في خطوة مفاجئة أعلنت قيادة التحالف انتهاء عملية عاصفة الحزم بعد تحقيق أهدافها مع نهاية عمليات اليوم السابع والعشرين من بدء العمليات، بناء على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وبدء عملية “إعادة الأمل” التي تهدف إلي حماية الشرعية والعمل على مكافحة التنظيمات الإرهابية واستئناف العملية السياسية واستمرار حماية المدنيين، والتصدي للتحركات والعمليات العسكرية للميليشيات الحوثية ومن يدعمها.
ويأتي قرار إنهاء عاصفة الحزم بعد قبول اليمن للمبادرة العُمانية لإنهاء أزمة اليمن، والتي تأخر الإعلان عنها حسب كثير من الخبراء بهدف استجلاء الأمر، وما سينتهي له الموقف في اليمن، كما جاء هذا القرار في أعقاب رفض اليمن المبادرة التي تقدمت بها إيران لحل الأزمة اليمنية سياسيًا، غير أن هذه المبادرة قد قوبلت برفض يمني قاطع، حيث أعلنت الحكومة اليمنية أنها رافضة لمبادرة إيران، واعتبرت أن الهدف منها “المناورة السياسية فقط”.
سياق القرار:
شهدت الأزمة اليمنية خلال الأيام الماضية تطورات عدة، علي الساحتين العسكرية والسياسية، فعلي الصعيد العسكري: استطاعت هجمات التحالف حسب– ما أعلنه بيان وزارة الخارجية السعودية – تدمير 80 % من سلاح الحوثيين، والقضاء بشكل كامل علي المضادات الأرضية التي كانت في حوزتهم، فضلا عن قتل عدد كبير من مقاتليهم، وذلك من خلال تنفيذ 2415 طلعة جوية خلال الحملة، فيما تبقي لدي الحوثيين الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي باتوا يعمدون إخفائها في المدارس والمباني السكنية، مما حال دون استهدافها من قبل قوات عاصفة الحزم.
وعلي الصعيد السياسي: جاء قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن، والقاضي بفرض عقوبات علي الحوثيين وحلفائهم في الداخل اليمني، تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، طالت زعيم جماعة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي، والقائد السابق للحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله، صالح نجل الرئيس السابق، وكذلك فرض واشنطن لعقوبات منفردة من جانبها علي الشخصين نفسهما، بتهمة تهديد السلام والأمن والاستقرار في اليمن بصورة مباشرة وغير مباشرة، إلي جانب انتهاء مهمة وسيط الأمم المتحدة في اليمن جمال بن عمر بتقديمه استقالته من منصبه، وتعيين الرئيس اليمني عبد ربه هادي لرئيس الوزراء خالد بحاح نائبا له.
مبادرات سياسية:
كما ظهرت مبادرتان لإنهاء الأزمة اليمنية سياسياً، على النحو التالي:
أولهما: المبادرة الإيرانية، حيث قدم سفير وممثل إيران الدائم لدي الأمم المتحدة غلام علي خوشرو مبادرة إيرانية لحل الوضع المتأزم في اليمن، شملت المبادرة علي أربعة بنود، هي:
• الوقف الفوري لإطلاق النار ولجميع الهجمات العسكرية الخارجية علي اليمن.
• البدء بشكل فوري في إرسال المساعدات الإنسانية والطبية للشعب اليمني.
• الإسراع في إجراء الحوار الوطني في اليمن، وتحت إشراف الشعب اليمني وبمشاركة ممثلي جميع الأحزاب السياسية والفئات الاجتماعية فيه.
• تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة في اليمن.
وثانيهما: المبادرة العمانية، والتي جاءت في أعقاب مشاورات أجرتها سلطنة عُمان مع أطراف عدة لبلورة الموقف من مبادرتها تحاشياً لأي رفض من أي طرف معني بالصراع، وتتكون المبادرة من 7 بنود، وهي:
• انسحاب جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وقوات علي عبد الله صالح من جميع المدن اليمنية. وإلزامهما بإعادة العتاد العسكري، الذي استولوا عليه من مخازن الجيش اليمني.
• عودة السلطة الشرعية إلى الجمهورية اليمنية المتمثلة بالرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وقيادة الحكومة اليمنية وممارسة عملها.
• المسارعة بإجراء انتخابات برلمانية، ورئاسية في أقرب وقت.
• التوافق على حكومة جديدة تضم جميع أطياف الشعب اليمني وأحزابه.
•
• أن تتحول جماعة (أنصار الله) الحوثية إلى حزب سياسي يشارك في الحياة السياسية اليمنية بطرق شرعية.
• عقد مؤتمر دولي للمانحين بهدف مساعدة الاقتصاد اليمني وتنفيذ مشاريع استثمارية.
• تقديم اقتراح بإدخال (اليمن) ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وتأتي الموافقة علي المبادرة العُمانية من قبل أطراف الصراع، أن للسلطنة دورها التاريخي في الوساطات بملفات ساخنة، في مقدّمتها الملف النووي الإيراني. كما لعبت خلال السنوات الأخيرة دورا مهما لحفظ التوازن في منطقة الخليج، وتوفير قناة للحوار بين دول الخليج العربية وجارتها الكبرى إيران.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلي أن ثمة مبادرة جزائرية لم تخرج إلي النور كانت قد أعد لها، هدفت إلي انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء، وعودة البرلمان اليمني الذي تم حله بالإعلان الدستوري الحوثي، ومنح الحوثيين وأنصارهم ضمانات سياسية ودبلوماسية. فقد فضلت الجزائر سحب مبادرتها، لاسيما بعد إدراكها لاحتمالية الرفض السعودي لها، وصعوبة تحقيق ما ورد فيها من بنود علي الأرض، واكتفت بلعب دور الوسيط لإقناع المملكة العربية السعودية بالمبادرة الإيرانية، حيث أعلن عن تحركات جزائرية دبلوماسية لدي السعودية بهدف إقناعها بقبول المبادرة الإيرانية، وذلك في أعقاب زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، مرتضى سرمدي، الذي زار الجزائر الأسبوع الماضي، ولقائه وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، ورئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال.
أهداف إعادة الأمل:
تهدف عملية “إعادة الأمل” التي قررت قيادة التحالف البدء فيها بعد وقف الهجمات الجوية في إطار عاصفة الحزم، إلي عده نقاط؛ وهي: منع ميليشيا الحوثي من التحرك والتمدد مجددا، من خلال استمرار الحظر البحري لمنع تزويد الحوثيين بالسلاح، وكذلك مراقبة جوية وبحرية، سيتم استهداف تحركات الحوثيين من خلالها في حال محاولتهم الإضرار بالمدنيين، إلي جانب مواصلة حماية المدنيين في عدن وإجلاء المدنيين.
فلم يكن من المتوقع القبول بالمبادرة الإيرانية من قبل قوي التحالف، نظرا لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها أن إيران طرف في الأزمة، ويعني قبول مبادرتها، تقوية موقفها علي الأرض، ومن ثم موقف حلفائها، فضلا عن أن المبادرة الإيرانية قد دعت إلي وقف العمليات الفوري، وتقديم ضمانات سياسية للحوثيين، وهو ما لا يمكن قبوله من جانب دول التحالف، إذ جاءت المبادرة الإيرانية بعيدة كل البعد عما تريده دول الخليج بصفة خاصة، في الوقت الذي تبدو فيه المبادرة العُمانية أقرب لما أعلنته المملكة العربية السعودية من أهداف، فضلا عن أن المبادرة العمانية قد جاءت من طرف التزم الحياد لفترة طويلة، وبرع لأكثر من مرة في لعب دور الوسيط النزيه، حيث استطاعت سلطنة عُمان الحصول علي موافقة أطراف الأزمة علي بنود مبادرتها.
وعلي الرغم من الرفض للمبادرة الإيرانية والقبول بالمبادرة العُمانية، فإن ذلك لا ينفي ولا يلغي دورا إيرانيا في إدارة دفة الأمور في المرحلة القادمة، وذلك من خلال التأثير علي الحوثيين وحثهم علي الاستجابة لمتطلبات مرحلة “إعادة الأمل” التي رفض المتحدث الرسمي باسم “عاصفة الحزم” وصفها بأنها هدنة، وأن الخيار العسكري ما زال مطروحا من خلالها، فضلا عن استمرار المراقبة الجوية والبحرية لتحركاتهم.
تحت المجهر:
إذ يمكن القول بأن إيقاف العمليات العسكرية هو اختبار للالتزام الإيراني بامتياز، حيث تتطلب منها المرحلة القادمة وقف دعم الحوثيين وإجبارهم علي الانسحاب إلي صعده، ودخولهم في مفاوضات سياسية لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وينبأ إعلان إيران خبر وقف عملية عاصفة الحزم من قبل قوي تحالف “عاصفة الحزم” بساعات بأن ثمة دورا ضالعا ستلعبه إيران في الحل السياسي الذي ستوفره أو بأحري تمهد له عملية “إعادة الأمل” من خلال توجيه والتأثير علي الحوثيين بما يتوافق مع مصالحها، في وقت لا يخف فيه أن انتهاء “عاصفة الحزم” دون دحر الحوثيين تماما، والاتجاه إلي القبول بمبادرة تدعوهم إلي الانسحاب إلي صعده، يصب إلي حد ما في كفة إيران التي لم تخسر حليفها نهائيا، لاسيما وأنه سيكون جزءا من الحياة السياسية في اليمن وفقا للمبادرة ذاتها، التي ارتضت الأطراف الاحتكام إليها.
ولعل المبادرة العمانية قد جاءت لتقدم حلا لمعضلة التهديد الإيراني بإدخال مساعدات عسكرية جديدة للحوثيين حال عدم توقف عاصفة الحزم، وهو أمر كان من شأنه تصعيب العملية العسكرية في اليمن في ظل تمترس قوات الحوثي في مناطق يصعب قصفها دون خسائر بشرية كبيرة نظرا لاختبائهم وتخزين أسلحتهم في المباني السكنية والمدارس، ومن ثم جعل خيارات التحالف ضيقة، لاسيما وان حاجة اليمنيين للمساعدات الإنسانية قد تزايدت خلال الفترة الأخيرة، ومن هنا يجوز القول بأن “عملية الأمل” هي فرصة لترتيب الأوضاع بشكل جيد، وإتاحة الفرصة لليمنيين لالتقاط الأنفاس في وقت تظل فيه الخيارات السياسية والعسكرية مفتوحة، ومتوقفة علي مدي التزام إيران والحوثيين لبنود المبادرة.
رانيا مكرم
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية