اعلنت وزارة الدفاع السعودية في 21/4/2015، عن توقف الطلعات الجوية لعملية “عاصفة الحزم” بعد ان نجحت في “إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة، بتدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية، والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من قواعد ومعسكرات الجيش اليمني”.
وجاء بيان وزارة الدفاع السعودية بعد ساعات من إصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمرا ملكيا بمشاركة قوات الحرس الوطني، في عملية “عاصفة الحزم” التي تشارك فيها عدة دول عربية تحت قيادة سعودية.
وعندما أشار مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى توقع توقف العملية قبل الاعلان الرسمي عن ذلك بساعات، فانه طرح علامات استفهام حول ما اذا تم التوصل إلى صفقة بين الطرفين السعودي والايراني في أعمق صراع عنيف على النفوذ بينهما، لم تنتهِ فصوله بعد، فتوقف الحرب لا يعني انتهاء الصراع.
ان ابرز الاسئلة المطروحة اليوم تدور حول ما اذا تمكنت “عاصفة الحزم” من تحقيق اهدافها، وما الاسباب التي دعت إلى توقفها؟ وهل غيرت العاصفة خريطة التحالفات الاقليمية؟ او وضعت حدا للتغلغل الايراني في المنطقة؟ وهل كان قرار وقف العاصفة قراراً سعودياً وعربيا ؟
وليس من المستبعد ان يكون للروس دور في ايقاف العمليات العسكرية، بعد ان تعهدت طهران عبر قناة تفاوض خلفية على حمل حلفائها الحوثيين للركون إلى الحوار والتفاوض. والحملة بحسب العديد من المحللين لم تحقق أهدافها المعلنة، فلم تتم إعادة الرئيس هادي على اعتباره يمثّل الشرعية، ولم تتمكن الحكومة التي يرأسها بحاح من العودة الى اليمن، إضافة الى أنها لم تحقّق أيّ تقدّم على الأرض، ولم تجرد الحوثيين من سلاحهم.
ومن الحكمة هنا عدم التسرّع في الاعتقاد بان العاصفة قد اوقفت صراع الأدوار في الشرق الأوسط، او نجحت في حسم الولاءات العابرة للحدود من اقلاق دول الجوار الخليجي، في منطقة تشهد تنازعا بين الثقافات، وتبدي رفضا لقبول الآخر.
وما فعلته “عاصفة الحزم”، ادركته الولايات المتحدة رغم دعمها للعمليات العسكرية، ارباكا لها في مفاوضاتها النهائية مع ايران بشأن برنامجها النووي، فالادارة الامريكية تنظر للعملية، كجزء من موازنة اقليمية، فهي تدفع بالمفاوضات النووية مع إيران قدما إلى الامام، وتخشى في الوقت ذاته من إمكانية افادة تنظيم القاعدة في اليمن من الفوضى والمواجهات الدائرة في البلاد. وتعلن موافقتها للموقف العربي.
ولكن ثمة “قناعة متأصلة” في مجمل عقول القادة العرب، قائمة نظرياً في الاقل، على التابعية لمراكز القرار الخارجي، واغفال قواعد العمل المستقل، وقد يبدو ما تقدم امرا ليس بالمقدور نفيه، لو راجعنا سلسلة القرارات والمواقف العربية الرسمية، ومدى تعارضها مع المصالح القومية العليا. وما يقال عن ضغط اوقعه المجتمع الدولي على السعودية بسبب الاوضاع الانسانية التي ترتبت على القصف الجوي، فانه لا يلمس الا جانبا ضئيلا من اسباب الموقف. وكانت منظمات إغاثية دولية انتقدت السعودية نتيجة الضربات الجوية العشوائية وكذلك الحصار المفروض على اليمن الذي تسبب في نقص حاد في الطعام والمياه والوقود والدواء.
وهناك من يعتقد بأن قرار وقف السعودية للعمليات العسكرية نابع من هشاشة موقف الحلفاء وبالتحديد مصر وباكستان، أو على الأقل إصغاء السعودية للتخويف الذي مارسته كلتا الدولتين من خطورة أي عمل بري، بذريعة أن اليمن مقبرة الغزاة تاريخيا، وذات طبيعة جغرافية وعرة معقدة على القوات البرية، وقد ألمحت مصر عبر وسائل إعلام حكومية إلى هذا الأمر.
ولعل التوقف المفاجئ للعمليات العسكرية، سبقه بساعات الاعلان عن توجيهات ملكية بإشراك قوات الحرس الوطني السعودي في هذه العمليات العسكرية، وهو ما اعطى انطباعا بأن “عاصفة الحزم” ستتواصل وأن أمد الحرب سيطول. وهناك من يجادل بنجاعة القرار، فالعاصفة أُريد بها إعطاء الحوثيين صدمة، بقصد اضعاف قدراتهم وإرغامهم على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط الدول الخليجية، بيد ان الحوثيين وان تكبدوا خسائر فادحة في الأرواح اثناء المعارك الداخلية التي يخوضونها في عدن والضالع وبقية المحافظات الجنوبية، وخسروا امتدادهم السياسي في الجنوب بعد أن تورّطوا في معارك داخل المدن. الا انهم ماهرون في حرب العصابات، وبالتالي من الصعب أن تؤثر عليهم الغارات الجوية. وعلى هذا فان الايام المقبلة ستكشف عن مدى الفجوة في مواقفهم السياسية وتحركاتهم على الارض.
وما كان ينتظره العرب من “عاصفة الحزم” يدور حول إعادة الاعتبار لموقف عربي رسمي موحد وقوي، بعد الانشغال بتداعيات الربيع العربي وتأثيرات الثورة السورية، وما تبعها من تصاعد تأثير “تنظيم الدولة “، وتزايد النفوذ الايراني في المنطقة، إذ سرعان ما تبددت الآمال، ليرسخ هذا الموقف ادراكا مفاده: عجز الدول العربية عن قراءة مصالحها القومية، لتجد نفسها امام أزمة تصطدم بتحمل أثمان الحرب، فالمشهد اعطى انطباعاً بأن السعودية ليست قادرة على اتخاذ قرارات مهمة، وهي وان اتخذته فانها لا تمتلك القدرة على المطاولة في الذهاب به الى منتهاه.
وتحتاج دول التحالف العربي الآن إلى مراجعة عميقة، بعد موافقتها في ان يكون الحوثيين طرفا في الحوار كحزب سياسي وليس كميليشيا عسكرية، وبندّية كاملة مع كل المكونات السياسية والقبلية والسكانية في اليمن، بعد ضمانة ايرانية روسية، والسؤال الذي يطرح هنا هو: مدى الوثوق بالموقف الحوثي لجهة التزامه بالحلول السياسية، ففي ستة حروب سابقة لهم مع الحكومة اليمنية السابقة، ومع حليفهم الحالي الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقّعوا اتفاقيات تعاملوا معها وكأنها اتفاقات هدنة، وما ان يستعيدوا قواهم حتى يعاودوا القتال من جديد، ما يدعو إلى ابقاء الخيار العسكري مفتوحاً والتحسب لامكانية اندلاع المواجهات.
وبعبارة اخرى فان المرحلة المقبلة غامضة ومفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات لان من سيحددها هو التحركات السياسية والعسكرية لجماعة الحوثي وحزب المؤتمر والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومدى تفاعلها الإيجابي مع إيقاف “عاصفة الحزم” وجنوحها للسلم والدخول في حوار سياسي جاد وشراكة جادة وفاعلة دون هيمنة لطرف أو إقصاء لآخر أو تحول الحوار السياسي.
وتدل المؤشرات على استمرار التحركات العسكرية من قبل المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق أو ان تستمر التحركات العسكرية المضادة من قبل ما تسمى بالمقاومة الشعبية والقوات الموالية لهادي، وهو ما يعني استمرار المواجهات العسكرية ولكن في مناطق محددة كعدن وتعز مثلا، ويستمر القصف من قوات التحالف على تجمعات للمسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق، ولتستمر المعركة بين كر وفر.
واذا كانت عملية “إعادة الأمل” التي بدأت منتصف ليل الثلاثاء الماضي تهدف الى استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وإفساح المجال للجهود الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية، والتصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين وحلفائهم، ومنع وصول الأسلحة اليهم، فإن الحوثيين لديهم ما يكفي لمواصة القتال في الداخل لشهور طويلة ان لم يكن لسنوات، كما أن اليمن مليء بالأسلحة، إضافة الى أن السواحل اليمنية الممتدة لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر والتي لا يمكن السيطرة عليها تماماً”.
وقد يكون ما بعد العاصفة، وفقا لبعض المراقبين في المملكة، قد فرصة لانطلاق استراتيجية مواصلة التفاوض مع استمرار العمليات العسكرية، وان لا تكون هناك نهاية سريعة للصراع، ولا سيما في حال مواصلة الحوثيين تحقيق مكاسب على الارض. فالبيان السعودي أوضح أن العمليات العسكرية توقفت في الإطار العام، إلا أنها مستمرة في حالات الضرورة التي تراها دول التحالف، وهو باب واسع لتبرير أي عملية عسكرية مقبلة.
وهذا ما أشار إليه المتحدث الرسمي باسم العاصفة العميد الركن أحمد عسيري، حين قال: “إن قيادة التحالف سوف تستمر في القيام بأي عمل عسكري -ولو بوتيرة أقل- لمنع الحوثيين من تغيير الواقع على الأرض، ولحماية اليمنيين والاستمرار في عمليات الإغاثة والأعمال الإنسانية”. ويبقى السؤال الملح والسؤال الذي يواجه دول التحالف: “إذا لم تنتهِ المهمة لماذا توقفتم؟”.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية