عود التشريعيات العراقية بـمقتدى الصدر وتحالفه “سائرون” رقما صعبا و”صانعا للملوك” في بغداد، ويثير نجاحه ارتيابا وحيرة في إيران، وانتشاء للسعودية التي تريد العودة بقوة إلى العراق، في حين تطرح نتائج الانتخابات سيناريوهات تشي بتحولات في التوازنات.
ووفق النتائج الأولية تصدر تحالف “سائرون”، المدعوم من التيار الصدري، بـ54 مقعدا، وحلّ تحالف “الفتح” بزعامة الأمين العام لـ”منظمة بدر” هادي العامري ثانيا بـ47 مقعدا، و”ائتلاف النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي ثالثا بـ43 مقعدا.
وجاء “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي رابعا بـ25 مقعدا، تلاه “ائتلاف الوطنية” بـ22 مقعدا، ثم قائمة “الحكمة”، المدعومة من زعيم “تيّار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم بـ19 مقعدا.
هذه النتائج بمعطياتها الأولية تمنح تحالف “سائرون” -الذي قدم نفسه انتخابيا على أنه تحالف عابر للطائفية ومناهض للفساد ويضم اليسار (الحزب الشيوعي) والتيار المدني- موقع الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد، يجب عليها دستوريا بدء التفاوض لتشكيل الحكومة التي ينتظر أن تتشكل بعد مخاض عسير، وفق ما يتوقع معظم المحللين.
ترحيب سعودي
وتداول ناشطون على نطاق واسع تغريدة للقيادي الديني الشيعي مقتدى الصدر بعد تأكد حصول تحالفه على 54 مقعدا (من 328 مقعدا بالبرلمان العراقي) أشار فيها إلى ضرورة تشكيل تحالف واسع يشمل أغلب الكتل السياسية باستثناء “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي و”الفتح” بقيادة هادي العامري (وهما حليفان لإيران).
ومقابل صمت إيراني بشأن النتائج الأولية، كان لافتا في المقابل سرعة التجاوب السعودي مع النتائج، إذ علق وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في تغريدة له بقوله “فعلا أنتم سائرون بحكمة ووطنية وتضامن، واتخذتم القرار للتغيير نحو عراق يرفع بيارق النصر باستقلاليته وعروبته وهويته، وأبارك للعراق بكم”.
وتحمل التغريرة إشادة واضحة بتحالف “سائرون” وكذلك بتحالفات وائتلافات أخرى، بينها “النصر” (بقيادة حيدر العبادي) و”الحكمة” بقيادة عمار الحكيم و”الوطنية” بقيادة إياد علاوي، وهي كلها مرشحة للتحالف لتشكيل الحكومة، وتستثني الإشادة طبعا التيارات والتحالفات المقربة من إيران.
وعلى عكس معظم التيارات الشيعية الأخرى في العراق، لا يعتبر القيادي الديني الشيعي مقتدى الصدر حليفا لإيران أو مقربا منها، وهو دائم الانتقاد للتدخلات الإيرانية في العراق ضمن ما يسميها سياسة النأي بالعراق عن لعبة المحاور، كما لا يحكمه أي تحالف جدي مع السعودية، لكنه زار الرياض العام الماضي وأكد على عروبة العراق.
ووفقا للمحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض، في حديث للجزيرة نت، فإن التقارب بين الصدر والسعودية وزيارته -آنذاك- جاءت ضمن سياق خطة “استقطاب المد الشيعي العروبي في العراق الذي يمثله الصدر، وإحداث توازن معه ومع المد الشيعي الإيراني”، وبالتالي محاولة حصار التمدد الإيراني في العراق قبيل الانتخابات التي عادت أسرارها لفائدة الصدر وحلفائه.
ويقول الصحفي العراقي زياد العجيلي إن السعودية وبدعم أميركي سعت قبيل الانتخابات عبر الإغراء الاقتصادي و”احتواء ذكي ومخطط له لسحب شيعة العراق العرب من إيران وإعادتهم إلى الساحة العربية التي ابتعدوا عنها لمدة أربعة عشر عاما”.
ويعتقد مراقبون أن السعودية التقطت محاولات حيدر العبادي لتقليص النفوذ الإيراني الكبير في بلاده وتطوير العلاقات مع السعودية وبلدان أخرى بالمنطقة لاستمالته، وجاء ذلك ضمن خطة أكبر تعمل من خلالها واشنطن على تعزيز العلاقات السعودية العراقية باعتبارها أولوية في إستراتيجية الإدارة الأميركية لمواجهة واحتواء طهران.
في انتظار الحكومة
وفي مستقبل البرلمان العراقي وتركيبته -وبالتالي الحكومة ورئاستها- يرى الصحفي والمحلل السياسي حيدر الكرخي للجزيرة نت أن تحالف “النصر” سيكون قريبا جدا من “سائرون”، وربما يلتحق بهما “الحكمة” وكتل أخرى لتحقيق الغالبية البرلمانية، وهو -إن حصل- سيرخي القبضة الإيرانية نسبيا في مستقبل العراق.
ورغم التقدم الملفت لتحالف “الفتح “-الذي يمثل الحشد الشعبي- فقد تعرض “ائتلاف دولة القانون” وزعيمه نوري المالكي لانتكاسة كبيرة، إذ تراجع عدد مقاعده في بغداد وحدها إلى تسعة مقاعد من 28 مقعدا في البرلمان الذي يشارف على نهايته.
وتشير التقارير إلى أن تحالفا يتشكل بين كتل حيدر العبادي ومقتدى الصدر وإياد علاوي وعمارالحكيم ومسعود البارزاني، وهو ما يعني أن الحكومة المقبلة -إذا نجحت هذه الكتلة في الحصول على 165 مقعدا- ستكون بعيدة تماما عن النفوذ الإيراني إن لم تكن مناهضة لطهران، لكنها أيضا لن تكون تابعة للرياض.
من جانب آخر -وفي انتظار الحصيلة النهائية للمقاعد- أشار متابعون للشأن العراقي إلى أن من المنتظر أن يتم الإعلان قريبا عن تحالف جديد يضم “ائتلاف دولة القانون” و”الفتح” و”الحكمة”، لكن هذا التحالف الثلاثي المقرب من إيران لن يتمكن، بحسب مراقبين، من تشكيل أغلبية برلمانية دون ضم قوى كردية وسنية. وفي هذا السياق تبرز قائمة “الحكمة” بوصفها طرفا لا غنى عنه للوصول إلى الأغلبية من الطرفين.
ورغم بقاء فرضية المفاجأة، يستبعد مراقبون أن يلجأ مقتدى الصدر إلى التحالف مع هادي العامري أو نوري المالكي لتشكيل الحكومة -رغم الحاجة إلى مقاعد أخرى- باعتبار أن الصدر بنى صورته الانتخابية على مكافحة الفساد والتغيير ووقف التدخلات الخارجية. لكن العلاقة بينه وإيران لن تصل إلى حد القطيعة التامة لأسباب مختلفة، أهمها صعوبة مجابهة الدور الإيراني في بلاد الرافدين.
ويشير مراقبون إلى أن الأطراف الكردية، وهي الاتحاد الوطني الكردستاني (الفائز في السليمانية) والحزب الديمقراطي الكردستاني (الفائز في أربيل) لن يكونا موحدين في اختبار التحالفات بسبب صراعات الأشهر الماضية ومضاعفات الاستفتاء، وبالتالي سيكونان مجال تسابق بين الكتل الكبرى للوصول إلى الأغلبية.
ووفقا لمتابعين فإن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يمتلك حظوظا وافرة -قد تعززها التحالفات القادمة- لتولي رئاسة الوزراء، على اعتبار أن التيار الصدري لم يقدم مرشحا بعد، كما أن العبادي يعد الأقرب في سياساته إلى التيار، وهو يحظى بقبول داخلي وخارجي وخصوصا من واشنطن والرياض، وحتى من إيران.
وفي رسائل النتائج برزت رغبة الناخبين في التغيير -رغم التحفظات وطلبات إعادة الانتخابات وتدني نسبة المشاركة (نحو 44%)- لكن التحول الجذري في بنية السلطة التنفيذية لن يحصل وفق مراقبين، كما لن تختلف إرادة التغيير ذاتها في ظل وجود حكومة محاصصة، ولو بدرجة أقل من السابق، وضغوط التوازنات الخارجية بين طهران وواشنطن والرياض وغيرها.
المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية