هناك غزو، وهنا أسطورة المقاومة، هذه المعادلة المتنافرة تختزل عدن بأوضاعها القائمة . وهذا يعني:
* أولاً: أن غزو الحوثيين وعلي عبدالله صالح عدن ليست امتداداً لحرب سيطرتهم التي مرت على عديد محافظات وكثير من المناطق، بل هي حرب بذاتها أعدت لها القوات الضاربة وتحددت لها الأهداف ومن ذلك الوصول إلى المواقع الاستراتيجية والتمركز فيها لإحكام السيطرة عليها .
* ثانياً: في الإعداد لهذه العملية كانت تمردات الوحدات الخاصة والطلعات الجوية على دار إقامة الرئيس عبدربه منصور هادي، وهي ما تسمى بعمليات جس النبض لمعرفة رد الفعل وقياس مقدار القوة .
* ثالثاً: إذا ما عدنا إلى أجواء ما قبل اندلاع الغزو نجد أن الغزاة كانوا يعملون للوصول إلى أهدافهم في التمركز وسيستعرضون قواتهم بما يعني ذلك إشاعة المخاوف وبسط الهيمنة .
فما الذي حدث؟
لقد انهار كل شيء من هذه الخطة في لحظة .
اصطدم الغزو الذي اتجهت قواته من ساحل أبين باتجاه مدينة عدن ومديرية صيرة عموماً ب:
أولاً: “دفاعات جمعت أجيالاً من المحاربين الذين اجترحوا بإمكاناتهم البسيطة وأعدادهم اليسيرة مآثر عظيمة ولقنوا الغزاة دروساً بليغة .
ثانياً: انتفاضة شعبية تصدرها الشباب شملت عموم محافظة عدن لمقاومة الغزاة والذود عنها باعتبارها عنوان الكرامة .
من هذه التطورات عاد الغزاة يندفعون في حرب انتقامية من الصمود والمقاومة كما لو أنهم عازمون على التقدم إلى الأمام على أنقاض المباني وأشلاء سكانها وهم أنجزوا من الجرائم الأعداد الوفيرة .
قطعوا الكهرباء والمياه ودمروا منازل كثيرة وأطلقوا نيران أسلحتهم كيفما كان، وأشاعوا الرعب وأجبروا السكان على إخلاء منازلهم وتمركزوا فيها لاقتناص الضحايا وإمطار الشوارع وواجهات المنازل بالرصاص الذي نال أعداداً من الضحايا الأبرياء في الشوارع والبيوت ومنهم الأطفال والمسنون .
لقد أقام الغزاة أيام الجحيم في عدن من خلال القتل المفتوح وانقطاع المياه والكهرباء وتفجير شبكة الصرف الصحي وأكوام النفايات التي تملأ الشوارع، حيث المحال التجارية مغلقة والمواد الأساسية للغذاء انقطعت والأسعار ارتفعت وانتعشت تجارة السوق السوداء وليس هناك رواتب والأغلبية العظمى من سكان عدن يعتمدون على رواتبهم .
في ظل هذه الأجواء والأوضاع التي أشاعها الغزاة بهدف كسر إرادة أبناء عدن تولدت المواجهة ومن ذلك:
– تسابق سكان المدن إلى احتضان المشردين من بيوتهم بمشاعر أخوية حميمية وتقاسموا المعيشة معهم بحب وأريحية .
– تزايد أعداد المنخرطين في لجان المقاومة الشعبية وردعهم المعتدين ومحاصرتهم، واللافت أن الانخراط في هذه العملية صار يشمل أسراً بكاملها .
عودة الحياة إلى المرافق الصحية للدولة مثل مستشفيات والمراكز الصحية وتقديم الأدوية المجانية واندفاع الأطباء والممرضين للعمل بحماس وإخلاص رغم أن هذه المرافق باتت تفتقد لأجهزة أساسية لكنها تؤدي العمل بما لديها بأقصى حدود .
وما يستحق الإشارة أن العديد من الطبيبات عملنَ في أجوا مرعبة وكنَّ متماسكات وصبورات ويقدمن أروع الأمثلة في التضحية .
اللافت أن المواطنين في عدن يتناقلون أنباء الحرب التي يعيشونها وفي الأغلب تصدق تنبؤاتهم عما سيحدث، ومنذ البداية أسقطوا من حسابهم ما تردده بعض القنوات التي تتأرجح بين التهويل والتهوين وتجافي الحقيقة .
لماذا تقتلون أبناءنا؟ لماذا تدمرون بيوتنا؟ لماذا هذا الحقد والكراهية علينا؟
كل أبناء محافظة عدن يتساءلون ولسان حالهم يقول: لعلي عبدالله صالح حقده الصريح لتحويل عدن إلى قرية وقد فعل لتكون مقبرة وهي ستكون كذلك للغزاة بجهلهم ووحشيتهم .
فماذا عن الحوثيين؟ وهنا قد يكون مناسباً القول: إذا كان الحوثيون صعدوا صاروخياً في صنعاء، فإن استهدافهم عدن هو السقوط التاريخي بالنتيجة .
هاشم عبدالعزيز
الخليج