وفقا لصحيفة “واشنطن تايمز” ومصادر أخرى، تعتزم الصين بناء قاعدة بحرية وجوية في “خليج جيواني” في جنوب غرب باكستان على مقربة من الحدود مع إيران وعلى بعد 500 كيلومتر تقريباً من مضيق هرمز. كما تقوم بكين ببناء ميناء تجاري ضخم في مدينة جوادر التي تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً شرق جيواني عند نهاية “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني”. وفي حين التزم المسؤولون الصينيون الصمت حيال التقارير حول جيواني منذ نشرها للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير، إلّا أنّ باكستان لم تكترث لها واعتبرتها “دعاية” تهدف إلى تشويه سمعة مشروع الممر. ومع ذلك، تتّبع الخطط المزعومة نمط الأنشطة العسكرية الصينية الأخرى في المنطقة، الأمر الذي يثير القلق في الهند وإيران ودول أخرى.
المبررات الإستراتيجية وراء التحركات
في عام 2015، أصدرت بكين تقرير حكومي عسكري رسمي حدَّدَ [النقاط الرئيسية] لسياسة جديدة من “الدفاع النشط”، وطرح تصورات باضطلاع القوات المسلحة الصينية بدور عالمي بشكل أكبر من أجل حماية مصالح البلاد في الخارج. وتشمل هذه المصالح التدفق المستمر للنفط من الشرق الأوسط – علماً بأن الصين كانت قد استوردت حوالي 7.6 مليون برميل من النفط الخام يومياً في عام 2016، جاءت أكثر من 70 في المائة منها من منطقة الخليج.
ولغاية العقد الماضي، كان الوجود العسكري الصيني محدود للغاية في بحر العرب والطرق المائية المجاورة، مما أبقى أمامها خيارات محدودة فقط لحماية مصالحها هناك. ومع ذلك، ففي عام 2009، بدأت بكين مهمتها لمكافحة القرصنة في خليج عدن، مما مكّنها من نشر قوات بحرية في المنطقة إلى أجل غير مسمى. وفي عام 2017، افتَتحت قاعدةً بحرية كبيرة في جيبوتي المجاورة تطلّ على المضيق الاستراتيجي باب المندب.
وصوّرت بكين هذا المشروع الأخير كمساهمة في أمن المنطقة وتنميتها، وشمل ذلك إنشاء سكة حديدية إلى إثيوبيا التي لا تملك منفذاً بحرياً. ومع ذلك، فإن الأخبار عن مبادرة جيواني المزمعة قد تمنح قاعدة جيبوتي أهميةً مختلفة. ففي حال إنجازهما، ستضع القاعدتان القوات الصينية على مدخل ممرين مائيين دوليين حيويين من الناحية الاستراتيجية، مما قد يسمح لبكين بتقييد تحركات خصومها في المنطقة كجزء من استراتيجية عدم الوصول/منع الوصول أكثر شمولاً من طراز (“إيه 2/إيه دي” A2/AD) (التي يُطلق عليها الصينيون اسم “هجمات مضادة استراتيجية نشطة على الخطوط الخارجية” أو (ASCEL)).
أما بالنسبة لميناء جوادر البحري العميق، فمن المزمع أن يصبح أحد أكبر المرافئ من نوعه في العالم، قادراً على التعامل مع الأسطول الصيني المخطط له من حاملات الطائرات والغواصات النووية الكبيرة. ويُعتبر أيضاً بمثابة جزء حيوي من “مبادرة الحزام والطريق” التي تقوم بها بكين، وتقدّر قيمتها بنحو 57 مليار دولار وهو مشروع عارضته الهند بقوة – ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يخترق منطقة كشمير المتنازع عليها، كما أنه قد يساعد الصين على الهيمنة على الطرق التجارية في المحيطين الهندي والهادئ. ووفقاً لبعض التقارير، سيتمكن المرفأ الجديد من مناولة حمولة تصل إلى 400 مليون طن سنوياً عندما يعمل بطاقته الكاملة في عام 2019.
وعلى الرغم من أن جوادر تقع في الأراضي الباكستانية، يشعر العديد من المراقبين بالقلق من أن الصين سوف تتولى في النهاية السلطة الكاملة على الميناء. وهذه المخاوف لا تفتقر إلى أساس – فبالإضافة إلى تأمين اتفاقية البناء والتشغيل والنقل لمدة أربعين عاماً لميناء جوادر، نفّذت بكين عملية استحواذ مماثلة على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا، حيث قامت أولاً ببناء الميناء وبعد ذلك تولت السيطرة الكاملة عليه [كطريقة] لسداد الديون.
على أعتاب إيران
لم يعلق المسؤولون الإيرانيون حتى الآن علانية على أخبار بناء قاعدة في جيواني أو على زيادة النزعة العسكرية الصينية في المحيط الهندي. وقد يعود السبب في ذلك إلى فهمهم رغبة الصين في حماية مصالحها التجارية من خلال المساعي التي تقوم بها لإحياء “طريق الحرير” ويدرسون حصتهم المستقبلية المحتملة في هذا المسعى. وحتى مع ذلك، فإن النمو السريع والنية غير المؤكدة للوجود الأمني الصيني على الحدود يجعل إيران تفكر بالأمر، كما يتضح في العديد من تقارير وسائل الإعلام المحلية وتحليلات الخبراء.
وفي عام 2016، افتتحت إيران مرفأً سيكون في النهاية تمديداً لميناء تشابهار بقيمة مليار دولار، وهو الميناء الوحيد ذو المياه العميقة لديها، ويقع على بعد 116 كيلومتراً من شبه جزيرة جيواني. وتمّ تمويل المشروع بالاشتراك مع الهند بهدف محدد هو إنشاء ممر تجاري مباشر إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، دون المرور بباكستان. وقد قدمّت الهند التمويل بمباركة إدارة أوباما.
لكن من غير الواضح ما إذا كانت طهران ستطلب الآن من باكستان أن تخفف الخطط العسكرية الصينية الخاصة بجيواني – في محادثة قد تنطوي على الجزرات أو العصي. وفي 11 آذار/مارس، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إسلام آباد في محاولة لزيادة التبادلات التجارية الثنائية من مليار إلى 5 مليارات دولار. وخلال هذه الزيارة، قدّم عرضاً مفاجئاً لباكستان (والصين بشكل غير مباشر) للانضمام إلى جهود التوسّع الإيرانية-الهندية في تشابهار، التي لا تضاهي مشروع جوادار الضخم حتى في حدود قدرته القصوى المتوقعة البالغة 80 مليون طن. وقد تمّ تقديم العرض على الرغم من المنافسة القائمة بين إسلام آباد والهند، ورغم “خط أنابيب غاز السلام” الفاشل الذي كان يهدف إلى تصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى الهند عبر باكستان. كما سعت طهران إلى الدخول في مشروع “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني”، لكن طلبها لم يُستجب حتى الآن، على الرغم من إقدام بكين على دعوة أفغانستان للانضمام إليها في كانون الأول/ديسمبر.
وفي غضون ذلك، تقوم البحرية الإيرانية ببناء واحدة من أكثر منشآت جمع المعلومات الاستخبارية تطوراً على مقربة من خليج جيواني في بسابندر. فهي تعمل على إنشاء قاعدةً هناك منذ بعض الوقت في إطار استراتيجية تهدف إلى تعزيز الوجود العسكري والتجاري على خط “مكران” الساحلي المهمل (في خليج عُمان)، غير أن وتيرة التقدّم كانت بطيئة للغاية.
التداعيات الجغرافية السياسية
على الرغم من الشراكة مع الهند بشأن مشروع تشابهار، تحرص إيران على أن تُظهر لباكستان أن مثل هذه الروابط لا تهدف إلى الانحياز إلى جانب منافستها. وبناء على ذلك، عرضت طهران تعزيز الروابط العسكرية الثنائية مع إسلام آباد في محاولة واضحة لإرساء الأساس للتحالف الإيراني-الباكستاني-الصيني المستقبلي.
ومع ذلك، إذا استمرت الصين في تنفيذ خططها بشأن جيواني من دون تقديم تنازلات كبيرة إلى الإيرانيين، فقد تقرر طهران منح حقوق طارئة من “الدعم اللوجستي” إلى الجيش الهندي في تشابهار، على غرار الطريقة التي سمحت فيها للمقاتلات الروسية بتنفيذ ضربات جوية في سوريا من أراضيها في عام 2016 (على افتراض أن تقدم الهند في الواقع كامل التمويل الذي تعهدت به لإنشاء المرفأ). ولا تزال قوة الهند البحرية في المحيط الهندي تفوق قوة باكستان والصين مجتمعتين، لذلك فمثل هذا العرض لن يكون كبيراً بحدّ ذاته. ومع ذلك، فمن شأن وجود قاعدة في جيواني أن يسمح للصين بمراقبة الممر البحري الهندي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى.
وعلى نطاق أوسع، فإن القاعدة في جيواني قد تمنح بكين خيار توسيع استراتيجيتها بـ “عدم الوصول/منع الوصول” إلى مسرح عمليات الأسطول الأمريكي الخامس – وهو أحد المخاوف التي تساور واشنطن منذ فترة طويلة. وسوف تستفيد إيران من الخصومة المحلية بين القوتين العظمتين، لكن فقط إذا كانت مصالحها الخاصة غير مهددة.
وخلال الصيف الماضي، زار أسطول بحري صيني ميناء بندر عباس الإيراني، وصدرت تقارير غير مؤكدة عن إمكانية قيام تعاون عسكري محتمل بين البلدين. وفي حين تحتاج طهران إلى مساعدة أجنبية لتحديث أسطولها البحري، تُعتبر الصين شريكاً محتملاً في هذا الشأن، بعدما أصبحت بالفعل مزوداً ثابتاً للمعدات البحرية إلى باكستان (ومن بينها بيع غواصات من نوع يوان). لكن يبدو أن طهران تدرك حدود التعاون العسكري المحتمل مع بكين – ففي 23 كانون الثاني/يناير، اقترح الجنرال رحيم صفوي، أحد مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، تأسيس تحالف [إقليمي] يضم روسيا وباكستان وإيران وسوريا لمواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وقد أغفل عن ذكر الصين بشكل ملحوظ.
الخاتمة
يحتل تنفيذ خطط إيران الطموحة لتطوير تشابهار وسائر ساحل مكران موقعاً متأخراً بسبب العقوبات الدولية، وسوء الإدارة، والمقاومة المتأصلة للنظام فيما يتعلق بتطوير مناطقه الحدودية. وفي النهاية، قد تقرر الهند أن التعاون مع طهران من أجل مواجهة التعاون البحري الصيني -الباكستاني ليس بنفس أهمية الحفاظ على علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة.
وفي الوقت الحاضر، إذن، من المرجح أن تنتظر الهند والصين لترى كيف ستتعامل إيران مع الغرب فيما يتعلق برفع المزيد من العقوبات ومعالجة مسائل عالقة أخرى (على سبيل المثال، انتشار الصواريخ وانتهاكات حقوق الإنسان). وفي الوقت نفسه، ستبذل طهران كل ما في وسعها لتحسين قدراتها الاستخبارية والعسكرية على مقربة من قاعدة الصين المستقبلية في بحر العرب.
فرزين نديمي
معهد واشنطن