د. سليم محمد الزعنون*
يُعقد معهد الدراسات المتعددة المجالات (IDC) في مدينة هرتسليا، مؤتمره السنوي “الحصانة والأمن القومي لدولة إسرائيل”، ويُعتبر أحد أهم المؤتمرات في إسرائيل، بوصفه أحد الأماكن التي تُرسم فيها السياسة والاستراتيجيات الإسرائيلية المختلفة، يجمع المؤتمر كبار القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين ومختلف النخب الأكاديمية والثقافية، بالإضافة إلى مشاركة عربية ودولية.
يأتي انعقاد المؤتمر الأخير في 8-10 مايو 2018 في ظل تغيرات ديناميكية متصاعدة، حيث ارتفاع حدّة التوتر على الجيهة الشمالية والجنوبية، مع ارتفاع حدّة المواجهة مع إيران، بالتزامن مع تدهور الأوضاع على حدود قطاع غزة، إلى جانب تطورات في عملية السلام والعلاقة مع الفسطينين، وعلى المستوى الإقليمي ارتفاع حاد في سباق التسلح وانعكاساته على الوضع الإسرائيلي، كل هذه المتغيرات وجدت انعكاساتها في عنوان المؤتمر “هل تهدأ البلاد – إسرائيل ما بين الاستقرار والتغيير والمواجهة”، وفقاً لهذا المنظور ناقش المؤتمر التهديدات التي تواجه إسرائيل وسُبل مواجهتها، وسباق التسلح الإقليمي وآثاره على إسرائيل، العلاقة مع الدول العربية، والأوضاع الفلسطينية.
أولاً: التحديات الإسرائيلية.
التحديات التي تواجهة إسرائيل خلال المرحلة القادمة، تتمثل في حزب الله، وإيران، في إطار مجابهة التحديات على الجبهة اللبنانية، تم تبني رؤية إستراتيجية “عدم الفصل بين لبنان كدولة وحزب الله”، وينبغي النظر إليهما باعتبارهما جسماً واحداً، وفي سياق مواجهة إيران تم تبني نظرية “ضرب رأس الأخطبوط” والتوقف عن إهدار الطاقات في محاربة الأذرع.
تعمل اسرائيل في مواجهة النووي الإيراني وفقاً لـ “عقيدة بيغن”، تبدأ باستخدام العمل الدبلوماسي والأمني، ثم استخدام سياسة المنع والإحباط، وفي المرحلة الأخيرة سياسة الضربة الوقائية، ] انتهت مرحلة الدبلوماسية بتوقع الاتفاق النووي، وبدأت مرحلة المنع والإحباط مع توقيع الاتفاق، انسحاب الولايات المتحدة يؤشر إلى بدء نهاية مرحلية المنع والإحباط[
لا ترى إسرائيل في هذه المرحلة ضرورة في مهاجة إيران بشكل مباشر، لكن المرحلة القادمة تستوجب الاستعداد جيداً لضربها، لمنع امتلاكها السلاح النووي، ومنذ اليوم الأول للمعركة يجب ضرب القدر الأكبر من الترسانة الصاروخية، وفي حال اندلاع مواجهة ايرانية اسرائيلية ستلعب روسيا دور الوسيط، فموسكو لا تريد أن تكون في مواجهة مع اسرائيل، صحيح لا يوجد نفس المصالح ولكن توجد علاقات مفتوحة بين الطرفين.
ثانياً: سباق التسلح.
إنطلق سباق التسلح في الشرق الأوسط منذ عقد من الزمن، مع “انطلاق الربيع العربي”، بفعل أربع عوامل جيواستراتيجية: الأول السلوك الإيراني، الثاني الحروب في الشرق الأوسط، الثالث عودة روسيا الى مكانتها في المنطقة، الرابع سعي التنظيمات الى اقتناء اسلحة.
وتسعى كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر بشكل رئيس لزيادة قدراتها العسكرية، وتنويع مصادر شراء الأسلحة، وكل منها له أهداف يسعى لتحقيقها على المستوى الداخلي والإفليمي والدولي، وتأتي بدرجة ثانية تركيا والجزائر والسودان.
تواجه إسرائيل في ظل سباق التسلح مجموعة من التحديات أهمها، النووي الإيراني، الصواريخ البالستية، الطائرات الحديثة ومنظومات الدفاع المتقدمة، التهديد البحري، والاقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، وتهديد السابير.
وتوصي الأوراق بأن على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أن زيادة القدرات للدول العربية قد يسحق التفوق العسكري الإسرائيلي، ويجب تدرك بأن العلاقة مع هذه البلدان قد تتغير، ويجب أن يكون لديها الاستجابة للقوة التي تراكمها هذه الدول.
ثالثاً: العلاقات العربية الإسرائيلية.
هناك مصالح استراتيجية مشتركة بين دول الخليج “السعودية والإمارات” وإسرائيل في مواجهة التحديات الإرهاب، والتهديد الإيراني، ويضف البعض تركيا، هذه التهديدات دفعت السعوية للتعاون مع اسرائيل في الحرب على إيران، وفي إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأوصت الأوراق بتطوير العلاقة مع الدول العربية المعادية لإيران، والانتقال بها من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، فإستمرار علاقة بالارتكاز على الأمن وحده يهدد استدامتها، غير أن القضية الفلسطينية تقف عقبة في طريق التشبيك مع العالم العربي، وفي الوقت الحاليّ تعمل الرياض وواشنطن وتل أبيب معًا لإيجاد تسوية متّفق عليها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن التحدي أن السلطة الفسطينية لم تبسط سيطرتها بعد على غزة، وترفض الإملاءات الأمريكية والسعودية، والفلسطينيون يملكون الوسائل لإفشال أي تحرك.
رابعاً: الفلسطينيون.
ينبغي الحفاظ على هذه العلاقة مع السلطة الفلسطينية وتعزيزها، لأن التنسيق الأمني يخدم الطرفين، إن تدهور في العلاقة مع الفلسطينيين يستوجب دق ناقوس خطر استراتيجي، حيث يتراجع دور وتأثير السلطة، إن عدم تحديد وريث لـ أبو مازن وفي ظل غياب افق سياسي للفلسطينيين فإن الأمر يعد خطيراً.
حركة حماس فشلت في كل شيء، فشلت في إدارة شؤون الحياة اليومية للسكان، وهي اليوم تحاول التهرب من المسؤولية عن طريق تحويل غضب الشارع لإسرائيل، قبل أن ينفجر في وجهها، في هذا السياق تدير مسيرات العودة لتصبح أكثر جاذبية للفلسطينين في إطار لعبة استراتيجية هدفها السيطرة على م. ت.ف. وعلى السلطة الفلسطينية وعلى الشارع في الضفة الغربية.
إن سبب الأزمة الحقيقي في الحالة الفلسطينية يكمن بأن إبو مازن لا يستطيع الحكم في غزة، وحماس غير مستعدة للتخلي بشكل حقيقي عن السلطة، وكلاهما لا يكترث للمستقبل.
الخلاصة:
تؤشر النقاشات والحوارات الاستراتيجية، أن إسرائيل تعيش العام الحالى أوضاعاً مريحة، دفعتها لتبني استراتيجيات ونظريات جديدة، تهدف لإحداث التفوق في المنطقة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الدعم الأمريكي، وانفتاح العلاقات وتوافق المصالح في بعض الجوانب مع روسيا.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية