بغداد – أدلى العراقيون، السبت 12 مايو 2018، بأصواتهم لانتخاب نوابهم في البرلمان، في عملية تبدو في ظاهرها ديمقراطية تعددية تبعث على الأمر، إلا أن العراقيين يقولون عكس ذلك. ويبدو أغلبهم مقتنعا بأن الزعماء “الجدد” لن يفوا بوعود الاستقرار في بلد يعاني الصراع والمصاعب الاقتصادية والفساد منذ سقوط صدام حسين عام 2003، وسط توقعات بأن تعزز نتيجة الانتخابات الدور الذي تلعبه إيران في العراق.
وتأتي عملية التصويت أيضا في ظل توتر إقليمي، إذ أن العراق يعتبر نقطة تلاق بين عدوين تاريخيين، إيران والولايات المتحدة. فلطهران تأثير سياسي كبير على الأحزاب الشيعية في العراق وبعض المكونات التابعة لطوائف أخرى، فيما لعبت واشنطن دورا رئيسا وحاسما في “الانتصار” على تنظيم الدولة الإسلامية. وسيحدد الاقتراع ما إذا كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي وصل إلى منصبه في العام 2014 بتوافق ضمني أميركي إيراني، سيحتفظ بالسلطة.
وسيتعين على الفائزين في الانتخابات التعامل مع تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في خطوة أثارت مخاوف بين العراقيين من أن يتحول بلدهم إلى ساحة للصراع بين واشنطن وطهران.
إنجاز أمني ولكن…
بعد يوم اقتراع طويل، أقفلت مراكز الاقتراع للانتخابات العراقية أبوابها عند الساعة 18:00 (15:00 ت غ) من دون أي حادث يذكر في بلد أعلن قبل أقل من ستة أشهر دحر تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا الأمر يعد في حد ذاته إنجازا، حيث هدد تنظيم الدولة الإسلامية مؤخرا باستهداف الناخبين ومراكز التصويت.
وأعلنت وسائل الإعلام العراقية نتائج أولية للانتخابات تشير إلى أن معدلات التصويت لم تتجاوز 35 بالمئة وأن أكبر نسبة مشاركة شهدتها المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش في الموصل والأنبار وكركوك، فيما شهدت بغداد أقل نسبة مشاركة مقارنة بالمدن الأخرى.
وأشارت تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية إلى أن نسبة التصويت في إقليم كردستان العراق بشمال البلاد، راوحت بين 40 و80 في المئة، إذ سعى الأكراد إلى التعبئة للحفاظ ما أمكن على مقاعد نوابهم في البرلمان المركزي في بغداد. وفي الموصل أيضا، توافد الناخبون بأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003.
وفي المقابل، أظهرت أرقام غير رسمية نسب مشاركة متدنية في محافظات أخرى من البلاد، خصوصا في البصرة الجنوبية، مع 19 في المئة في فترة ما بعد الظهر. وفي بغداد، فإن مكاتب الاقتراع التي كانت مفتوحة أمام الصحافيين، لم تشهد إقبالا واسعا، بحيث لم يتكرر السبت المشهد الذي كانت عليه الانتخابات السابقة.
عزوف الشباب وإقبال الشيوخ
بينما أقبل عدد كبير من العراقيين من كبار السن على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد السبت 12 مايو 2018، فضل عدد من الشباب عدم المشاركة في اختيار ممثليهم في البرلمان، من منطلق أن الانتخابات لن تأتي بجديد.
واعتبر العراقيون الذين أدلوا بأصواتهم أن إرجاء هذه الانتخابات بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية يشكل بارقة أمل، لكن بالنسبة للشباب في بلد أنهكته الحرب، تبدو أسباب التفاؤل ضئيلة مع عزوف عدد كبير عن التصويت.
وقال مؤنس فوزي (27 عاما)، الذي اختار البقاء على رصيف مقهى في شارع الكرادة التجاري في بغداد دون بذل جهد التوجه للمشاركة، “كل الانتخابات متشابهة، لا شيء يتغير”.
ويشكل الشباب في العراق نسبة من السكان تعد من الأعلى في العالم، إذ أن 60 في المئة هم دون الـ25 عاما، وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان. واليوم، وبعد 15 عاما من العنف الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق، تبدو الآفاق ضيقة أمام هؤلاء الشباب؛ فأكرم العقيلي (27 عاما)، الذي درس إدارة الأعمال في الجامعة، انتهى به المطاف للعمل في متجر لبيع السجاد لتغطية نفقاته.
وقال العقيلي إن “العراق بلد غني، لكن حينما تنظر حولك ترى أطباء كفوئين ومهندسين يعملون في وظائف غير مناسبة”. وأضاف “لقد فقدنا الأمل فعلا، حتى بين أصدقائي المتعلمين”
وتشكل البطالة أزمة كبيرة في العراق، إذ أن واحدا من بين خمسة عراقيين عاطل عن العمل. وتقدر الأمم المتحدة نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب العراقيين البالغة أعمارهم بين 15 و27 عاما بـ18 في المئة. وتطال البطالة خصوصا الشباب من حاملي الدرجات العلمية العالية، غير القادرين على تحصيل وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم.
أما بالنسبة لأولئك الذين يملكون وظائف، فلم يكن لديهم الوقت للتفكير بالسياسة، رغم بحر الإعلانات الانتخابية الذي أغرق الشوارع المحيطة بهم. وأظهر عقيل ستار (19 عاما) عدم اهتمام بالانتخابات، لدى تقديمه الخبز الساخن لأحد زبائنه في كشك على جانب الطريق. وقال وهو يعيد ترتيب أرغفة الصمون العراقي على طاولة أمامه “أنا مشغول جدا هنا، ولا يمكنني الذهاب للتصويت. السياسيون لا يقدمون لنا شيئا”.
ومن بين الشبان العشرة الجالسين بلا عمل في محل حلاقة نور الصباح بشارع البتاوين في وسط بغداد، شخص لم يبد رغبة في الذهاب للإدلاء بصوته. برر محمد عاصي (27 عاما) عدم مشاركته بقوله متسائلا وهو ينظر إلى الشارع الذي ملأته القمامة “ما هي الحظوظ والفرص المتاحة؟ لا شيء للشباب”.
وضحك عاصي الذي كان يرتدي نسخة مقلدة من زي بايرن ميونيخ الألماني عند سؤاله عن عمله، وقال إنه يجمع المال عبر العمل من وقت لآخر في أحد المقاهي. وأبدى هذا الشاب اقتناعه بأن الانتخابات “مزورة”، وأنه رغم التضحيات التي قدمها الناس في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، فإن النتيجة تأتي ضدهم. وأوضح أن “داعش هزم، ولكن من الذي هزمه؟ الفقراء من الناس، من إخوتنا وأقاربنا. هزمنا داعش، والحكومة لا تفعل لنا شيئا”.
وبعيدا عن حسابات السياسة التي أججت الانقسامات الطائفية، يواجه العراق تحديات عدة بعد حرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية دامت ثلاث سنوات وكلفت البلاد نحو مئة مليار دولار. وتحول معظم مدينة الموصل الواقعة بشمال العراق إلى أنقاض. ومازال الأمن مهددا بسبب التوتر الطائفي الذي تحول إلى حرب أهلية عامي 2006 و2007 في أوج الاحتلال الأميركي الذي بدأ بالغزو عام 2003، وهي كلها مسؤوليات تقع على عاتق المسؤولين والنواب الذين صوت لهم العراقيون.
ويطغى شعور عام بالظلم بين العراقيين الذين يرون في النخبة السياسية المهيمنة على السلطة جشعا واهتماما بالمصالح الذاتية. وقال حسين فاضل (42 عاما)، وهو من مقاطعي الانتخابات، إن الثقة انعدمت بين الشعب والطبقة الحاكمة مضيفا أن جميع الأطراف سيئة، فيما أوضح جمال موسوي، الذي يعمل قصابا ويبلغ من العمر 61 عاما، أنه شارك ولكن بصوت باطل. وأضاف أنه لا يوجد أمن ولا وظائف ولا خدمات كما أن المرشحين لا يتطلعون إلا لملء جيوبهم وليس مساعدة الناس.
انقسام شيعي
تمت عملية التصويت بحسب قانون نسبي على أساس قوائم مغلقة ومفتوحة. وتوزعت الأصوات على المرشحين ضمن 87 لائحة في 18 محافظة وفقا لتسلسلهم داخل كل قائمة، لنيل 329 مقعدا برلمانيا. وشهدت هذه الانتخابات سابقة، إذ أنها للمرة الأولى لا تشارك الأحزاب الشيعية التي هيمنت على الحياة السياسية لـ15 عاما، في قائمة موحدة، بسبب صراع شرس على السلطة بين صقور الطائفة التي تشكل غالبية في العراق.
وتنافست خمس لوائح شيعية على الأقل، بينها تلك التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وسلفه نوري المالكي الذي لم يتقبل فكرة إزاحته في العام 2014، إلى جانب هادي العامري أحد أبرز قادة فصائل الحشد الشعبي التي لعبت دورا حاسما في دعم القوات الأمنية خلال معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وبرزت أيضا لائحتا رجلي الدين الشيعيين، عمار الحكيم الذي يتزعم لائحة تياره الحكمة، ومقتدى الصدر الذي أبرم تحالفا غير مسبوق مع الحزب الشيوعي العراقي في ائتلاف سائرون.
ورغم ذلك، فإن الانقسام الشيعي لن يغير في موازين القوى بين الطوائف في إطار نظام سياسي وضع بحيث لا يتمكن أي تشكيل سياسي من أن يكون في موقع المهيمن. وتُقسم المناصب الحكومية العليا بشكل غير رسمي بين الجماعات الرئيسية في البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين وخُصص منصب رئيس الوزراء وفقا لهذا التقسيم للشيعة فيما خُصص منصب رئيس البرلمان للسنة أما الرئاسة، وهي منصب شرفي في نظام الحكم العراقي، فقد خُصصت للأكراد فيما يختار البرلمان الشخصيات التي تشغل تلك المناصب.
ويحتاج المرشحون الثلاثة الرئيسيون لرئاسة الوزراء إلى دعم إيران، وهم حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي وهادي العامري. ويرى محللون أن العبادي متقدم بشكل طفيف ولكن فوزه برئاسة الوزراء مرة أخرى ليس مضمونا.
ويعتبر المالكي، الذي ضغط من أجل انسحاب القوات الأميركية، والعامري، الذي يتحدث الفارسية بطلاقة وقضى سنوات في المنفى في إيران خلال عهد صدام، مقربين من طهران أكثر بكثير من العبادي. ويقود العامري (63 عاما) منظمة بدر التي تمثل العمود الفقري لقوات المتطوعين التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية. وسيمثل فوزه انتصارا لإيران التي تخوض الحروب بالوكالة من أجل النفوذ عبر الشرق الأوسط، وانتصارا للحشد الشعبي، التي واجهت رفضا كبيرا خوضها الانتخابات بحثا عن شرعية سياسية بعد انتفاء سبب وجودها وانتهاء دورها العسكري.
وعلى العكس من العبادي، برسالته المتجاوزة للطائفية، يصور المالكي نفسه مرة أخرى على أنه البطل الشيعي ويقترح التخلي عن نموذج اقتسام السلطة غير الرسمي المطبق في البلاد والذي يضمن لجميع الأحزاب الرئيسية تمثيلا في الحكومة.
الأكراد والسنة
أشارت تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية إلى أن نسبة التصويت في إقليم كردستان العراق بشمال البلاد، راوحت بين 40 و80 في المئة، إذ سعى الأكراد إلى التعبئة للحفاظ على ما أمكن من مقاعد نوابهم في البرلمان المركزي في بغداد. ويواجه الأكراد اليوم خطر خسارة نحو عشرة من أصل 62 مقعدا حصلوا عليها في الانتخابات السابقة، بعد استفتاء على الاستقلال أجراه إقليم كردستان العراق في سبتمبر الماضي، رغم معارضة الحكومة المركزية في بغداد.
وردا على ذلك، استعادت القوات العراقية السيطرة على محافظة كركوك الغنية بالنفط، وباقي المناطق المتنازع عليها والتي سيطر عليها الأكراد بحكم الأمر الواقع خارج الحدود الرسمية لمنطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي. ودعا رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان البارزاني بعد الإدلاء بصوته إلى الوحدة.
وقال البارزاني “إذا ذهبنا إلى بغداد منقسمين، ولم نتحد، فلن نصل إلى شيء”. أما بالنسبة إلى السُنَّة الذين يترشحون إلى الانتخابات من خلال أربع لوائح، فلا فرصة لديهم للعودة إلى السلطة التي سيطروا عليها قبل سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، بل يُفترض أن يلعبوا دورا مساندا في تشكيل الحكومة.
العرب