بومبيو وإيران.. أميركا تريد إسقاط النظام

بومبيو وإيران.. أميركا تريد إسقاط النظام

تثير العاصفة الجديدة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عبر إعلانه 12 شرطا طالب إيران بتحقيقها؛ أسئلة عما تريده واشنطن من طهران، وسط حديث خبراء ومحللين عن أن أميركا انتقلت من سياسة احتواء إيران إلى السعي لتغيير نظامها من الداخل.
وإضافة إلى قائمة شروط بومبيو التي أعلنها في خطابه الأول منذ توليه حقيبة الخارجية الأميركية، فقد تعهد بفرض عقوبات قال إنها ستكون “الأقوى في التاريخ”، بينما سارعت طهران إلى إعلان رفض ما وصفتها “بالإملاءات الأميركية” عليها.

إسقاط النظام
بومبيو اختصر هدف بلاده من قائمة الشروط وسلسلة العقوبات على طهران بالرغبة في أن ينتقل النظام الإيراني من القتال على جبهات عدة في الشرق الأوسط، “إلى القتال من أجل بقائه وحماية نفسه”.
وفي الجملة الأخيرة بالذات، قرأ مراقبون ومسؤولون إيرانيون رسالة واشنطن من تصعيدها الحالي ضد طهران، ومفادها أن أميركا تريد إسقاط النظام الإيراني، حيث عبر مسؤول رفيع فيها عن قناعتها بأن “الولايات المتحدة تسعى لتغيير النظام في إيران”، وأضاف أن “أميركا تريد الضغط على إيران للإذعان وقبول مطالبها غير المشروعة”.

سيناريوهات
ويتفق خبراء ومحللون على أن سعي واشنطن لتغيير النظام في طهران يراهن على أن يحدث ذلك من الداخل عبر الضغط المتواصل لتقويض النظام والثورة عليه.

وسيناريوهات هذا السعي الأميركي لإسقاط النظام الإيراني تبدو محددة بما يلي:

أولاـ حدود رخوة:
خيارات واشنطن وحلفائها تبدو أقرب إلى دعم المعارضة في المناطق الحدودية التي تصنف باعتبارها رخوة أمنيا:

– مجاهدي خلق، ويبدو هذا الخيار هو الأضعف برأي الخبراء في الشأن الإيراني نظرا لوجودهم وتأثيرهم المحدود في إيران، إضافة إلى حساسية المجتمع الإيراني من علاقتهم التاريخية بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

– ششستان وبلوشستان وكردستان، إذ يتوقع خبراء ومراقبون أن تكثف واشنطن وحلفاؤها من دعم وتسليح المعارضة الموجودة في بلوشستان وششستان على الحدود مع باكستان، إضافة إلى المعارضة الكردية على الحدود مع العراق، حيث تنتشر جماعات مسلحة في المناطق الحدودية التي تصنف بكونها رخوة أمنيا. وكثفت طهران محادثاتها مع إسلام آباد لتقويض المعارضة على حدود البلدين، كما تعمل على تقويض المعارضة الكردية لها عبر دعم جماعات كردية موالية لها.

– الخنق عسكريا، فوفق دراسة منشورة في فصلية الإدارة العسكرية “مديريت نظامي” الإيرانية عام 2017، تزيد عدد القواعد العسكرية الأميركية في منطقة غرب آسيا وحول إيران عن 50 قاعدة، وتتركز أساسا في الدول الجارة لإيران من ناحيتي الشرق والجنوب.

ثانياـ تقويض من الداخل:
ومن الخطوات المحتملة لهذا التقويض:

– الضغط الاقتصادي، إذ يقوم رهان واشنطن على أن يثمر الضغط عبر العقوبات فيؤدي إلى تآكل النظام من الداخل. كما يقوم على استمرار نزيف النظام بالعقوبات التي بدأت منذ انطلاق الثورة الإيرانية قبل نحو 40 عاما.

– وعود روحاني، إذ ترغب واشنطن في منع روحاني من تنفيذ وعوده التي قامت أساسا على الاتفاق النووي الذي نجحت طهران في توقيعه مع القوى الست الكبرى (أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا).

– حرب النخب، أو تصعيد الخلاف بين النخب الإيرانية، وهنا يعيد مراقبون الأنظار إلى مظاهرات نهاية 2017 التي انطلقت من داخل النظام نفسه، وبدأت بدعوات من إمام مسجد جامعة مشهد “آية الله علم الهدى” الذي يرتبط بعلاقة نسب مع المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي الذي نافس روحاني في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

وجه آخر للغضب من داخل النظام نفسه يمثله الرئيس السابق أحمدي نجاد، فرغم إقصاء الأخير من المشهد السياسي فإن رسائله الأخيرة للمرشد آية الله علي خامنئي تكشف -برأي مراقبين- عن أزمة واضحة داخل بيت النظام، لاسيما أن نجاد يمثل شريحة لا يستهان بها من الفقراء والمهمشين.

– الحرس الثوري، إذ كشف سلسة الشروط الأميركية والعقوبات عن إستراتيجية أميركية تقوم على إرسال رسائل إلى الداخل الإيراني بأن مشاكلكم الاقتصادية تبدأ وتنتهي من سياسات مؤسسة الحرس الثوري، وترغب واشنطن أن ينتج عن ذلك صدام سياسي حول أدوار الحرس في الاقتصاد، والأهم السؤال الأكبر عن التدخلات الإيرانية في الخارج باعتبارها السبب الرئيسي في كل ما يعانيه الشعب الإيراني.

حصار لا عقوبات
من جهتها ترى الخبيرة في الشؤون الإيرانية بمركز الجزيرة للدراسات الدكتورة فاطمة الصمادي أنه رغم عدم استخدام بومبيو تعبير إسقاط النظام حرفيا، فإن مجمل ما ورد في خطابه يقول ذلك.

وقالت الدكتورة فاطمة للجزيرة نت إن “حديث بومبيو عن عقوبات غير مسبوقة تصل إلى المواد الغذائية تعني أننا أمام إعلان حصار لا مجرد عقوبات”.

وأضافت أن المعطيات الداخلية الإيرانية تؤكد أن هناك أزمة ناتجة عن العقوبات المفروضة أصلا، حيث تبلغ نسبة البطالة قرابة 13%، إضافة إلى خطط إصلاح اقتصادي أخرجت نسبة كبيرة من الإيرانيين من مظلة الأمان الاجتماعي.

وتابعت أن “تراكم الأزمات الاقتصادية منذ الثورة حتى اليوم يوسع الفجوة بين الإيرانيين ونظامهم”، وأن واشنطن “تراهن على صناعة حالة احتجاجية كبيرة داخل إيران تفضي إلى إسقاط النظام من الداخل”.

خيارات الرد
في المقابل ترى الدكتورة فاطمة أن إيران لن تقبل بهذا “النمط السياسي من فرض الإملاءات”، وأنها عددت خيارات للرد على الخطة الأميركية بما يلي:

أولاـ تصعيد إقليمي:
– إيران ستصعد في الملفات الإقليمية، ولن تتخلى عن أولوياتها في السياسة الخارجية، وعلى رأسها نفوذها في سوريا، إضافة إلى الملف الفلسطيني الذي تعتبر أن له بعدا جيوسياسيا هاما يتعلق بالبحث عن مشروعية في العالم السني، فضلا عن كونه ورقة في ملف الصراع مع إسرائيل.

– ما حدث في الجولان رغم السخرية من حجمه؛ مثّل رسالة بأن إيران يمكنها أن تفتح هذه الجبهة متى أرادت ذلك.

– بشأن الملف الأفغاني فقد تمكنت إيران من بناء أرضية قوية في أفغانستان خلال السنوات الماضية، ولديها علاقات حتى مع حركة طالبان، وهي قادرة على جعل الوجود الأميركي هناك مكلفا، وهذا قد يتحول أيضا إلى ورقة تفاوض.

ثانياـ ثمن الصدام:
– تراهن إيران على حسابات الأطراف المعادية لها من كلفة أي صدام معها، وهذه الأطراف هي إسرائيل من جهة، وحلفاؤها العرب من جهة أخرى. ورهان طهران يقوم على أن كل طرف يريد أن يقوم الطرف الآخر بتصفية ملف إيران عبر شن الحرب عليها، حيث تدفع السعودية إسرائيل لخوض المواجهة، في حين تريد تل أبيب أن تتولى الرياض هذه المهمة.

– تدرك طهران أن الأطراف الإقليمية تدرك ثمن الكلفة العسكرية لأي صدام معها، وأن الكلفة ستكون باهظة للجميع وستكون مدمرة لكافة دول المنطقة.
ثالثاـ محادثات سرية:
– رغم أجواء التصعيد غير المسبوق، فلا يستبعد أن تلجأ طهران وواشنطن إلى عقد محادثات سرية للتوصل إلى حل لملفات الأزمة بينهما، وهناك 13 حالة جرى فيها تفاوض سري وعلني بين طهران وواشنطن.

– للمفارقة كان الرئيس الحالي حسن روحاني أحد المتفاوضين مع واشنطن في أزمة الرهائن، كما عقدت محادثات سرية خلال الحرب العراقية وملفات أخرى.
رابعاـ غياب الإجماع الدولي:
– إحدى الأوراق الهامة بيد طهران اليوم؛ أن سياسة واشنطن ضدها لا تحظى بإجماع دولي، حيث لا يمكن لواشنطن أن تحصل على قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات عليها كما كان يحدث في السابق.

– كما أن طهران تتمتع بعلاقات إستراتيجية غير مسبوقة مع روسيا ترجمتها الحرب في سوريا.

– تدرك طهران أن رهانها على الاتحاد الأوروبي ضعيف، فرغم تمسك أوروبا بالاتفاق النووي فإن دوله لم تتمكن من توفير الضمانات لشركاتها التي بدأت بالانسحاب من إيران، لكون هذه الدول مرتبطة بالاقتصاد الأميركي الذي يرفع عصا العقوبات في وجهها.

– كما تدرك أن الأوروبيين ورغم خلافهم مع أميركا في الملف النووي، فإنهم يلتقون مع واشنطن في قلقهم من الملف الصاروخي الإيراني، وهو ما يعزز قناعتها بأن رهانها على أوروبا ضعيف.
المصدر : الجزيرة