الاقتصاد العربي بين الريعية والتنوع

الاقتصاد العربي بين الريعية والتنوع

23586_1_1

عامر العمران

تعاني المنطقة العربية العديد من التحديات التي اثرت بشكل كبير على بنيتها الاقتصادية وشكلت عائقا امام فرص النمو المتاحة امام هذه الاقتصادات نتيجة عدد من الاختلالات كان اهمها الارتفاع المطرد في معدل الزيادة السكانية و ضعف البرامج التنموية، وغياب التعدد في مصادر الانتاج بالاضافة الى تراجع مفهوم الامن الغذائي والمائي.
ان من اهم المشكلات التي اوصلت الاقتصادات العربية الى هذه الحال هي ريعية هذه الاقتصادات خصوصا في الدول النفطية التي اعتمدت على النفط في بناء اقتصاداتها ومصادر دخلها بنسبة تجاوزت 90%؛ ما جعل هذه البلدان عرضة دائما للازمات الاقتصادية.
اما الحاجة الحقيقية للتنوع الاقتصادي في دول المنطقة فقد جاءت نتيجية تذبذب اسعار النفط نتيجة الاحداث السياسية والامنية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم على المستوى العالمي، حيث يكتسب الاقتصاد العربي قوته من النفط والغاز.
لقد سعت بعض البلدان العربية الى خلق نوع من التنوع خلال العقود الماضية في مصادر الدخل ، الا انه لم يكن ذا قيمة واضحة فالقطاع الزراعي تقلّص حجمه النسبي وانخفض في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خصوصا الغنية، ولم ترتفع حصة القطاعات الاخرى مثل الصناعات التحويلية والتعدينية إلا نادراً، فيما انكمش الحجم النسبي لقطاع الخدمات.
ان المتتبع لواقع الاقتصادات العربية يلاحظ وجود خلل في الاقتصاد الكلي لدولها ، ومشاكل تنبع من دمج النفط مع الاقتصاد الكلي. تشير احدى الدراسات الى انه في حال استثنينا النفط من هذه الاقتصادات يتبين لنا ان معدل النمو الاقتصادي العربي لايتجاوز 2 او 3% على الاكثر.
ان الاصل في الاقتصادات المتقدمة هو التنوع والانفتاح فيما الاقتصادات الريعية هي الاكثر تعرضا للازمات المالية والاضعف في مواجهة تقلبات الاسواق العالمية ، وهنا نشير مثلا الى الاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز في المنطقة العربية، رغم ان بعضها لديه فوائض مالية كبيرة الا انها تتأثر بتقلبات الاسعار على المدى المتوسط او الطويل؛ ما يحتم عليها العمل بشكل جدي لتقوية اقتصاداتها وتعزيزها بمصادر مساندة للسلعة الرئيسية، وكذلك لابد من الاشارة الى الاقتصادات التي يهيمن عليها القطاع الحكومي المتخم باليد العاملة الزائدة إلى اقتصادات يكون فيها للقطاع الخاص دور المحرك الرئيس للنمو، وكذلك لابد من خلق اقتصادات مفتوحة تعتمد التنافسية في عملها واكثر انفتاحا على الاقتصاد العالمي.
وفي أعقاب الطفرة النفطية الأخيرة، لجأت الدول العربية النفطية، خصوصاً الدول الخليجية، كوسيلة لتنويع مصادر الدخل إلى الاستثمار في صناديق الثروة السيادية. وتشمل صناديق عديدة حيازات ضخمة من الأصول العابرة للحدود. ومع أن الاستثمار عبر الصناديق السيادية ساعد في الحدّ من وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية، وتقلبات أسعار النفط على البلدان المعنية، لا بد من التأكيد على أهمية التنويع الاقتصادي الحقيقي
ووفقا لتقرير مؤسسة «إرنست آند يونغ» العالمية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي، أن تستقطب رؤوس أموال إضافية قيمتها نحو 17.7 بليون دولار، في حال توصّلت إلى «تحقيق معدلات مشابهة لمستوى التنوّع الاقتصادي في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي مقرها في باريس ».
في الحقيقة ان سعي البلدان العربية الى ايجاد تنويع اقتصادي له العديد من الايجابيات يمكن اجمالها بما يلي:.
• الدخول الى الاسواق العالمية بامكانيات منافسة نتيجةً هذا التنوع .
• الحد من تقلّبات النمو الاقتصادي ، ما يشجّع على الاستثمار الخاص في القطاعات الاقتصادية المتعددة.
• تخفيض معدلات البطالة ، حيث لابد من وجود شراكة حقيقية بين القطاعين الخاص والعام وعدم الاعتماد على القطاع العام، وإيجاد فرص العمل المناسبة للباحثين عنه. وتدلّ تجربة البلدان الغنية بالموارد في مختلف أنحاء العالم على أهمية الاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز المؤسّسات لتحقيق التنويع الاقتصادي .
• يوفر التنويع في قطاعَي التصنيع والخدمات ذات القيمة المضافة المرتفعة كثيراً من الفرص أمام تصدير منتجات جديدة بدلاً من تصدير المنتجات ذاتها في صورة أكثر كثافة.
• فتح الباب امام المزيد من الاستثمار في القطاع التكنولوجي وادخال الصناعات المتطورة التي تعود بالمنفعة على الاقتصاد ككل .
• جذب الاستثمارات العالمية الى المنطقة للاستثمار في المجالات المتعددة .
لابد من السعي الى تحسين بنية الاقتصادات العربية و العمل الجاد لدعم التصدير وإنشاء صندوق التنمية الصناعي، ودعم توجّه وتسهيل جذب الاستثمار الأجنبي والمدن الاقتصادية .
اليوم تواجه اقتصادات المنطقة العربية تحدّيات جمة، خصوصاً الدول النفطية ، في تنويع مصادرها الاقتصادية لتعزيز النمو في الشكل الصحيح، وتصحيح الاختلالات في تنويع المصادر وتيرة النمو غير النفطي وإيجاد فرص عمل مستدامة لمواكبة الزيادة الفائقة في حجم قوة العمل.
وبالنسبة إلى البلدان العربية غير النفطية فالمشكلة تكمن في السياسة المالية التي تستهدف بناء رأس المال البشري والبنية التحتية الملائمة، اذا ان عليها ان تضع الأسس اللازمة لتنويع اقتصادي ناجح ومحاولة تقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية التي تجعل منها اقتصادات تابعة وغير قادرة على بناء قاعدة صلبة لها، والواقع العربي يؤكد أن الدول العربية لن تتمكن مستقبلا من تحقيق معدلات النمو المتوقعة إذا استمرت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية أو إذا انخفضت عنها، خصوصا أن المنطقة العربية تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والامني وسط حالة من الصراعات طالت جميع مفاصل الاقتصادات العربية ، وهو الامر الذي يعزز فكرة البحث وتطوير مصادر اخرى لاقتصاداتها.

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية