطق المنعطفات والثنيات النهرية العراقية في (20) نقطة من القرنة شمالا حتى المصب، بينما تمثل الألسن النهرية أرضاً جديدة يقوم النهر ببنائها من خلال حركته الجانبية على الضفة اليسرى ضمن الأراضي الإيرانية”.
وهذا يعني أن المنطقة تعاني تأثير الحركات التكتونية نتيجة وقوعها بالقرب من حافة الصفيحة الإيرانية غير المستقرة ما أثر على حركة النهر الجانبية باتجاه الأراضي العراقية.
ويقول الخفاجي إن “المناطق التي يجري فيها شط العرب تنحدر من الشرق إلى الغرب بمقدار درجتين في أقسامه الشرقية بينما يتناقص الانحدار حتى يبلغ درجة واحدة في الأقسام المطلة على مجرى النهر”.
ولحل هذه الازمة يقترح الخفاجي على الجهات المعنية تبطين ضفاف شط العرب عند التواءاته النهرية بالصخور وإقامة الألسن الحجرية لأن ذلك “سيحول دون تأثير نشاط التعرية النهرية والعمل على تقوية كتوف النهر الطبيعية واستخدام الرؤوس الحجرية لإيقاف الانجراف، إضافة إلى صياغة قوانين جديدة تضمن حقوق أصحاب الملكيات الزراعية التي تتعرض لعملية النحت والتعرية وإيجاد حلول مناسبة لها من خلال تعديل بعض بنود قوانين الإصلاح الزراعي الخاصة بذلك”.
وتؤكد عضو مجلس محافظة البصرة زهرة البجاري ان “الانجراف الحاصل في شط العرب يتطلب معالجة كبيرة ومتطورة، مشيرة الى وجود مساع لتشكيل لجنة من مجلس المحافظة وديوانها ومديرية الموارد المائية في البصرة للتباحث والتشاور مع وزارة الموارد المائية لاتخاذ القرارات المناسبة”.
فيما يدعو كثير من المعنيين إلى إعادة النظر باتفاقية عام 1975 بين العراق وإيران لأنها كما يقولون، لم تراع حقوق العراق المائية وأعطت لإيران حقوقا في شط العرب على حساب الأراضي العراقية.
وقال الخبير الجيولوجي عمران الخالدي، إن تأثير نشاط التعرية النهرية بسب شدة المياه المنحدرة تجاه الأراضي العراقية، ” يتطلب إقامة منطقة صخرية على ضفاف شط العرب، والعمل على تقوية كتوف النهر بمواد قوية لمنع انجراف الأراضي”.
وأضاف الخالدي ان “عملية تجريف الأراضي المستمرة تُمكن إيران من بسط سيطرتها وتحكمها بالموانئ التجارية والنفطية العراقية، لذا يتطلب من الحكومة العراقية إيجاد معالجة سريعة ومتطورة لوقف التمدد الإيراني في الأراضي العراقية”.
وعن تحركات إيرانية لتغيير الحدود بين البلدين، يقول الناشط المدني سلام عبد الحسين : “نحن نلاحظ توجهات إيرانية للترويج لاسم جديد لشط العرب باللغة الفارسية هو( نهر اروند) ما يعكس نواياها في بسط سيطرتها علي النهر بغية التحكم بالموانئ التجارية والنفطية العراقية والسيطرة عليها لاحقا”، على الرغم من تسمية شط العرب مثبتة في جميع الخرائط البحرية الأدميرالية التي تعد المرجع الأساس في توثيق الملامح الجغرافية والمسالك الملاحية في المحيطات والبحار والأنهار.
وقال مصدر في القوات البحرية العراقية في محافظة البصرة فضل عدم الكشف عن هويته، إن “العراق يفقد سنوياً آلاف الأمتار من أراضيه لصالح إيران نتيجة للإهمال؛ مما يمكنها السيطرة على شط العرب بالكامل وتحقيق ما كانت تسعى إليه منذ عهد الرئيس صدام حسن”.
وأضاف المصدر ان “ظاهرة الإرساب والترسبات سببت تغيراً كثيراً في مسارات وممرات الملاحة العراقية في شط العرب، وسمحت للسواحل الإيرانية بالتمدد على حساب تراجع السواحل العراقية”، مشيرا إلى أن “الجهات القائمة على الموانئ العراقية على شط العرب زودت الحكومة العراقية بمزيد من التقارير عن التمدد الإيراني “.
واشار الى أن “تدفق مياه شط الكارون الشديدة الانحدار في كثير من المناطق في شط العرب، أدت إلى ظهور مساحات يابسة في الضفة الشرقية التابعة لإيران”، مبينا أن “حدوث انقلاب في مسار ممر الملاحة العراقية في شط العرب، يمنح إيران الحجج والذرائع الجغرافية والهيدروغرافية للسيطرة على موانئ عراقية”.
نستنتج ان ايران مستمرة بشن حرب للاستحواذ على موارد العراق المائية والنفطية ، وتمارس كل الأساليب لتوسيع حدودها ومساحة المياه الإقليمية الإيرانية عبر الاعتداء على حدود العراق وثرواتها ، اذ غيرت مجرى العديد من الأنهار الإيرانية وزادت من مساحة مياهها الإقليمية على حساب العراق، وتسعى إلى قضم المزيد من الأراضي العراقية، وسرقة ثرواته النفطية بأساليب للسيطرة على شط العرب كله.
وحذر مراقبون من أن حدوث انقلاب في مسار ممر الملاحة العراقية في شط العرب، يمنح إيران الحجج والذرائع الجغرافية والهيدروجرافية للسيطرة على موانئ عراقية، اذ تواصل تجريف الأراضي المستمرة لتبسط سيطرتها وتحكمها بالموانئ التجارية والنفطية العراقية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية