القدس – اتهم ستة قادة سابقين للمخابرات الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الثلاثاء بتعريض مستقبل إسرائيل للخطر في الذكرى السبعين لحرب 1948، وذلك في مؤشر على توسع دائرة القلق الوجودي لدى إسرائيل التي خرجت من مركز الاهتمام الدولي كوكيل لحماية المصالح الغربية في الشرق الأوسط إلى وضع وكيل ثانوي بعد أن أصبحت الولايات المتحدة تتولى بنفسها مهمة مصالحها بشكل مباشر.
وقال 6 رؤساء سابقين لجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية “الموساد”، إنهم قلقون على مستقبل إسرائيل، في ظل قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. جاء ذلك في حديث أجرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، مع رؤساء الموساد السابقين تسفي زامير (93 عاما) وناحوم أدومني (88 عاما) وشبتاي شافيت (78 عاما) وداني ياتوم (73 عاما) وإفرايم هاليفي (83 عاما) وتامير باردو (65 عاما).
وطالب داني ياتوم الذي رأس الموساد أثناء الولاية الأولى لنتنياهو في أواخر تسعينات القرن الماضي، بالإطاحة بنتنياهو واتهمه ومساعديه “بتقديم مصالحهم على مصالح الدولة” وسط تحقيقات فساد.
وقال تسفي زامير الذي رأس الموساد في الفترة من 1968 حتى 1974 ليديعوت أحرونوت “لدينا أبناء وأحفاد وأبناء أحفاد هنا وأنا أريدهم أن يعيشوا في دولة في صحة جيدة والدولة عليلة”.
واعتبر شبتاي شافيت “كرجال مخابرات، فإن أهم قدراتنا هي توقع المستقبل، وأنا أسأل نفسي أي بلد أتركه لأحفادي؟ ولا أستطيع إعطاء إجابة!”.
واعتبر مراقبون لمسارات الشرق الأوسط أن القيادات الإسرائيلية التي عاشت مرحلة التسيّد الإسرائيلي الكامل في الشرق الأوسط لم تستوعب بعد كيف يمكن لتل أبيب السماح بظهور قوى أخرى في المنطقة يمكن أن تهدد هذا التسيّد، فضلا عن أن الولايات المتحدة لم تعد تراهن على الإسرائيليين في تنفيذ عمليات بالوكالة، وأصبحت تتولى مختلف المهمات بنفسها.
وبعد أن صارت الولايات المتحدة موجودة بكثافة في المنطقة بعد حرب 1991 على العراق (ضمن مظلة إقليمية لا تشمل إسرائيل)، وموجودة بكل قوتها بعد غزو العراق في 2003 (بتحالف مباشر مع إيران)، تراجعت أهمية إسرائيل الاستراتيجية رغم الإبقاء على الاهتمام المعنوي بها.
ولاحظ المراقبون أن ما تقوم به إسرائيل صار محدود التأثير ولا يعطي انطباعا بأنها لا تزال تمتلك اليد الطولى لفرض الأمر الواقع في المنطقة، وبقيت تحركاتها محصورة بشكل مباشر في الضفة وغزة، لافتين إلى أن حزب الله اللبناني لم يعد يأخذ التهديدات الإسرائيلية المتتالية مأخذ الجدّ لكون تل أبيب تحتاج إلى ضوء أميركي أخضر قبل أي مغامرة.
وأشاروا إلى أن العمليات المتقطعة التي تقوم بها إسرائيل بين فترة وأخرى ضد مواقع في سوريا، هي رسائل موجّهة إلى إيران وأدواتها في المنطقة بأن تل أبيب لا تزال قادرة على استهداف مواقع خصومها، لكنه استهداف محدود بسبب الضوابط التي تضعها واشنطن على توقيت المواجهة وحجمها والجهة التي تبادر إلى ذلك.
ولم تعد إسرائيل تمتلك القدرة على اتخاذ القرار السريع دون أن تضع في حسابها وجود روسيا في سوريا، ولم تفض رغم الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وعلى أعلى مستوى إلى أي نتيجة.
ويميل محللون سياسيون إلى أن الإحساس بتكبيل الأيدي، هو الذي يدفع إسرائيل إلى استدعاء التاريخ للبرهنة على قدرتها في التسيّد، من ذلك اعترافها ولأول مرة بقصف ما يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري عام 2007.
ونشر الجيش الإسرائيلي وثائق لم تعد سرية وتشمل لقطات من قمرة القيادة وصورا ووثائق من المخابرات، بشأن غارته الجوية في السادس من سبتمبر 2007 على منشأة الكبر قرب دير الزور في شرق سوريا.
وبدا واضحا من تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، على هذا الاعتراف بأن إسرائيل تستعيد التاريخ لتخويف خصومها في ظل محدودية التأثير الحالي. وقال ليبرمان في هذا السياق “إن على المنطقة كلها استيعاب الدرس من الضربة التي وجهتها إسرائيل عام 2007 ضد ما يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري”، في إشارة واضحة إلى إيران.
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قد دمرت مفاعل تموز “أوزيراك” النووي العراقي خارج بغداد في عملية حملت اسم أوبرا عام 1981.
ويعتقد المحللون أن صدور موقف زعماء الموساد السابقين لا يرتبط بالحرب على الفساد بقدر ما يعكس إحساسا عميقا بالتراجع في ضوء استلام الولايات المتحدة مهمة حماية مصالحها بنفسها، فضلا عن صعود قوى إقليمية أخرى بشكل لافت مثل إيران والسعودية وتركيا بما قد يهدد استراتيجيا التسيّد الإسرائيلي للمنطقة.
واستجوبت الشرطة نتنياهو، الاثنين، في ما يتردد عن تعاملات له مع أكبر شركة للاتصالات في البلاد، وذلك في واحدة من بين ثلاث قضايا فساد تخيم على مستقبله السياسي.
وأبدى ياتوم كذلك قلقه من “قوة الدفع الذاتي على الساحة الدبلوماسية التي تقودنا إلى دولة ذات شعبين (مع الفلسطينيين) وهو ما يعني نهاية (إسرائيل) كدولة يهودية ديمقراطية”.
وتجمدت المفاوضات على “حل الدولتين” للصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 2014. ويرى البعض أن إسرائيل، إذا لم تنسحب من الأراضي المحتلة، قد تواجه ذات يوم اختيارا بين الديمقراطية أو حماية الأغلبية اليهودية بحرمان الفلسطينيين من حق التصويت.
وأظهرت بيانات أوردها مسؤولون إسرائيليون الاثنين أن أعداد اليهود والعرب بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، متساوية أو متقاربة.
وأضاف زمير “نحن في حالة صحية حرجة. ربما كانت الدولة تعاني من بعض الأعراض عندما تولى نتنياهو السلطة لكنه أوصلها إلى حالة خطيرة من مرض خبيث”.
ولم يرد مكتب نتنياهو على طلب التعليق.
وكتب وزير التعليم نفتالي بينيت، وهو من المتشددين في الائتلاف الحاكم المحافظ على تويتر شاجبا مزاعم قادة الموساد باعتبارها ببساطة “غير حقيقية”.
وقال بينيت الذي يروج لنفسه باعتباره خليفة محتملا لنتنياهو “الدولة في حالة رائعة”. وأضاف “صالح الدولة هو المقدّم بين أغلب قادتنا.. إسرائيل تسير في اتجاه جيد”.
العرب