في العام 1994 توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق نووي مع كوريا الشمالية، وقد قالت إدارة الرئيس كلينتون وقتها إن هذا الاتفاق سيوقف البرنامج الكوري الشمالي النووي العسكري ويمنعها من إنتاج أسلحة نووية، وإن هناك ضمانات بهذا الشأن سيتم متابعتها من خلال آلية التحقق عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي، كما ستحصل كوريا الشمالية في المقابل على مغريات «نووية وصناعية واقتصادية ومالية» تحفزها على الالتزام بالاتفاق لأنها ستخسر الكثير حينها إذا ما خرقته أو لم تلتزم به».
طبعا النتيجة كانت كما ذكرنا في مقالات سابقة أن كوريا الشمالية أقامت برنامج تخصيب سريا بموازاة موافقتها على هذا الاتفاق، وانتهى الأمر بها بخرق الاتفاق وإجراء أول تجربة نووية عام 2006، ثم الاختبار الثاني عام 2009، والثالث عام 2013، وهناك تقديرات مختلفة بشأن عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها اليوم، لكن الولايات المتحدة تقدر أنها تمتلك ما بين 10 إلى 16 رأسا نوويا.
خلال الأيام القليلة الماضية، تناول عدد من الخبراء موضوع كوريا الشمالية كنموذج عن فداحة الاتفاق الذي أعدته إدارة أوباما للتعامل مع الملف النووي الإيراني، والمخاطر والنتائج الكارثية التي سيفرضها على منطقة الشرق الأوسط والعالم. وكعادتها في الدفاع المستميت عن الاتفاق، قامت إدارة أوباما بالرد على ذلك عبر تصريحات متعددة كان أبرزها في 23 أبريل، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن أي اتفاق سيتم عقده مع إيران سيختلف بشكل جذري عن الاتفاق الذي تم مع كوريا الشمالية سابقا.. وإن القيود بالإضافة إلى إجراءات التفتيش والتحقق الواردة في الاتفاق أعمق بكثير من تلك التي فرضت على كوريا الشمالية.
هممم، «إجراءات التفتيش والتحقق»!، لا نريد التطرق لهذا الموضوع فقد فندناه بالتفصيل في مقالات سابقة وتبين أن لا قيمة له بتاتا، لكن يبدو أن إدارة أوباما لا تريد التعلم من دروس الماضي، فكوريا الشمالية لم تفاجئ الأميركيين والمجتمع الدولي آنذاك فقط، بل هي لا تزال تفاجئهم حتى هذه اللحظة بالذات.
قبل عدة أيام، حذر خبراء صينيون نظراءهم الأميركيين من أن كوريا الشمالية قد تكون تمتلك الآن ما يتجاوز التقديرات الأميركية، ويصل إلى 20 رأسا نوويا، وأنها طورت قدراتها في تخصيب اليورانيوم بشكل يسمح لها بمضاعفة ترسانتها النووية العام القادم! وقد تزامنت هذه المعلومات مع أخرى رسمية تقول إن كوريا الشمالية أصبحت قادرة على تركيب رؤوس نووية على أنظمتها الصاروخية العابرة للقارات (الصاروخ كاي-أن 08). ورغم أن المسؤولين العسكريين الأميركيين لا يعتقدون أن كوريا الشمالية قد اختبرت قدرات الصاروخ بعد، إلا أنهم يعتقدون أن مداه يبلغ حوالي 5600 ميل، وأنه قادر على الوصول إلى ولاية كاليفورنيا!
هل من الصعب أن نرى إيران في هذا الموقع بالتحديد بعد عشر سنوات؟ لا، على الإطلاق. ولكن لنفترض لمصلحة النقاش أن النظام الإيراني المعروف باعتماده على الخداع والمراوغة كعقيدة استراتيجية، والذي لم يلتزم مرة بتعهداته ولم يكن صادقا أبداً في أي مبادرة إقليمية.
لنفترض أنه التزم تماما بالاتفاق النووي الأميركي، بعد عشر سنوات، وبموجب ما جاء في الاتفاق، سيكون النظام الإيراني قد امتلك تكنولوجية نووية أكثر تطورا بمساعدة الغرب نفسه، وسيكون قد أتقن التخصيب بشكل أكبر وبتكنولوجيا أعلى (يمتلك النظام الإيراني الآن أجهزة طرد أسرع بـ20 مرة من التي يتم استخدامها بموجب الاتفاق)، وسيكون الجانب الإيراني قد حدث قدراته العسكرية التقليدية نتيجة صفقات الأسلحة وتدفق مئات مليارات الدولارات إلى خزائنه على مدى عشر سنوات.
هذه المعطيات ستتيح لطهران تقليص فترة الاختراق النووي المقدرة بثلاثة أشهر حاليا (والتي سيتم توسيعها بموجب الاتفاق إلى حوالي سنة) إلى بضعة أسابيع فقط أو حتى بضعة أيام، كما يقول الخبراء. ولأن النظام الإيراني سيكون في حل مما جاء في الاتفاق بعد عشر سنوات، ولأن الاتفاق لا يتضمن أصلا أية قيود على برنامج إيران الصاروخي الذي يتم تطويره بشكل حثيث بحجة إطلاق أقمار صناعية، فإن النظام الإيراني سيكون قادرا في ذلك الوقت على ثلاثة أمور: تخصيب بمعدلات عسكرية، صناعة رؤوس نووية، وإنتاج صواريخ عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية.
الفارق الوحيد الذي سيكون موجودا حينها بين كوريا الشمالية وإيران هو أن الأخيرة أسوأ بكثير من الأولى، فأقصى طموح للنظام الكوري الشمالي هو أن يبقى في الحكم. ليس لهذا النظام خطط توسعية ولا برنامج عمل لضم أراض أو بلدان مجاورة إلى حظيرته بحجة تاريخه الإمبراطوري، وليس لديه طموحات وأحلام قومية بتصدير ثورات أو أيديولوجيا، وليس لديه ذراع خارجية لصناعة جحافل جرارة من الميليشيات الطائفية والمرتزقة، وحتى لو كان لديه كل هذا، فهو لا يمتلك المال الذي يحتاجه للتنفيذ، بينما النظام الإيراني سيكون في الموقع الآخر تماما، فهو يمتلك كل ذلك ويمتلك الثروة.
وطبعا لن تنفع حينها أية ضمانات أو التزامات أميركية، ولن يكون بالإمكان إصلاح الضرر الهائل الذي تسببت به إدارة أوباما، ناهيك عن انعكاس ذلك على استراتيجية إيران الإقليمية لناحية إعطائها دفعات إضافية خلال عمليات التوسع والاحتلال والاستيطان التي تقوم بها في العالم العربي حاليا.
علي حسين باكير
العرب القطرية