حملت التطورات الاخيرة التي شهدها العراق بعد احتلال الموصل من قبل “تنظيم الدولة” طهران على تعزيز الميليشيات الشيعية المسلحة في البلاد،وهو ما يدعو الى التأكيد بان المواجهات الدامية والدم، الذي نزف في معارك سامراء وتكريت، من شأنه اعادة رسم الجغرافيا بحدودها المكانية والسكانية.
ولعلنا نقف هنا امام فرص جديدة توافرت بعد معركة تكريت ستضيف رصيدا داعما للاستراتيجية الايرانية، بما يمكنها من احكام السيطرة على البلاد، تعزيزا لتفوقها على المستويين العربي والاقليمي. ولهذا فان توطيد نفوذ طهران يتطلب الإطاحة بالمعاقل السنية، إذ قدم “داعش” عذرا مثاليا لمزيد من التدخل الايراني، ما يجعل الحكومة العراقية تدين بعظيم الامتنان لجهود طهران بهذا الصدد.
وما حدث في المعارك الاخيرة يسلط الضوء على خطة ايران القائمة على الاندحار ثم الاستبدال، وبعبارة اخرى فان اندحار “داعش” وخسارته المزيد من الاراضي، سيكون في مقابله المزيد من المكاسب لطهران، بعد ان تسيطر الميليشيات على الارض، ما يشكل متغيرا مهما في تحديد مستقبل العراق.
ومن هنا تشهد ناحية النخيب التابعة لمحافظة الأنبار تحركات واسعة لجهة ضمها الى محافظة كربلاء تحت دعاوى التصدي لداعش ومنعه من السيطرة على الناحية، ومن ثم مهاجمة وتهديد محافظة كربلاء. إذ يحاجج الساسة الشيعة بانها محاذية لمحافظتي النجف وكربلاء، وهي خط الحماية لهاتين المدينتين، كما تعد في نفس الوقت جوارا جغرافيا مع لدول الجوار السعودية والاردن، وهي جزء من الجغرافيا الشيعية.
موقع النخيب
وتقع الناحية في وسط الصحراء العراقية من الجهة الغربية وكانت تابعة إلى قضاء الرطبة والتي تبعد عنه بمسافة تصل إلى حوالي 270 كم، وأكثر من 100 كم عن الحدود السعودية- العراقية، ما أكسبها أهمية لوقوعها على طريق الحج البري واستراحة الحجاج إلى بيت الله الحرام والذي يعدّ منفذاً ومفتاحاً مهما لمحافظة الأنبار مع المملكة العربية السعودية.
أما من على المستوى الاداري فقد كانت النخيب قرية تابعة إلى ناحية الرطبة وجزءاً من (البادية الشمالية) التي تأسست على حسب نظام الإدارة الخاصة في البادية رقم 22 لسنة 1946 كانت شرطتها تتبع شرطة البادية العربية في الرطبة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
وأصبحت ناحية بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 596 في 1960، ويكون مركزها في النخيب وترتبط بقضاء الرطبة، التابع لمحافظة الأنبار لغاية 1978 ضمت لمحافظة كربلاء ولمدة أربعة عشر شهراً فقط، بعد الأزمة التي حدثت بين وجهاء عشائر النخيب وحكومة الرئيس العراقي الاسبق أحمد حسن البكر – كان الغرض منها معالجة إدارية مؤقتة وقد انتهت في حينها – ثم أعيدت عام 1979 إلى محافظة الأنبار بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 408 لسنة 1979 وتكون تابعة إلى قضاء الرطبة.
اسباب ضم الناحية الى محافظة كربلاء
– تحوي ناحية النخيب والرطبة على مخزون نفطي هائل يفوق 200 مليار وكان النظام العراقي السابق قد وضع خططاً لحفر آبار نفط استكشافية فيها لكن غزو العراق سنة 2003 حال دون ذلك .
– موقع النخيب الاستراتيجي في طريق قوافل الحج البرية الرابط بين العراق وإيران، مما يضفي على المكان أهمية كبرى.
-السعي لتقليل مساحة محافظة الأنبار، وهو هدف استراتيجي ايراني يراد له تحجيم الجغرافيا السنية.
– قطع الصلة بين الأنبار وعشائرها والمملكة العربية السعودية والأردن، وفرض (طوق شيعي) حول السعودية من جهة العراق، بواسطة تبعية النخيب لمحافظة كربلاء، علما بان هناك تحضيرات جدية لحفر الآبار في الصحراء الغربية، وحول بناء وحدات سكنية لتهيئة مناطق سكنية في الصحراء، وهو مخطط له صلة بقيادات دينية من أصول إيرانية، لاسيما وأن التشيع دائماً يعتمد على الجغرافيا في تحقيق اهدافه.
-ضم ناحية النخيب إلى محافظة كربلاء يعني أن تصبح المحافظات العراقية ذات الأكثرية الشيعية على تماس مباشر بالحدود السعودية والأردنية، بحيث تملك إيران طريقاً آمناً عبر المحافظات الشيعية في جنوب العراق ووسطه للوصول هناك.
وتفيد المعلومات التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية عن زيارة قام بها هادي العامري زعيم ميليشيا بدر للناحية، متفقدا ميليشيات الحشد الشعبي التي انتشرت بين منطقة الـ 160 والنخيب غرب الرمادي، وللاشراف على عملية نشر الصواريخ الايرانية الموجهة نحو السعودية.
ولهذا جرى تكليف قيادة عمليات الفرات الأوسط بمسؤولية تأمين الناحية عسكريا، بعد ان كانت تابعة لقيادة قوات الجزيرة والبادية، وان جزء من خطة عمليات مهاجمة الانبار ستتم من جهة محافظة كربلاء، كما يمثل الطريق المختصر الذي جرى شقه مؤخرا والرابط بين محافظة كربلاء ومنفذ الوليد الحدودي مع سوريا، رئة لنظام الاسد والمار بمنطقة النخيب والهبارية انطلاقا من منطقة عين التمر في كربلاء، وصولا إلى منفذ الوليد، دون المرور بمدن الأنبار أو الطريق الدولي السريع الذي يربط بغداد بعمان ودمشق ويمر بمحاذاة مدن محافظة الأنبار. ويستخدم هذا الطريق في نقل السلاح والمقاتلين سواء من العراق أو إيران، إلى سوريا، دون الحاجة للمرور بمدن الأنبار أو طريقها السريع، حيث غالبا ما تهاجم تلك الشحنات من السلاح أو المقاتلين من قبل المسلحين.
ومن الواضح أن هذه التطورات تأتي على خلفية الزيارة التي قام بها قاسم سليماني الى العراق مؤخرا، وقد تناولها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالتحليل لمنع سقوط نظام الاسد بعد التطورات الميدانية الاخيرة التي حققتها المعارضة السورية، وتنفيذ خطة تبدأ من تأمين محيط العاصمة بغداد بفرض طوق من ميليشيات الحشد حولها، تتبعها عمليات عسكرية واسعة النطاق تمتد فيما بعد إلى مدينة الرمادي، التي يراد تأمينها بشكل كامل، ومن ثم التقدم صوب المناطق النائية حيث الحدود مع الأردن وسوريا، وصولاً إلى منطقة عرعر، حيث نقاط التماس مع المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، يبدو أن السياق الرئيس لربط ناحية النخيب بمحافظة كربلاء، انما يكشف في احد اوجهه عن انزعاج ايراني من العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي ضد الميليشيات الحوثية، حيث دعا قائد “الحرس الثوري” اللواء محمد علي جعفري إلى اتخاذ موقف أكثر عدائية ضد عمليات التحالف في اليمن، بينما دعا رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء حسن فيروز آبادي إلى إنزال “أشد العقوبات” بالسعوديين، لتكون الاراضي المحاددة للسعودية في قبضة الميليشيات، وما تعنيه من احتمال التعرض للمملكة او التلويح به. إلا أن الأمر يبدو أشبه بتحذير واضح إلى التحالف الذي تقوده السعودية بأن احداث اليمن لن تمر بدون انتقام. من هنا، تعتبر الحادثة جولة أخرى من جولات الصدام بين طهران والرياض.
وفي الواقع فأن تكليف قيادة عمليات الفرات الأوسط بمسؤولية تأمين ناحية النخيب عسكريا، يعد مؤشرا للتهديد باللجوء إلى العمل العسكري من قبل إيران واذرعها في المنطقة، ومن الممكن أن يدفع الميليشيات الشيعية نحو المزيد من الجرأة لتبني مواقف أكثر عدائيةً حيال السعودية والاردن، وربما ينشط وكلاء ايران بشكل أكبر ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في لحظة معينة.
وخلال السنوات الماضية، حاول الساسة الشيعة احكام قبضتهم على الناحية من خلال التأكيد على عائديتها التاريخية لمحافظة كربلاء، واقتطاعها لتلحق بمحافظة الانبار، بينما يرفض الساسة السنة هذا الامر داعين الى التصدي لهذه المحاولات التي يراد منها ترسيخ النفوذ الايراني في المناطق التي يتجاور فيها مع العراق مع دول عربية. وبعبارة ثانية فان ضم ناحية النخيب الى محافظة كربلاء ينطلق من مقاربة استراتيجية تقوم على العقاب والإكراه تنفذها الاذرع الايرانية في المنطقة. وبموجب هذه الاستراتيجية، تستطيع الميليشيات ان تتصدى عسكرياً بالنيابة عن طهران، ويمكن أن تتصاعد هذه الإجراءات بسرعة لتصل إلى حد قيام مواجهة عسكرية أوسع مع بعض دول الخليج العربية.
لذلك، من غير المرجح أن يكون الحاق ناحية النخيب بالجغرافيا الشيعية هو الاخير من نوعه. والسؤال الرئيس هو متى ستحدث الجولة المقبلة من الالحاقات التي يراد بها احداث تغييرات سكانية وجغرافية في العراق؟ ونظراً لما يمكن ان تسببه هذه السياسات من تداعيات على دول المنطقة، فان موقفا حاسما لابد ان يتخذ.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية