بغداد – لم تنجح الانتخابات العراقية في أن تحقق نسبة مشاركة عالية بسبب فشل الأحزاب والشخصيات السياسية في جذب الناخبين إلى برامجهم، وتواضع أدائهم في مقاومة الفساد وتحقيق الإصلاحات التي وعدوا بها، فضلا عن استمرار العملية السياسية ككل ضمن منظومة المحاصصة الطائفية التي تم إرساؤها بعد غزو 2003.
ورغم التركيز الإعلامي والحملات الانتخابية القوية خلال الحملة، إلا أن نسبة المشاركة كانت ضعيفة في عدة مراكز تصويت في بغداد والفلوجة غربي العاصمة والبصرة في الجنوب وفي كركوك بالشمال.
وأعلنت وسائل الإعلام العراقية نتائج أولية للانتخابات تشير إلى أن معدلات التصويت لم تتجاوز 35 بالمئة وأن أكبر نسبة مشاركة شهدتها المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش في الموصل والأنبار وكركوك، فيما شهدت بغداد أقل نسبة مشاركة مقارنة بالمدن الأخرى.
ولاحظ مراقبون أن انتخابات الأحد شهدت خروقات كثيرة عكسها خاصة استمرار الحملات الانتخابية أمام صناديق الاقتراع، فضلا عن محاولات لإجبار الناخبين على التصويت لفائدة قوائم بعينها سواء بالتهديد أو عن طريق الإغراءات.
وينتظر أن تعلن النتائج الأولية للانتخابات خلال ثلاثة أيام من عملية التصويت. ورغم ذلك، فإن الانقسام الشيعي لن يغير في موازين القوى بين الطوائف في إطار نظام سياسي وضع بحيث لا يتمكن أي تشكيل سياسي من أن يكون في موقع المهيمن، لتجنب العودة إلى الدكتاتورية.
وأعرب ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن “بالغ قلقه” من لجوء قوى سياسية إلى التلويح بـ”استخدام السلاح” ضد مراكز الاقتراع والناخبين للتأثير على خياراتهم، داعيا مفوضية الانتخابات إلى محاسبة كل من يتجاوز القانون ويسيء إلى العملية الانتخابية. وبعيد الإدلاء بصوته في بغداد، حذر المالكي من محاولات “تزوير”.
وأشار الملاحظون إلى أن بيان دولة القانون وتصريح المالكي يخفيان استعدادا منه للتشكيك في الانتخابات إذا لم تحقق ما يرجوه من نتائج، مثله مثل عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، الذي اشتكى من “ضغوط” على الناخبين وإرغامهم على اختيار شخصيات محددة.
وقال الحكيم عقب إدلائه بصوته في فندق الرشيد المخصص لانتخاب القادة السياسيين ببغداد، “نحن نرفض أي عملية تزوير في الانتخابات، وندعو المفوضية إلى التدقيق في تلك المعلومات، حاثا شريحة الشباب على المشاركة الفاعلة في الانتخابات من أجل التغيير”، مؤكدا أن “العزوف عن المشاركة يعني إبقاء الوضع كما هو عليه”.
وفي مقابل القلق والإرباك اللذين أبداهما المالكي والحكيم، فإن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ظهر في وضع مريح سواء من خلال تنقله للانتخابات وخضوعه لـ”تفتيش” علني، أو من خلال تفاؤله بالنتائج التي يمكن أن يحققها.
وإذ صوت غالبية المسؤولين في “المنطقة الخضراء” المقفلة أمنيا في بغداد، فإن العبادي انتخب في حي الكرادة الذي يتحدّر منه. ويواجه العبادي تهديدات سياسية من منافسيه الرئيسيين، سلفه نوري المالكي والقيادي الشيعي هادي العامري، وكلاهما مقرب من إيران أكثر منه.
ويرى محللون أن العبادي متقدم بشكل طفيف ولكن فوزه ليس مضمونا. ولم يكن العبادي، الذي درس في بريطانيا، يمتلك آلية سياسية قوية عند توليه منصبه لكنه عزز موقفه بعد الانتصار على داعش.
وعلى الرغم من تقربه إلى الأقلية السنية خلال توليه رئاسة الوزراء فإن العبادي استعدى الأكراد بعد أن أحبط مساعيهم للاستقلال.
لكنه أخفق في تحسين الاقتصاد والقضاء على الفساد ولا يمكنه الاعتماد فقط على أصوات طائفته الشيعية. وحتى إذا فازت قائمة النصر التي تتبع العبادي فإنه سيتعين عليه التفاوض بشأن حكومة ائتلافية ينبغي تشكيلها خلال 90 يوما من الانتخابات. وقال التلفزيون العراقي الأحد، إن العبادي وجّه “بفتح الأجواء والمطارات العراقية أمام حركة الطيران”.
وكان قرار إغلاق المجال الجوي سرى اعتبارا من منتصف الليلة الماضية كإجراء أمني قبل الانتخابات وبحلول ظهر اليوم لم تقع أي حوادث كبيرة في الانتخابات بعد أن كان تنظيم الدولة الإسلامية هدد بشن هجمات.
أما العامري (63 عاما) فقضى أكثر من 20 عاما يحارب صدام من منفاه في إيران. ويقود منظمة بدر التي تمثل العمود الفقري لقوات المتطوعين التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية. وسيمثل فوز العامري انتصارا لإيران التي تخوض الحروب بالوكالة من أجل النفوذ عبر الشرق الأوسط مع السعودية.
ويشعر الكثير من العراقيين بأن الساسة خذلوهم عندما تقاعسوا عن إصلاح مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية اللازمة.
ويسعى المالكي للعودة إلى السياسة من جديد ويقدم نفسه على أنه البطل الشيعي بعدما تعرض للتهميش في أعقاب اجتياح الدولة الإسلامية للعراق. ويقول منتقدون إن سياسات المالكي الطائفية خلقت مناخا مكن تنظيم داعش من كسب تعاطف بين بعض السنة مع اجتياحه العراق في 2014.
وتُقسم المناصب الحكومية العليا بشكل غير رسمي بين الجماعات الرئيسية في البلاد منذ سقوط صدام وخُصص منصب رئيس الوزراء وفقا لهذا التقسيم للشيعة، فيما خُصص منصب رئيس البرلمان للسنة، أما الرئاسة وهي منصب شرفي في نظام الحكم العراقي فقد خُصصت للأكراد، فيما يختار البرلمان الشخصيات التي تشغل تلك المناصب.
وخاض أكثر من سبعة آلاف مرشح في 18 محافظة الانتخابات هذا العام من أجل الفوز بمقاعد في البرلمان الذي يضم 329 مقعدا.
العرب