كوباني بعد انسحاب البيشمركة

كوباني بعد انسحاب البيشمركة

من المعلوم أنه عندما تستعين جهة ما بقوة عسكرية من الخارج لفك أزمتها الوجودية، أو مؤازرتها يوم تكون الأمور قد بلغت معها من الحرج والشدة أوجها، هذا يعني بأن على الجهة المُساعدة الاستمرار في مهمة المؤازرة الى حين انتفاء الحاجة الى ذلك، ولكن في كوباني يبدو الأمر ليس كذلك، فالجهة التي طلبت الاستغاثة لا تزال في وضعٍ لا يُحسد عليه، والخطر الذي بسببه تم استدعاء قوة عسكرية من مسافة مئات الكيلومترات لا يزال قائماً، إذ أن تنظيم داعش لا يزال على حدود كوباني ولم يرحل كما كان مؤملاً، ومع ذلك انسحبت القوات التي لبت طلب العون من كوباني قبل عدة أيام، وهي التي كانت قد دخلت الى المدينة بقرار من رئيس اقليم كوردستان مسعود البارزاني وبتفويض من برلمان كوردستان في 28/10/2014 لدعم القوات الكردية في كوباني، التي تواجه مسلحي تنظيم داعش، التنظيم الذي لم يُزل خطره الى الساعة، إذن لماذا غادرت قوات البيشمركة منطقة كوباني؟.

فهل الاتحاد الديمقراطي خشي من أن تسحب قوات البيشمركة بساط الصيت من تحت أرجلهم، وبناءً عليه أبلغوا القادة في الاقليم بأنه صار بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم، ولم يعودا محتاجين الى الدعم الميداني المباشر؟ علماً أن الوضع العسكري على الأرض لا يزال معقداً، بل ويبدو بأن أمام وحدات الحماية الشعبية معركة استنزاف طويلة الأمد، والمخاطر ستكبر في حال استمرار الأمر على ما هو عليه، في ظل الشح في العتاد والذخيرة واستمرار المعارك، وغياب اي استراتيجية واضحة لدى حزب صالح مسلم.

وبالنسبة للبيشمركة فحتى وإن لم يبينوا سبب عودتهم الرئيسية، فهل فعلاً كوباني الآن بغنى عن خدماتهم العسكرية حتى غادروها؟ حيث بهذا الصدد اكتفت قيادة البيشمركة بالتصريح الذي صدر عنهم فيما يتعلق بانتهاء المهمة الموكلة إليهم، قائلين بأن قرار عودتهم مرتبط بتطور الاوضاع العسكرية على الأرضية، وعلى هذا الأساس غادرت تلك القوات مدينة ‏كوباني‬ ضمن خطة إعادة الانتشار التي أعلن عنها الامين العام للبيشمركة في حكومة اقليم كردستان، والسؤال الدائم في هذه الأجواء الغير صحية، لا يزال حائماً حول ماهية السيناريوهات التي تنتظرها كوباني بعد كل ما لقته من التهجير والتخريب والتدمير، والمعلوم أن الحرب لا تزال دائرة في محيط كوباني تقريباً بعمق 40 كم وهي دائرة هذه الأيام في ثلاث جبهات ضد داعش، التنظيم الذي تعود على مفاجأة الدول بأكملها فكيف بكوباني، ولا يزال ينفذ عمليات تسلل وهجومات مباغتة في النقاط الساكنة، وبين الفينة والأخرى نسمع عن حصار داعش لمقاتلي وحدات الحماية في بقعة ما، وحسب النشطاء فإن مخزون الاسلحة والذخائر لدى وحدات الحماية لن يكفي لحرب استنزافٍ طويلة، وكفة المعركة بعد تقهقر التنظيم في المدينة قد تنتقل مجدداً لصالحه في الريف بما أنه يمتلك العدة مع قوة المناورة والهجوم، ويمتك أسلحة ثقيل، مع الذخائر، ناهيك عن أن خطوط الامدادات والتعزيزات مفتوحة، والأهم أن هذا التنظيم المتطرف قادر على جلب الارهابيين من جميع أنحاء المعمورة، وتفخيخهم حسب الطلب طالما الداعشي مشروع موت دائم أينما اتجه، هذا عدا عن أن الاشتباكات لا تزال متواصلة في خطوط الجبهات خارج كوباني، ولكن يفترض أيضاً أن لا يغيبن عن البال بأن غارات مقاتلات التحالف الدولي لا تزال مستمرة في قصف مواقع التنظيم، وإن خفت وتيرتها قليلاً عن الأول، إلا أنها تزال متواصلة بمعدل يصل الى عشر غارات اسبوعيا حسب المراقبين، وربما تتكثف في حالات استثنائية، وأمام الحالة الجديدة هذه فهل كوباني تجاوزت حدود التهلكة حتى لم تعد بحاجة الى البيشمركة، أم سيكون التعويل هذه المرة فقط على المؤازرة السماوية التي تلبيها قوات التحالف الدولي؟ وذلك من خلال الاعتماد على الدعم الجوي لإيصال الأسلحة والذخائر الى كوباني كلما اقتضت الضرورة الى ذلك، ولكن ومن خلال خارطة التغييرات في كوباني فإن ثمة ما يثير للاستغراب في أمر الخافي من بعض المجريات هناك حيث أن مجموع الـ: 1200 عنصر من عناصر الجيش الحر التابعين للعقيد عبدالجبار عكيدي لم يُذكر أحدهم أو أية جهة من الداخل أو الخارج عن أنهم شاركوا يوماً ومنذ دخولهم الى المدينة بأية معركة من معارك كوباني سواءً في الريف أو المدينة، فهل يا ترى كانوا في رحلة سياحة عسكرية؟ أم أنهم كانوا عبارة عن مسمار جحا لا أكثر ولا أقل، وأن جماعة صالح مسلم لم تستطع منعهم من الدخول الى المدينة، باعتبارهم كانوا مفروضين من قِبل تركيا التي فرضتهم مقابل السماح للبيشمركة بعبور أراضيها ذهاباً وإيابا؟

وأمام الواقع الجديد فما الذي قد يُشجع المواطنين بالعودة الى قراهم حتى ولو حصلوا على تطمينات من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي؟ ومجملهم لا يثق يهذا الحزب الذي سلّم ثلاثة أرباع ريف كوباني لتنظيم داعش خلال 24 ساعة، إذ كان مجرد وجود البيشمركة هناك حتى ولو لم يحاربوا كفيلاً بأن يكونوا محط أملٍ وأمان لدى معظم سكان كوباني، الذين عانوا ولا يزالون من تسلط حزب الاتحاد الديمقراطي بفروعه العسكرية المتعددة، المعروفين بطيشهم السياسي والعسكري معاً، وأمام المشهد هذا فهل ثمة متغيرات جذرية ستحصل على مستوى سوريا ككل حتى اتخذت قيادة البيشمركة هذا القرار؟ خاصة بعدما سيطرت قوات المعارضة السورية على ادلب وجسر الشغور، وعلى ذلك الأساس رأت حكومة الاقليم بأن وجود البيشمركة لم يعد ضرورياً هناك، وأن ثمة متقلبات مهمة ستلوح تباشيرها في الأفق عما قريب، وأن ذلك ما دفعهم لاتخاذ قرار العودة الذي كان له وقعٌ ملحوظ في نفوس أبناء تلك المنطقة، إذ وبالرغم من أن البيشمركة ومن خلال قدومهم ومدهم العون لإخوانهم قد تركوا وراءهم أثراً جميلاً لن يُمحى من ذاكرة المدينة والناس بسهولة، إلا أن قرار العودة ترك خلفه غصةً في أفئدة الكثيرين من أبناء كوباني الذين لم تغادرهم غيوم المخاوف الى الآن، بل وربما ستُضاعف المخاوف لديهم أكثر من ذي قبل في غياب قوات البيشمركة.

ماجدع محمد

ايلاف