تطورات الجبهة الشمالية، لا زال خطر المواجهة الشاملة متدنِ

تطورات الجبهة الشمالية، لا زال خطر المواجهة الشاملة متدنِ

د.سليم محمد الزعنون

تسعى إيران وإسرائيل إلى تحقيق أهدافهم، من دون الانجرار إلى حرب شاملة، وتعتبر روسيا (وليس الولايات المتحدة) مفتاح منع التصعيد، فموسكو لديها تأثير معين على  إيران وتأثير أكبر سوريا، وعلاقات مع إسرائيل، وهي التي وضعت حد للمواجهة الأخيرة .

أولاً: المحور العملياتي.

رداً على اسقاط القوات السورية طائرة إسرائيلية من طراز F-16، هاجمت إسرائيل 12 في عمق الأراضي السورية، منها 4 أهداف إيرانية، و3 منصات بطاريات صواريخ سورية، ومركز إدارة النيران في الجيش السوري، ويعتبر ذلك أكبر هجوم إسرائيلي منذ حرب لبنان الأولى “سلامة الجليل” عام 1982، يَكّمن الإنجاز الإسرائيلي في أمرين:

الأول: القدرة على تعقب الطائرة غير المأهولة الإيرانية (المتطورة تكنولوجياً ويصعب على الردار اكتشافها) منذ انطلاقها وحتى اسقاطها والسيطرة عليها للاستفادة من خصائصها وقدراتها.

 الثاني: القدرة على تدمير منصة الاطلاق الإيرانية المسئولة عن اطلاق الطائرات غير المأهولة، بما يُسبب الشلل لفترة من الوقت حتى يتم تحضير منصة جديدة.

ثانياً: دلالة الأحداث على الجبهة الشمالية.

  1. من غير الممكن أن يتصرف السورين دون علم إيران وروسيا، وكلاهما كان على علم مسبق بإمكانية رد القوات السورية وتقييم نتائجه المُحتملة.
  2. انتقال المواجهة بين إسرائيل وإيران للمرة الأولى من المواجهة بالوكالة إلى المواجهة المباشرة على الأراضي السورية، على اعتبار أن كل تفاصيل العملية إيرانية: الطائرة المسيرة، عربة السيطرة والتحكم، التوجيه وقيادة الطائرة، حتى لحظة اختراقها للأجواء الإسرائيلية.
  3. إشراف إيران على إرسال الطائرة من البداية إلى النهاية يعكس تغييراً في التوجهات الإيرانية في الصراع الإيراني الإسرائيلي، فيما يتعلق بالخطوط الحمراء في سوريا، وإرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل، بأن مستوى الردود على الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، سيكون أعلى مما كان عليه في السابق.
  4. تآكل مفهوم الردع الإسرائيلي لم يُكن وليد هذا الحادث بل جاء بشكل تراكمي خلال السنوات الماضية، ومنذ الآن أصبحت حرية الحركة الإسرائيلية في الأجواء السورية مقيدة، وسيحمل أي نشاط لسلاح الجو الإسرائيلي في طياته مخاطر عالية لرد سوري محتمل، ويؤشر ذلك على تعقيد عمل سلاح الجو وعلى التحديات الكبرى الكامنة في الحرب القادمة.

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة.

  • على المستوى الإسرائيلي.
  1. عدم الانزلاق إلى الحرب.

إسرائيل لا ترغب في الانزلاق نحو مواجهة مباشر ضد إيران أو سوريا، وستعمل من خلال القنوات الدبلوماسية، لتمرير رسائل تهديد بواسطة الولايات المتحدة وروسيا، لعدة أسباب:

التورط الإسرائيلي في مواجهة حالياً سوف يجبر روسيا على تبني اتجاه استراتيجي واضح مؤيد لإيران، على اعتبار أنها تحتاج إلى مساعدة ميدانية من الميلشيات الموالية لها على الأرض لاستكمال معركة “إدلب”.

التورط في مواجهة يؤثر في وصف الحرب في سوريا على أنها نضال سوري داخلي وتحويلها إلى حرب ضد إسرائيل، مما يعزز وضع إيران وحزب الله وبعض الميليشيات، فضلا عن دعم مزاعم سوريا وإيران بأن إسرائيل والولايات المتحدة مهتمتان بمواصلة الحرب.

  1. منع ترسيخ النفوذ الإيراني دون الحرب.

ويمكن لإسرائيل أن تمنع إيران من الاستمرار بترسيخ نفوذها في سوريا من دون الانزلاق إلى الحرب، من خلال العمل على أربع محاور:

الاول: مهاجمة مرافق هامة لنظام الاسد فهو غير معني بالمواجهة الآن، لخلق توتر بينه وبني إيران، على أمل أن تقف روسيا إلى جانب الاسد أكثر من إيران.

الثاني: الضغط على الولايات المتحدة كي تبدي تفهما أكبر لاحتياجات روسية اخرى (العقوبات الغربية ضدها) بالمقابل، تحقيق نهج روسي داعم أكثر في الموضوع الايراني.

الثالث، التشديد على أن أي تدخل لحزب الله من لبنان سيؤدي الى حرب شاملة على لبنان، ولا أحد (فرنسا، روسيا، الولايات المتحدة، إيران، لبنان، السعودية) يريد تدمير لبنان.

الرابع، منع مواجهة مع حماس والتركيز على الجبهة الشمالية، يجب تحسين الوضع الاقتصادي هناك، حتى لو تم الامر عبر حكومة حماس.

  1. العمل على ثلاث مستويات.

الأول على المدى القصير، مرتبط بقرار الحكومة، والضغوط على تمارسها واشنطن وموسكو لتقييد رغبتها في ضرب السيطرة الإيرانية في سوريا.

الثاني على المدى المتوسط، ومرتبط بالاستعداد لردود فعل إيرانية وسورية من نوع جديد، لا سيما هجوم بالصواريخ بعيدة المدى.

الثالث على المستوى البعيد، الاستعداد لحتمية الصدام المؤكد في المستقبل، عندما يتحقق مصنع الصواريخ الدقيقة الذي تقوم إيران ببنائه لحزب الله في لبنان.

  1. احتمال الاشتباك القادم على حدود سورايا العراق .

تحاول إيران وروسيا تسيير حركة عسكرية ثنائية الاتجاه عبر الحدود بين العراق وسوريا، من خلال تأسيس قوة شيعية عراقية ونقلها من جنوب العراق إلى سوريا وجزء منها إلى لبنان، هذه القوة يدعمها ذراع جوي روسي وإيراني، ومن المتوقع أن تدخل حدود سوريا في اواخر ابرايل القادم، وتستقر في مدينتي البوكمال ودير الزٌّور، عندئذ ستقف القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أمام قرارات صعبة، وستكون المواجهة بالغة التعقيد في ظل ابتعاد ميدان القتال عن الشمال الإسرائيلي وإدارة المعارك على الحدود العراقية السورية.

  • على المستوى الإيراني.

إيران غير معنية بالحرب المباشرة مع إسرائيل، ويؤشر على ذلك:

  1. نفيها ملكية الطائرة المسيرة التي تسللت إلى إسرائيل.
  2. يؤشر خطابها الإعلامي على رغبتها في إبقاء نفسها بعيداً عن الأحداث الأخيرة، وهي تعكس جهد طهران لتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل ومواصلة تأطير المواجهة على أنها تدور بين سوريا وإسرائيل، بدون علاقة لإيران.
  3. لم تقوم بأي رد على المقاتلات الإسرائيلية، عندما هاجمت عربة قيادة الطائرة المسيرة، ولا أثناء مهاجمة 4 مخازن إيرانية قريباً من دمشق.

ويستند الإيراني التوجه لعدم المواجهة المباشرة مع إسرائيل على ثلاث ركائز رئيسية:

  1. أي مواجهة مع إسرائيل ستكون ورقة في يد “ترامب” والكونغرس الأمريكي في مايو القادم لفرض عقوبات جديدة على طهران.
  2. سعى إيران في الوقت الراهن لإيجاد حل سياسي في سوريا، كما أنها تخشي من أن المواجهة مع اسرائيل ستحفزخها لشن حرب على حزب الله.
  3. دون انضمام حزب الله إلى المواجهة من لبنان، فإن القدرة العسكرية على ضرب إسرائيل من الأراضي السورية محدودة، ولكن بمجرد أن يقرر الإيرانيون استخدام القوة العسكرية لحزب الله من لبنان، فإن إسرائيل ستجد نفسها في حرب شاملة.

على الرغم من ذلك إلا أن اختراق الطائرة المسيرة للأجواء الإسرائيلية يشير إلى إصرار طهران على العمل في سوريا، ومواصلة جمع المعلومات عن إسرائيل، وعن عدم ارتداعها من الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية سورية في إنتاج الصواريخ دقيقة الإصابة في سوريا.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية