يوم الأرض.. وجه آخر للنكبة

يوم الأرض.. وجه آخر للنكبة

بينما كان سليمان فحماوي اللاجئ داخل وطنه يواصل النضال لتحقيق حلم العودة إلى قرية أم الزينات بقضاء حيفا التي هجر منها أثناء النكبة إلى أم الفحم اصطدم مثل أبناء الداخل الفلسطيني في 30 مارس/آذار 1976 بكابوسالتهجير والتشريد مرة أخرى.

ويشارك فحماوي (35 عاما) مثل غيره من فلسطينيي الـ48 في فعاليات يوم الأرض لهذا العام التي تمثل انطلاقة لإحياء ذكرى النكبة وتنظيم مسيرة العودة التقليدية في أبريل/نيسان ومايو/أيار من كل عام، إذ تقام مجموعات من النشاطات التي تنظمها المؤسسات والأحزاب السياسية والحركات الوطنية.

تتعدد المحطات وتتنوع الفعاليات بين محاضرات توعوية للتعريف بالذكرى والمناسبات الوطنية، ومعارض فنية وأمسيات شعرية وثقافية توثق التاريخ وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بالحرية والاستقلال.

توعية وتنشئة
كسر فحماوي حاجز الخوف وتجدد لديه الأمل وتسلح بأرض الوطن وإن تفجرت معاناة اللجوء ثانية حين بدأت الأحداث الأولى ليوم الأرض بمظاهرة شعبية في دير حنا احتجاجا على قرار الحكومة الإسرائيلية مصادرة ستين ألف دونم (ستة آلاف هكتار) لتهويد الجليل فقمعت الأذرع الأمنية للاحتلال هذه المظاهرات بقوة الرصاص والنيران، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين وسقوط مئات الجرحى واعتقال مثلهم.

تحديات وصعوبات عاشها فلسطينيو الـ48 ومعارك ما زالوا يخوضون فصولها مع المؤسسة الإسرائيلية بالصراع على الأرض والحفاظ على الهوية والذاكرة الجماعية، كما قال فحماوي الذي كان شريكا في تأسيس لجنة الدفاع عن الأراضي والمبادر إلى إقامة لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين بالوطن.

من ركام اللجوء يستنفر فحماوي كما الداخل الفلسطيني في مارس/آذار من كل عام بإحياء الذكرى عن طريق زيارة أضرحة الشهداء ومسيرات تقليدية في مثلث يوم الأرض بالجليل، وإقامة فعاليات تراثية ووطنية وفنية وتثقيفية وتربوية والتي لا تقتصر على سرد الأحداث التاريخية.

ويقول اللاجئ في وطنه إن إحياء ذكرى الأرض “يهدف لتعميق الوعي لدى النشء وترسيخ الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني حول حقوقه وتمسكه بوطنه، ومواصلة النضال للحرية والتحرر، والتأكيد على المواجهة في حرب متصلة بالصراع على الوجود”.

مسيرات ومهرجانات
في الذكرى الـ42 ليوم الأرض دعت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بالداخل الفلسطيني إلى المشاركة في إحياء الذكرى، وذلك بالمسيرة التي ستحتضنها بلدة عرابة عصر الجمعة، وكذلك المشاركة في اليوم نفسه بمهرجان النقب الذي يقام في قرية جرابا المهددة بالهدم والإخلاء أسوة بأربعين قرية مسلوبة الاعتراف يقطنها نحو 120 ألفا من بدوفلسطين يواجهون مخطط مصادرة أراضيهم الممتدة على مساحة ثمانمئة ألف دونم (ثمانون ألف هكتار) في صحراء النقب.

وتأتي ذكرى يوم الأرض مع مخطط لمد خط كهرباء ضغط عال (أربعمئة كيلووات) فوق أراضي الروحة قضاء أم الفحم، وعليه تنظم يوم السبت مسيرة الروحة التي تنطلق من مدخل قرية معاوية رفضا وتصديا للمشروع الذي يتهدد ثمانية آلاف دونم (ثمانمئة هكتار) من أصل عشرين ألفا (ألفا هكتار) تم استعادتها وتحريرها من المصادرة العسكرية بعد هبة الروحة التي اندلعت عام 1998 واستمرت لعدة أيام، إذ اضطرت وزارة الأمن الإسرائيلية إلى توقيع اتفاقية مع اللجنة الشعبية في وادي عارة تقضي بإلغاء الأوامر العسكرية وضم عشرين ألف دونم لنفوذ البلدات العربية.

وشكل يوم الأرض الأول -الذي يرى فيه فحماوي وجها آخر للنكبة- محطة فارقة في العلاقة بين المؤسسة الإسرائيلية والداخل الفلسطيني، ويقول “لقد تم رفض القبول بتكرار مشاهد اللجوء في العام 1948”.

وفي مارس/آذار 1976 تم التأكيد على “أنه لا خوف بعد اليوم، فحاجز الخوف تحطم، وعامل المواجهة تعزز في سيرورة للحفاظ على ما تبقى من أرض، ومواصلة الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية ورفض المساومة وتعميق الوعي الحفاظ على الثوابت الفلسطينية واسترجاع كافة الحقوق”.

نضال وصمود
في بلدة الطيبة المتاخمة لحدود الرابع من يونيو/حزيران رفع الأذان قبل موعده يوم 30 آذار/مارس 1976، عندها خرج أحمد ملحم الذي كان طالبا في المرحلة الثانوية برفقة الطلاب للشوارع رغم أن حصار قوات الاحتلال أخذ يحيط بالمكان وأعمدة الدخان تلف البلدة القديمة، إلا أنه عرف برفع الأذان باستشهاد رأفت الزهيري في أول مواجهة دموية للداخل الفلسطيني مع أجهزة الأمن الإسرائيلية بعد انتهاء الحكم العسكري عقب حرب يونيو/حزيران 1967.

مشاهد المواجهات الأولى بعد انتهاء الحكم العسكري والتي وقعت فيها المجازر ترسخت في ذهن ملحم، ويعتقد أن يوم الأرض بمثابة فصل آخر من فصول النكبة المبطنة التي تأخذ مناحي متعددة ومختلفة بمصادرة آخر ما تبقى من أرض لفلسطينيي الـ48 البالغ تعدادهم مليونا ونصف المليون، وبقي بملكيتهم نحو ثمانمئة ألف دونم (ثمانون ألف هكتار) علما أنهم تملكوا في ستينيات القرن الماضي قرابة مليوني دونم (مئتا ألف هكتار).

ويقول ملحم للجزيرة إن ذكرى يوم الأرض تحل هذا العام في “ظل صمود بوجه مخططات التهجير والترانسفير المقنع، واستمرار المعركة على ما تبقى من أرض مهددة بالمصادرة، والنضال على توسيع مناطق نفوذ ومسطحات البلدات العربية، واستعادة بعض من الأراضي المصادرة، وإنقاذ ما تبقى من مقابر ومساجد وكنائس بالقرى الفلسطينية المهجرة”.

محمد محسن وتد

الجزيرة