واشنطن – يعول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ضغوط يمارسها، مع حلفاء عرب، على الإدارة الأميركية من أجل إدخال تعديلات على خطط واشنطن لعملية السلام، التي باتت تمثل فرصة لتحقيق اختراق تاريخي فيها، في ظل تعقيد ملفات أخرى تغير شكل المنطقة بوتيرة متسارعة.
وتبدو إمكانية الوصول إلى تسوية نهائية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أسهل كثيرا اليوم من حل أزمة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتعقيدات القوى الشيعية ومستقبل الأكراد في العراق، وحرب اليمن، إلى جانب حرب سورية تتشابك فيها مصالح قوى إقليمية ودولية كبرى.
وساعد على ذلك التراجع الحاد في موقف حركة حماس في قطاع غزة، وانسداد الأفق محليا ودوليا أمام الرئيس محمود عباس، بالإضافة إلى عزل قطر إقليميا، وتقليص مساحة الحركة أمام التحركات الإيرانية في القضية الفلسطينية.
واجتمع الأمير محمد بن سلمان، مساء الثلاثاء، مع كبير مستشاري البيت الأبيض، جاريد كوشنر، ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
وتناول الأمير محمد خلال هذا الاجتماع العشاء مع الرجلين اللذين يشرفان على جهود السلام في الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحضور مايكل بيل، المسؤول الأول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المسؤولين الأميركيين الثلاثة أطلعوا الأمير محمد بن سلمان على خطة السلام التي يعملون على إطلاقها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي انتهت تقريبا، قبل أن تواجه انتكاسة بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
مصادر دبلوماسية عربية: السعودية ترى أن المسألة الفلسطينية هي أساس في حل أزمات الشرق الأوسط برمته، وأن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب أو مواجهة التغوّل الإيراني في المنطقة يجب أن تشمل إيجاد حل عادل لهذه المسألة
وكشفت مصادر قريبة من البيت الأبيض أن واشنطن ترى أن أي حل تعمل عليه الإدارة الأميركية في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يمكن أن ينجح دون بيئة عربية حاضنة ومشجعة، وأن دور السعودية حاليا في المنطقة محدد أساسي لمستقبل الصراع كما مستقبل الحلول المطروحة بشأنه.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) إن الاجتماع “ناقش المصالح المشتركة بين البلدين وسبل تعزيزها، إضافة إلى بحث تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط التي تشكل أهمية كبرى للبلدين”.
كما بحث الجانبان “ضرورة إيجاد حل سلمي ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
وتشهد العلاقات الأميركية الفلسطينية تراجعا حادا منذ إعلان ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017.
ونقل عن متابعين للزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة أن مسألة التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأبعادها المختلفة ستأخذ حيزا كبيرا من محادثاته مع المسؤولين الأميركيين.
وأضافوا أن القيادة السعودية تود استطلاع الأفكار التي يتداولها الفريق الأميركي المناط به الإعداد لما بات يطلق عليه “صفقة القرن”. وأكد هؤلاء أن كثيرا من الأفكار التي تداولها هذا الفريق سابقا تم استبعادها بناء على مشاورات سابقة جرت بين الرياض وواشنطن.
وكان الأمير محمد بن سلمان قد أكد أن الرياض تركز كل مجهوداتها لدفع عملية السلام للجميع، وذلك ضمن حديثه المطول مع برنامج “60 دقيقة” على تلفزيون “سي بي أس″ الأميركي بمناسبة زيارته لأميركا، وذلك ردا على سؤال حول قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس وتأثيره على مسار عملية السلام، والتي يتولى ملفها صهر ترامب ومستشاره كوشنر.
وقال ولي العهد السعودي “نحاول ألا نركز على أي شيء يمكن أن يخلق التوتر (…) لذا أحاول أن أركز على الأشياء التي تدعم مصالح الشعب الفلسطيني ومصلحة الجميع″.
وتقول مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة الأميركية إن السعودية ترى أن المسألة الفلسطينية هي أساس في حل أزمات الشرق الأوسط برمته، وأن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب أو مواجهة التغوّل الإيراني في المنطقة يجب أن تشمل إيجاد حل عادل للمسألة التي تقض مضجع المنطقة منذ أربعينات القرن الماضي.
وبات الوصول إلى حل إمكانية قريبة أكثر من أي وقت مضى، إذ يهيمن اتجاه في السعودية على التعويل على اتفاقات أوسلو، والبناء عليها، ودفع الطرفين إلى تقديم تنازلات تسمح بالوصول إلى حل نهائي.
ولا تبدو نفس النظرة المتفائلة مؤكدة بخصوص ملفات أخرى، بات ينظر إليها باعتبارها أكثر تعقيدا بكثير في المنطقة.
وتقول مصادر في واشنطن إن تطابقا جرى بين السعودية والولايات المتحدة بأن تنامي التطرف والإرهاب مرتبط أيضا بحالة التوتر الناتجة عن الصراع الطويل حول المسألة الفلسطينية في المنطقة.
وتكشف بعض المعلومات أن واشنطن عاجزة عن إنتاج “صفقة القرن” بالإيقاعات السريعة التي تحدث عنها ترامب. وتقول المعلومات إن رد الفعل العربي والإسلامي والدولي ضد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة ساهم في تعديل كثير من الأفكار التي كانت جاهزة لإعلان صفقة القرن.
وتضيف المعلومات أن واشنطن باتت مقتنعة بأن تسويق هذه الصفقة ما زال خيارا غير ناضج، وأن البيئات المحلية والإقليمية والدولية ليست حاضنة لأي مبادرات صادمة قد تفرضها واشنطن على أطراف النزاع في المنطقة.
ولفتت مصادر دبلوماسية أميركية إلى أن واشنطن مهتمة جدا بالاستماع إلى وجهة نظر ولي العهد السعودي، خصوصا بعد صدور مجموعة من المواقف عنه تؤكد الثوابت السعودية المتطابقة مع الثوابت العربية لجهة استمرار اعتماد المبادرة العربية للسلام المتأسسة على قاعدة إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضافت هذه المصادر أن واشنطن لا ترى في الموقف السعودي نقيضا لمساعيها من أجل الحل في هذا الصراع، خصوصا وأن واشنطن أكدت في أكثر من مناسبة، وخصوصا على لسان السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، أن “الولايات المتحدة لم تتخذ موقفا حول الحدود أو المحددات الرئيسية، وأن الأبعاد المحددة للسيادة على القدس لا تزال موضوعا يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يقرروه في المفاوضات”.
لكن مراجع أميركية أخرى أشارت إلى أن الاجتماع الذي جمع ولي العهد السعودي بجاريد كوشنر كان بطلب أميركي، وهدفه إضافة إلى مناقشة سبل السلم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إعادة تأكيد الموقع الذي يحتله كوشنر داخل الإدارة الأميركية بعد الجدل الأخير حول دور صهر ترامب داخل الإدارة وحجب بعض المعلومات الاستخبارية عنه.
ونقل عن مصادر سعودية في واشنطن أن مداولات الأمير محمد بن سلمان مع المسؤولين الأميركيين في مسألة الصراع الفلسطيني ستكون أساسية في تحديث القراءات الأميركية لشؤون هذا الملف، وأن متابعة حثيثة تجري بين البلدين للعمل على تنسيق المواقف بما يتسق مع حالة التناغم والتنسيق الجارية بين البلدين في كافة الملفات الأخرى في المنطقة.
العرب