وقف الكولونيل الإسرائيلي، ساريت زيهافي، على مسرح مؤتمر “إيباك” للسياسات في آذار (مارس) وأخبر 18.000 شخص كانوا حاضرين هناك بأن الصراع في لبنان “ليس مسألة إذا، وإنما مسألة متى”. كما ردد العديد من المسؤولين الإسرائيليين نفس الفكرة في الأشهر الأخيرة بينما يشاهدون وكلاء إيران وهم يتمترسون في سورية، ومقاتلي حزب الله وهم يعودون إلى الوطن من الحرب الأهلية السورية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان في كانون الثاني (يناير): “إذا اندلع صراع فعلاً في الشمال، فإن وجود ‘الأحذية العسكرية على الأرض’ يبقى خياراً ممكناً. إننا لن نسمح بتكرار مشاهد العام 2006، حين رأينا مواطني بيروت يمرحون على الشاطئ بينما يجلس الإسرائيليون في تل أبيب في الملاجئ. إذا كان الناس في تل أبيب سيجلسون في الملاجئ بسبب القصف، فإن كل بيروت سوف تكون في الملاجئ بسبب القذائف أيضاً”.
وفي المقابل، يزعم قادة حزب الله أنهم لا يتوقعون نشوب صراع مع إسرائيل، لكنهم يستعدون بنشاط لخوض هذا الصراع “في حال قررت إسرائيل القيام بعمل أحمق”. ولا يجعل حزب الله سراً من أن هدفه هو ممارسة العنف ضد إسرائيل واليهود بشكل عام. ومن المرجح أن لا تكون هذه التصريحات أكثر من مجرد صخب، بما أن أياً من الطرفين لا يريد نشوب صراع. وقد أدى انخراط حزب الله في جهود دعم نظام الأسد ضد هجمات “داعش” والثوار السوريين إلى إضعاف صفوف الحزب وعدة حربه. وبعد زيارته الأخيرة إلى المنطقة، حتى السيناتور ليندسي غراهام يبدو أنه يعتقد بأن الحرب قادمة. ويقول العديد من الإسرائيليين بشكل متكرر أن حروبهم السابقة في لبنان تعادل ما كانته حرب فيتنام بالنسبة للأميركيين.
لا شك في أن رواية الحرب الحتمية هي شيء خطير، لكنها تُظهر أن الوضع الراهن لا تمكن إدامته. ويمكن أن تتسبب حرب في لبنان في اندلاع قتال لا يقل شراسة عن ذلك الجاري الآن في الحرب الأهلية السورية، ومعاناة إنسانية على نطاق يشبه ما يحدث في اليمن. وسوف تكون لدى إيران جبهة أخرى في حملتها التي تتسع باستمرار لزعزعة استقرار المنطقة وزيادة نفوذها في لبنان، كما فعلت في سورية.
سوف يصب منع نشوب حرب في لبنان في مصلحة إسرائيل؛ حيث سيتعين على الجيش الإسرائيلي -في حال اندلعت حرب- أن يستأصل حزب الله من مناطق مدنية ذات كثافة سكانية عالية بينما العالم يشاهد. ويغلب أن لا تنتهي الحرب القادمة بمجرد توجيه إسرائيل ضربات دقيقة ضد حزب الله. ومع وجود وكلاء لإيران في سورية بالقرب من حدود إسرائيل بجوار مرتفعات الجولان، ومع تصاعد اليأس لدى حماس، ووجود ما يقدر بنحو 100.000 صاروخ موجهة نحو إسرائيل من معقل حزب الله الحصين في جنوب لبنان، فإن الحرب التالية يمكن أن تفضي إلى موت الآلاف من المدنيين الإسرائيليين وأن تهدد واحداً من آخر معاقل المسيحية في المنطقة.
ليس نظام لبنان متعدد الطوائف مثالياً، لكنه يسمح بتقاسم متساو للسلطة، والذي حافظ على السلام بين الطوائف الدينية المختلفة. ويشكل الشيعة نحو 27 في المائة من السكان. وليس كلهم يصوتون لحزب الله، لكن ترسانة المنظمة من الأسلحة أتاحت لها توسيع نفوذها عبر إقامة التحالفات مع الكتل غير الشيعية. وما تزال طوائف البلد الأخرى –حيث 40 في المائة من اللبنانيين هم مسيحيون، و27 في المائة من المسلمين السنة- ضعيفة فيما يعود جزئياً إلى كل من ضعف الدعم الدولي وتكوين القوات المسلحة اللبنانية غير الطائفي. وتبقى القوات المسلحة اللبنانية، التي يمكن أن توازن قوة حزب الله، ضعيفة هي الأخرى.
للولايات المتحدة مصلحة حاسمة في منع نشوب صراع وتجنب التسبب في أزمة لاجئين أخرى، خاصة وأن لدى لبنان مسبقاً مليونا لاجئ سوري. ويشكل تشخيص المشكلة مجرد الخطوة الأولى. وسيكون العثور على طريق للسلام على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية أكثر صعوبة، لكنه ليس مستحيلاً. ويتضمن ذلك الطريق بشكل حتمي استعادة استقرار لبنان.
على الرغم من أنها ليست حكومة مثالية، فإن على الولايات المتحدة أن تنخرط مع الحكومة اللبنانية الشرعية للحد من نفوذ إيران السُّمي وقطع الدعم الذي يتلقاه حزب الله، والذي أتاح له تحدي سلطة بيروت. ويجب على الكونغرس وإدارة ترامب أن يسعيا إلى تكوين مستقبل إيجابي للبنان، خال من حزب الله والنفوذ الإيراني.
لمعظم القضايا التي تشكل خطراً على استقرار لبنان أسباب جذرية خارج حدوده، وهو ما يضع تحديات كبيرة أمام السياسة الخارجية الأميركية. ولم يكن صعود حزب الله ليتسنى من دون دعم إيران التي لديها طموحات إقليمية كبيرة. كما أفضى عدم الاستقرار في سورية إلى نشوء أزمة اللاجئين التي أثقلت البنية التحتية للبنان. وتهدد الخصومة بين السعودية وإيران بتحويل لبنان إلى ساحة قتال أخرى لحربهما بالوكالة. وعلى الرغم من هذه التحديات، هناك خمسة مجالات سياسية يمكن أن تعمل عليها الولايات المتحدة الآن للمساعدة في تعزيز لبنان مستقر ومزدهر.
أولاً، على الولايات المتحدة أن تقطع شريان حياة حزب الله من الأسلحة والتمويل الأجنبيين، وهي المهمة التي ظلت حتى الآن عبئاً حملته إسرائيل على كاهلها وحدها لمنع إيران من تأسيس موطئ قدم أكبر لنفسها في لبنان.
ثانياً، يمكن أن يساعد المزيد من المستشارين العسكريين والمساعدات على تقوية القوات المسلحة اللبنانية، وضمان أن تظل هذه القوات منفصلة عن حزب الله، وأن توفر الوزن المقابل لوكيل إيران في البلد.
ثالثاً، سوف يساعد تنفيذ مشاريع في البنية الأساسية الرئيسية على تعزيز مصداقية الحكومة اللبنانية. ويعاني لبنان من الانقطاعات المستمرة في الكهرباء منذ حربه الأهلية التي انتهت في العام 1990، وتقدر الحكومة أن توفير تيار كهربائي عامل لمدة 24 ساعة في اليوم يحتاج إلى ما بين 5 و6 مليارات دولار، وهو ما يمكن أن تساعد الولايات المتحدة في توفيره من خلال شراكة القطاع الخاص.
رابعاً، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل التوسط في النزاع بين إسرائيل ولبنان على حقول الغاز تحت سطح البحر. ويقع “الحقل 9” وثلاثة حقول أخرى على حدود المياه الإقليمية الإسرائيلية، ويطالب بها كلا البلدين. ويقوم مساعد وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، دافيد ساترفيلد، برحلات مكوكية بين إسرائيل ولبنان في مسعى لحل هذه النزاعات، ويجب أن تتواصل هذه الجهود حتى يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
أخيراً، تستطيع الولايات المتحدة أن تطالب بإغلاق مصانع الصواريخ التي ترعاها إيران في لبنان وأن تعمل مع الحكومة لضمان أن لا تصبح هذه المصانع حقيقة. وإذا لم تفعل، فإن إسرائيل ستكون مجبرة على مهاجمة لبنان، وهو ما قد يؤدي إلى نشوب صراع.
لن تؤدي هذه السياسات إلى نزع سلاح حزب الله غداً، لكنها يمكن أن تمنع لبنان من الوقوع بالكامل تحت سيطرة إيران أو أن يتجه إلى حرب مدمرة مع إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الولايات المتحدة أيضاً إلى وضع استراتيجية طويلة الأمد لمواجهة إيران ومنعها من السيطرة على المنطقة من خلال الوكلاء. ومن دون تبني هذه الأنواع من الاستراتيجيات والسياسات، ربما تتصرف إسرائيل وحدها ضد لبنان، كما حذر جنرال الجيش الإسرائيلي يالدين مؤخراً حين قال: “هذه المرة، لن تفرق (إسرائيل) بين حزب الله ولبنان”. وإذا ما اندلعت حرب، فإن مسيحيي لبنان سيكونون هم الطرف الذي يعاني أكثر ما يكون في ما قد يكون جبهة أخرى أيضاً في حرب إيران من أجل الهيمنة الإقليمية.
إننا لا نستطيع أن الجلوس على الهوامش والقبول برواية حتمية الحرب. فعلى المدى البعيد، سيكون من شأن نشوب حرب إسرائيلية-لبنانية أن تعزز وكيل إيران فقط عن طريق خلق أزمة شرعية في البلد، والتي سيستغلها حزب الله لتوسيع نفوذه. وسوف تكون الحرب مكلفة في وقت تبدو فيه المنطقة منهمكة في حروب مكلفة أخرى في كل من سورية واليمن. وسوف تكون النتيجة بالنسبة لإسرائيل شمالاً غير مستقر، مع القليل من المساحة العازلة بين الفوضى السورية وبين المراكز السكانية الإسرائيلية في الشمال. وما لم تكن لدى إسرائيل والولايات المتحدة خطة طويلة الأمد لإحلال الاستقرار في لبنان، فإن الحرب مع حزب الله لن تفعل الكثير لتحسين الوضع الأمني لإسرائيل.
بيتر بيرنز
الغد