بغداد – تتزايد الشكوك بشأن إمكانية ضمان سلامة العملية الانتخابية المرتقبة في العراق، كون الظروف الموضوعية القائمة إلى حدّ الآن، وقبل أقلّ من شهر ونصف من موعد الانتخابات المحدّد بالثاني عشر من مايو القادم، لا تبدو مهيأة لإجراء اقتراع وفق المعايير الدولية المتعارف عليها، لا لجهة المسائل التنظيمية والوسائل التقنية والبشرية، ولا لجهة المناخ السياسي السائد والمشجّع على التنافس غير الشريف.
وتضاف إلى ذلك الظروف الصعبة لقسم كبير من الناخبين ما يجعلهم إمّا غير معنيين بالمشاركة في العملية الانتخابية وإما غير قادرين أصلا على المشاركة لإقامتهم في مخيمات النزوح بعيدا عن مواطنهم الأصلية التي غادروها بسبب حرب داعش، أو ما يجعلهم، إذا مُكّنوا من المشاركة، عرضة للابتزاز والمتاجرة بأصواتهم نظرا لهشاشة أوضاعهم.
ويكتسي التحذير من عدم سلامة الانتخابات قدرا أكبر من الجديّة عندما يصدر عن أطراف أساسية في العملية الجارية بالعراق ومطّلعة على كواليسها وخباياها، على غرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي يواصل إطلاق تحذيراته من إمكانية تزوير نتائج تلك الانتخابات، مجدّدا دعوته إلى إشراف أممي عليها.
ويرفض مقربون من الصدر، تحدثوا مع “العرب”، تحديد الجهة التي يعنيها الصدر بإمكانية التورط في تزوير نتائج الانتخابات، وسط استمرار التوتر في العلاقة بين زعيم التيار الصدري، ومعظم حلفاء إيران في العراق، وفي مقدمتهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
ولدى المالكي نفوذ قديم في مفوضية الانتخابات يعود إلى مرحلة ولايته الثانية التي استهلك معظمها في ضرب خصومه، وفي مقدمتهم الصدر، والتمدّد داخل مؤسسات الدولة، حيث زرع العديد من أتباعه فيها.
وعندما سأله أحد أتباعه، الاثنين، عن الموقف من الشكوك المحيطة بمفوضية الانتخابات، وإمكانية حدوث عمليات تزوير واسعة، تسهم في “بقاء الوجوه الفاسدة نفسها”، رد الصدر، بأن “التزوير هو أمر مظنون، لذلك ندعو إلى إشراف أممي مستقل”.
ودعا الصدر، مفوضية الانتخابات إلى المزيد من الشفافية والمصداقية في التعامل مع صناديق الاقتراع، فيما خاطب جمهوره قائلا إنّ مقاطعة الانتخابات لن تخفف من التزوير بل ستسهل المهمة على المزورين.
لا شيء يمنع تزوير الانتخابات المرتقبة في العراق؛ لا الظروف الموضوعية والوسائل المادية، ولا المزاج السياسي المكرّس للتنافس غير الشريف. وهو ما يدركه زعيم التيار الصدري ويخشى أن يستخدم ضدّه مجدّدا، ويحاول التحسب له بشكل مبكّر
وكان الصدر قد حذّر في وقت سابق من تزوير نتائج الانتخابات، مطالبا الأحزاب السياسية بالضغط من أجل منع ذلك، ما سبب حرجا لحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي التي تجرى الانتخابات تحت إشرافها.
ولا يزال الصدر، بالنسبة للكثير من المراقبين في بغداد، يقف في صف العبادي بمواجهة نفوذ إيران بالعراق، بالرغم من ملاحظاته الكثيرة على أداء الحكومة وتعثرها في معالجة ملفات يدعو زعيم التيار الصدري إلى مقاربتها بجديّة، وأهمها محاربة الفساد ومحاسبة المتسببين في سقوط الموصل، في إشارة إلى المالكي وحاشيته.
وتقول مصادر سياسية في بغداد إن الصدر لم يعد يتأثر كثيرا بدوائر النفوذ الإيرانية العاملة في العراق.
وفي مؤشر واضح عن هذا المعطى، وجه الصدر انتقادا غير مباشر لأحزاب سياسية موالية لإيران حشدت المئات من أتباعها في تظاهرة ببغداد، رافضة لزيارة -لم تتقرّر أصلا- لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العراق، وكان الإعلام قد تحدّث عنها على سبيل التخمين، إلى أن جاء النفي السعودي بشأن عدم وجودها على أجندة ولي العهد.
وبدا أن الصدر غاضب من العبادي، عندما فتح الأخير باب المفاوضات مع ممثلين لفصائل مسلحة موالية لإيران تنضوي تحت راية الحشد الشعبي لتشكيل قائمة موحدة لخوض انتخابات مايو القادم.
لكن انفراط عقد تحالف العبادي والحشد سريعا، أعاد شيئا من الثقة للصدر برئيس الحكومة العراقية، بحسب مراقبين.
ويخشى الصدر، أن يلتقي نفوذ المالكي في أجهزة الدولة، بسلاح الفصائل الموالية لإيران، لإحداث تغيير كبير في واقع النتائج الانتخابية.
ويعتقد مقربون من الصدر أن المالكي وقادة الفصائل الشيعية المسلّحة لن يفوزا في الانتخابات إلا بالتزوير. فيما الفوز بتلك الانتخابات مسألة “مصيرية” إذ ستحدّد من يحكم البلد بعد تجربة حرب داعش المريرة، وستكون بالتالي مؤثرة في رسم سياسة البلد داخليا وخارجيا بما في ذلك موقعه من صراع النفوذ الذي يدور حوله.
ويلمس الصدريون في أنفسهم القدرة على إحداث تغييرات هامّة لجهة الحدّ من الفساد والتخفيف من حدّة التوتّر الطائفي. ويرون أن تحالفا من أتباع إيران في العراق همّش دورهم، وقد سعوا لاستثمار حالة النقمة الشعبية على تجربة الحكم الماضية في تأليب الشارع ضدّ كبار قادتها، خصوصا وقد أظهر الصدر قدرة على تحريك الشارع وضبط إيقاعه.
ولا يتردد أنصار التيار الصدري في التعبير عن استعدادهم للنزول إلى الشارع في حال أيقنوا من تزوير نتائج الانتخابات وعودة الفاسدين إلى الواجهة. وما تحذير الصدر من التزوير إلاّ بمثابة إعلان لحالة طوارئ شعبية لمواجهة محتملة مع من دأب على تسميتهم بالفاسدين والمزوّرين.
العرب