بيروت – هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استدعاء قوات شعبية (ميليشيا) موالية للرئيس السوري بشار الأسد إلى عفرين للفصل بين الجيش التركي ومقاتلي وحدات الحماية الكردية، في وقت تتحدث فيه تقارير عن أن الانتشار المنتظر لحلفاء الأسد في المدينة يأتي في سياق تفاهم روسي أميركي يهدف إلى وقف الهجوم التركي وسحب الأكراد مقاتليهم بعيدا عن الحدود.
ويقول مراقبون إن الاستنجاد بقوات سورية للفصل بين الجيش التركي والمقاتلين الأكراد خطوة من شأنها أن تحفظ ماء الوجه لتركيا ولأردوغان، الذي بات مقتنعا أن اجتياح عفرين قد يتحول إلى مأزق طويل في ظل تمرس الأكراد بالمعركة عسكريا ودبلوماسيا، فضلا عن قدرتهم على تنويع التحالفات ما اضطره إلى الاستنجاد بروسيا لبحث تفاصيل الاتفاق.
وبادر الرئيس التركي بالاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين للاطلاع على تفاصيل الاتفاق الذي جرى بين دمشق ووحدات حماية الشعب الكردي، وإذا ما كان الأمر يقف عند استلام القوات السورية الرديفة مواقع السيطرة الكردية، أم أن الاتفاق سيكون نواة لتحالف عسكري كردي سوري لمواجهة القوات التركية المتعثرة في محيط عفرين.
ونقل تلفزيون سي.إن.إن ترك، عن أردوغان قوله لنظيره الروسي في اتصال هاتفي، الاثنين، إن “الحكومة السورية ستواجه عواقب إذا أبرمت اتفاقا مع وحدات حماية الشعب الكردية ضد العملية العسكرية التركية”.
وذكرت القناة التلفزيونية التركية أن أردوغان قال لبوتين إن الهجوم التركي المسمى “عملية غصن الزيتون” سيستمر كما هو مخطط له.
ونقلت وكالة تاس للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا سيلتقون في كازاخستان خلال أسبوعين للإعداد لقمة في إسطنبول بشأن سوريا.
وأفاد الإعلام الرسمي السوري، الاثنين، بأن قوات متحالفة مع الحكومة ستدخل منطقة عفرين خلال ساعات، وذلك بعد أن قال مسؤول كردي إنه تم التوصل إلى اتفاق مع الجيش السوري لمساعدة القوات الكردية في صد الهجوم التركي.
وردا على ذلك قالت تركيا إنها سترحب بأي تحرك سوري إلى داخل عفرين للتخلص من وحدات حماية الشعب الكردية، ولكن إذا دخلت القوات السورية لحماية المقاتلين الأكراد فسيستمر الهجوم التركي.
وقال مسؤول كردي سوري ثان إنه كان من المفترض أن يتم إعلان الاتفاق رسميا، الاثنين، إلا أن ضغوطا خارجية قد تحول دون أن يمضي قدما.
ويشير المراقبون إلى أن انتشار قوات سورية رديفة لم يكن بمنأى عن تفاهم روسي أميركي يهدف إلى وقف المواجهة التركية الكردية من خلال صيغة تلقى قبول الطرفين، وتعطيهما مبررا للتراجع عن الخيار العسكري.
ويشمل الاتفاق بين واشنطن وموسكو موافقة الأميركيين على المقترح الذي قدمه مسؤولون أتراك لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، خلال زيارته لأنقرة الأسبوع الماضي، بنشر قوات مشتركة في مدينة منبج، الواقعة إلى الشرق من عفرين. كما يشمل أيضا قصر الانتشار على الحدود على ميليشيات موالية للنظام، دون السماح لقوات الجيش النظامية بدخول المنطقة.
ويعني الاتفاق تجاوز عقدة تسليم المقاتلين التابعين لقوات سوريا الديمقراطية لأسلحتهم الثقيلة كشرط لدخول قوات تابعة للنظام إلى المنطقة. وظلت نقطة تسليم الأسلحة محورا لمفاوضات صعبة بين الجانبين.
وبموجب الاتفاق الجديد، لن يتم تسليم المؤسسات الإدارية في عفرين لقوات النظام، كما ستستمر مسؤولية الأكراد عن الأمن كما هي.
واشنطن لا تريد أن يؤدي الهجوم التركي إلى خسارة ورقة الأكراد كحلفاء استراتيجيين لها في وقت تكافح فيه للبقاء في سوريا من بوابة الحرب على داعش
وبذلك يكون أكثر الرابحين من هذا الاتفاق هو النظام السوري، الذي سيكسب مساحات جديدة تحت سيطرته دون قتال، على عكس عملية عسكرية واسعة يتم التجهيز لها في غوطة دمشق، وأما الولايات المتحدة فإنها ستتجنب تفاقم الخلافات مع تركيا، وإمكانية الانزلاق إلى أي مواجهة محتملة بينهما في سوريا.
ولا تريد واشنطن أن يؤدي الهجوم التركي إلى خسارة ورقة الأكراد كحلفاء استراتيجيين لها في وقت تكافح فيه للبقاء في سوريا من بوابة الحرب على داعش، فيما تريد روسيا أن تتوقف المواجهات بكل أنواعها لفرض خيار سياسي يثبّتها كقوة رئيسية في الملف السوري ويقطع الطريق على الأدوار الثانوية لتركيا وأميركا وإيران.
وبدأت تركيا عمليتها في المنطقة الشهر الماضي مع فصائل معارضة سورية متحالفة معها لطرد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية مرتبطة بمتمردين على أراضيها وتهديدا أمنيا لحدودها.
وزاد الهجوم من تعقيد الوضع في شمال سوريا حيث تتشابك الخصومة بين كل من القوات الكردية والحكومة السورية ومقاتلي المعارضة المسلحة وتركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا.
ورغم التأكيدات الكردية، نفى المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين روجهات روج قرب وصول قوات شعبية تابعة للأسد إلى عفرين لدعم صمودها في مواجهة الهجوم التركي.
وتحظى كل الاتفاقات بين الحكومة السورية والأكراد بمتابعة عن كثب لأنها قد تكون محورية في تحديد مسار الحرب في المستقبل، إذ يسيطر الجانبان على مساحات أكبر من أي طرف آخر في الصراع.
ورغم تبني الحكومة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية رؤى مختلفة تماما لمستقبل سوريا، كما أن قواتهما اشتبكت في بعض الأوقات، إلا أنهما تجنبا الصراع المباشر خلال الحرب.
ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء عن مراسلها في حلب، التي تبعد 35 كيلومترا عن عفرين، قوله إنه خلال ساعات ستصل “مجموعات من القوات الشعبية إلى منطقة عفرين لدعم صمود أهلها في مواجهة العدوان الذي تشنه قوات النظام التركي”.
وقال بدران جيا كرد الذي يعمل مستشارا للإدارة التي يرأسها الأكراد بشمال سوريا وتدير قطاعات من منطقة شمال البلاد، إن قوات الجيش السوري ستنتشر على طول بعض المواقع الحدودية بموجب الاتفاق بين الأكراد والحكومة السورية.
وأضاف أن الاتفاق لا يتعلق سوى بالجوانب العسكرية فقط وأن أي اتفاقات سياسية أو غيرها سيجري التفاوض بشأنها بين دمشق والإدارة الكردية لاحقا. وتابع أن بعض المعارضة للاتفاق قد تحول دون تنفيذه.
وقال وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو الاثنين “إذا دخل النظام هناك لتطهير (المنطقة) من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي فلا توجد مشكلة”. ويشن حزب العمال الكردستاني تمردا في تركيا لكن حزب الاتحاد الديمقراطي حزب سياسي سوري كردي له نفوذ.
وأضاف جاويش أوغلو في مؤتمر صحافي خلال زيارة للعاصمة الأردنية عمان “لكن إذا جاء (الجيش) للدفاع عن وحدات حماية الشعب الكردية فحينها لا شيء ولا أحد يمكنه وقفنا أو وقف الجنود الأتراك”.
وفرض هجوم عفرين قيودا على العلاقات المعقدة بين الأطراف المتحاربة في شمال سوريا وداعميها الأجانب.
وسلحت الولايات المتحدة حليفة تركيا وحدات حماية الشعب ضمن تحالف تدعمه واشنطن في سوريا ضد تنظيم داعش مما أثار غضب أنقرة.
ووصلت، الاثنين، إلى ولاية كليس التركية المحاذية للحدود مع سوريا، دفعة جديدة من التعزيزات العسكرية المرسلة إلى القوات المتمركزة على الحدود التركية السورية، ما يؤشر إلى استمرار أنقرة في التصعيد. وتضم القافلة 7 شاحنات عسكرية برفقة حماية أمنية، ووصلت اليوم إلى المنطقة الحدودية في كليس، للانضمام إلى القوات المشاركة في عملية غصن الزيتون.
العرب اللندنية