بدأت دول الخليج بالشعور بوطأة الركود في أسعار النفط الخام. ولشهور، قالت حكومات المنطقة، التي تمتلك مخازن مالية كبيرة، للأسواق المالية، إنه سيكون هناك تغيير طفيف فقط في السلوك الاستثماري على الرغم من انخفاض أسعار النفط الخام بمقدار النصف تقريبًا منذ الصيف.
وسعى المسؤولون الخليجيون أيضًا لطمأنة المواطنين بأن هذه الفترة من انخفاض أسعار النفط ستكون مؤقتة، وأكدوا التزامهم بالحفاظ على مستويات الإنفاق الأساسية الموجهة نحو تحسين الظروف الاجتماعية.
ولكن، الحكومات في جميع أنحاء المنطقة بدأت في الواقع بخفض الإنفاق، وإعادة جدولة خطط الإنفاق الرأسمالي. وتعاني شركات القطاع الخاص من نفس القضية أيضًا؛ مما كان له أثر ملحوظ على تقييم الشركات، وعلى عمليات الاندماج والاستحواذ في الأسواق الإقليمية.
وفي حين يأمل معظم المديرين التنفيذيين بأن التباطؤ المالي سيكون مؤقتًا، يخطط كثيرون منهم أيضًا لفترة طويلة أكثر من الأسعار المنخفضة. وقال ديفيد ستابلز، وهو المدير الإداري في وكالة التصنيف الائتماني موديز في دبي: “تقول لنا الشركات إنها أكثر حذرًا الآن بشأن خطط الاستثمار“.
وقد سلط تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الضوء على المشاكل التي تواجه المنطقة، وحذر أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة من مواجهتهم لعجز مالي يعادل 380 مليار دولار من العائدات المفقودة هذا العام؛ بسبب انخفاض أسعار النفط.
ونصح مسعود أحمد، وهو المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي، دول مجلس التعاون الخليجي الست “بتقليل وتيرة الإنفاق على المدى المتوسط”؛ وذلك لإنشاء موقف مالي مستدام، والحفاظ على الموارد.
ويظهر تحليل مونيكا مالك، وهي كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري (ADCB)، أن معظم هذه الدول قامت بالفعل بترشيد الإنفاق على المشاريع الرأسمالية لهذا العام.
وعلى الرغم من أن القيمة الإجمالية لمنح مشاريع دول مجلس التعاون الخليجي في الربع الأول كانت 10 في المئة أعلى من نفس الفترة من عام 2014؛ إلا أن معظمها تركزت في قطر، التي تتسابق لبناء البنية التحتية اللازمة لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. وقالت مالك: “تتماشى البيانات حتى الآن مع توقعاتنا بتباطؤ في النمو الاستثماري في عام 2015 على خلفية انخفاض أسعار النفط”.
وكانت قيمة منح المشاريع في سلطنة عمان والبحرين، وهي دول الخليج الأكثر تضررًا من انخفاض أسعار النفط، 43% في الأشهر الثلاثة الأولى، وأقل بـ 20 في المئة من الربع السابق. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، كان هذا الرقم 36 في المئة، وتركز بشكل رئيس على قطاع العقارات الذي شهد انخفاضًا ثابتًا خلال العام الماضي.
وقال أحد كبار المصرفيين الإقليميين: “إن الحكومات تسير قدمًا في المشاريع الرئيسة واستكمال العقود القائمة“. وأضاف: “ولكن، يتم رفض الأشياء الأخرى، وتوضع على قائمة الانتظار حتى تتعافى أسعار النفط“.
وانخفضت قيمة العقود الممنوحة في المملكة العربية السعودية 10 في المئة عن الربع السابق، على الرغم من أنها لا تزال أعلى من متوسطها على مدى العامين الماضيين. وأشار بنك أبو ظبي التجاري إلى أن العقود من السعودية تركزت على الرعاية الصحية والإسكان، وهما اثنان من المجالات الحيوية بالنسبة للمملكة التي تواجه ارتفاع تهديدات التطرف الإسلامي.
وفي حين ضخت المملكة العربية السعودية ما يقدر بـ 150 مليار دولار لاستخدامها في مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية، انخفضت احتياطيات البنك المركزي في الرياض بمقدار 20 مليار دولار في شهر فبراير وحده، وهو أكبر انخفاض من نوعه على أساس شهري. واضطر هذا البنك إلى اللجوء إلى الـ 700 مليار دولار الاحتياطية لإبقاء عجلات الحكومة تعمل.
وأشارت مالك إلى أن المشاريع الملغاة في السعودية حتى الآن اقتصرت إلى حد كبير على المشاريع ذات الصلة بالهيدروكربونات. ولكن، من المرجح أن تأثير انخفاض سعر النفط سوف يزيد، ووضعت بعض المشاريع العقارية والصناعية الخاصة على قائمة الانتظار أيضًا.
وقال المدير الإقليمي لمجموعة أشمور للاستثمار: “تستكمل السعودية ما وعدت به، ولكنها لا تضيف مشاريع ضخمة“.
وأضاف أن المدفوعات مقابل العمل المنجز باتت تتأخر لفترة أطول، وأصبحت الفواتير التي اعتيد على تسويتها بسرعة تأخذ الآن أربعة أشهر أو أكثر لتسويتها.
وبدوره، قال رئيس تنفيذي لشركة أسهم خاصة: “هناك الكثير من الصفقات العالقة“. وأضاف: “نحن نبحث في مناطق أخرى الآن، حتى يعود الوضوح إلى الخليج“.
فاينانشيال تايمز – التقرير