في شهر يناير من عام 2012، أرسل باراك أوباما رسالة خاصة إلى طهران تحمل تحذيرًا شديد اللهجة: مضيق هرمز “خط أحمر” بالنسبة للولايات المتحدة، وأي محاولة إيرانية لإغلاق الممر الملاحي الحيوي سوف يقابلها رد فعل عسكري سريع.
ويقول المسؤولون في إدارة أوباما إنه في الأسابيع الأخيرة اقتربت إيران من هذا الخط عن طريق مضايقة السفن التجارية في المنطقة، وتتجاوب وزارة الدفاع الأمريكية مع هذا التهديد. مضيق هرمز هو فتيل اشتعال الصراع، وهو ممر مائي ضيق يقع على طول الساحل الغربي لإيران ويمكّن من الوصول إلى الخليج الفارسي وموانئ تصدير البترول الكبرى في الكويت، والعراق، والمملكة العربية السعودية التي تغذي الاقتصاد العالمي.
وفي يوم الخميس، وافق وزير الدفاع أشتون كارتر على توفير حراسة عسكرية ترافق بعض الشاحنات التجارية التي تمر عبر المضيق، والذي من المتوقع أن يكون مكانًا للصدام العسكري المباشر الأخير بين إيران والولايات المتحدة منذ نحو 30 عامًا.
وبإزاء مواجهة وضع قابل للاشتعال مع إمكانية عرقلة محادثات الرئيس أوباما النووية، يبحث مسؤولو الإدارة، الذين تحدثوا إلى بوليتيكو شريطة عدم الكشف عن هويتهم والذين اختاروا تصريحاتهم بعناية، عن الموازنة بين التأكيد على قوة الولايات المتحدة، وبين تجنّب المواجهة.
وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع: “تكمن الفكرة في الحفاظ على مصداقية ردع القوات البحرية الأمريكية لمنع التصعيد. وهذا ليس أكثر من سلوك لطيف، ولكنه احترازي لاصطحاب السفن المقررة بالفعل. إنها ليست مصممة لإرسال إشارات. إنها فقط مجرد تحوّط ضد بعض السلوك الإيراني الذي لا يمكن التنبؤ به في الأيام القليلة الماضية في مضيق هرمز، وهو أمر نتوقع ألا يستمر لفترة طويلة“.
ولايزال المسؤولون الأمريكيون يحاولون تفسير تصرفات إيران ونواياها في واحد من أهم الممرات المائية في العالم؛ حيث جرت سلسلة من التحركات العدوانية الإيرانية منذ الوصول إلى إطار للاتفاق النووي في الشهر الماضي، والذي يعد نجاحًا بالنسبة للمعتدلين الإيرانيين، مما أثار سؤالًا عما إذا كان المتشددون في الجيش الإيراني يؤكدون على استجابتهم لهذا الاتفاق أم لا.
وفي وقت مبكر من هذا الأسبوع، استولت إيران على سفينة حاويات تابعة لجزر مارشال عند مرورها عبر المضيق. وتدعي إيران أن السفينة، ميرسك تيجرس، محل نزاع قانوني مع الشركة الأم. ولكن، تم إخبار المسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية أن القوات البحرية الإيرانية أطلقت طلقات تحذيرية على السفينة، ويقول المسؤولون إن إيران قد اتخذت إجراءات عدوانية أخرى في تلك المياه خلال الأسابيع الأخيرة.
ويوضح التاريخ إلى أي مدى يعد الوضع خطيرًا؛ فقد حدثت المعركة المباشرة الأخيرة بين أمريكا وإيران كنتيجة للتدخل الإيراني الذي مارسته ضد سفن الشحن في المنطقة. وعلى مدار عدة أشهر في عامي 1987 و1988، تعرضت بارجة صواريخ أمريكية للقصف بواسطة لغم إيراني، وغرقت عدة سفن تابعة للبحرية الإيرانية، وأخطأ صاروخ أمريكي موجّه لطائرة عسكرية إيرانية وأصاب طائرة ركاب وأسقطها؛ مما أسفر عن مقتل 290 شخصًا.
وفي حين تحاول كل من الولايات المتحدة وإيران توقيع الاتفاق النووي النهائي بحلول 30 يونيو، فإن كلا الطرفين يمتلكان حافزًا قويًا لتجنب رؤية إطلاق النار. ولكن المسؤولين والخبراء يشعرون بالقلق حيال احتمال اندلاع أزمة أكبر بواسطة حادثة إيرانية -أو قائد إيراني متهور- في المياه الضيقة، في أضيق نقطة من مضيق هرمز الذي يبلغ اتساعه 21 ميلًا فقط.
ويقول كينيث كاتزمان، محلل شؤون الشرق الأوسط لدى دائرة البحوث التابعة للكونجرس: “إنه ممر مائي صغير جدًا. وهناك فرصة كبيرة للحسابات الخاطئة. وأعتقد أن أي مواجهة بإطلاق النار سوف تسبب بالتأكيد تأخيرًا في الانتهاء من هذا الاتفاق النووي“.
وقد جاءت التوترات في مضيق هرمز بعد أيام من العرض الأمريكي للقوى البحرية لردع إيران؛ حيث أبحرت في أواخر شهر أبريل سفن حربية أمريكية إلى المياه القريبة من اليمن لاعتراض السفن الإيرانية التي كانت تحمل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في تلك البلد. وقد تراجعت السفن الإيرانية إلى الوراء، مما يعد انتصارًا للولايات المتحدة، ولكن إدارة أوباما كانت حريصة على ألا تظهر ذلك الأمر؛ خوفًا من استفزاز الإيرانيين.
ومن جانبها، تنفي إيران فقدان ماء الوجه؛ حيث صرح مصطفى تاج الدين، قائد بسلاح البحرية الإيراني، يوم الثلاثاء طبقًا لوكالة أنباء فارس الإيرانية قائلًا: “الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام الأجنبية والتي تقول إننا قمنا بتغيير وجهتنا بعد وصول أسطول الولايات المتحدة، ما هي إلا دعايا إعلامية صاخبة“.
وقد كانت الجدية التي تتعامل بها إدارة اوباما لتأمين المضيق واضحة في رسالة الرئيس إلى طهران في يناير 2012. وكان أوباما يرد على التهديد، الذي قام به نائب الرئيس الإيراني، بإغلاق المضيق كرد على العقوبات الغربية المقترحة ضد صادرات النفط الإيرانية.
وبعدها بأيام قليلة، أضاف الأدميرال حبيب الله سياري، قائد القوات البحرية الإيرانية، قائلًا: “إيران تبسط سيطرتها الكاملة على الممر المائي الاستراتيجي. وإغلاق مضيق هرمز أمر يسير جدًا بالنسبة للقوات البحرية الإيرانية“.
وقامت وزارة الدفاع الأمريكية على الفور بنشر تشكيلتين من القوات البحرية الأمريكية في المنطقة في استعراض للقوة مدعوم برسالة أوباما (والتي تم الكشف عنها علنًا). فلم تتماد إيران في تهديدها، حتى بعد فرض عقوبات جديدة على النفط.
ويتوقع عدد قليل من الخبراء أن تتجاوز إيران خط أوباما الأحمر عن طريق غلق الممر، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في فوضى اقتصادية عالمية؛ إذ إن هناك ما يقرب من 20% من إمدادات النفط في العالم تتدفق عبر الممر المائي، طبقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية والتي تسمي هذا الممر بـ “أهم ممر لعبور النفط في العالم“.
ولكن، تقرير دائرة البحوث التابعة للكونجرس الصادر عام 2012 من إعداد كاتزمان، حذر من أنه من غير المرجح أن تقوم إيران بغلق الممر بشكل كامل، ولكنها أقرب إلى القيام بـ “تعطيل، أو تهديد، أو مضايقة، أو غير ذلك من الأفعال التي من شأنها زعزعة استقرار الملاحة في الخليج“، وأضاف أن مثل هذه التكتيكات “منخفضة الكثافة” يمكن أن تكون رادعًا ضد “زيادة الضغط الاقتصادي أو الدبلوماسي أو العسكري ضد إيران“.
وليس واضحًا ما إذا كان الجيش الأمريكي سوف يرد على مثل هذه الاستراتيجية الإيرانية أم لا. ولكنه يستطيع أن يرد بطرق مكلفة أخرى لإيران، عن طريق إثارة غضب الدول المستهلكة للنفط نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام، وخاصة الصين التي سعت إيران إلى إقامة علاقات اقتصادية أوثق معها.
ووسط التوترات المتصاعدة حيال السلوك الإيراني في المنطقة، تم استئناف المحادثات النووية في 20 أبريل، ومسؤولو أوباما متفائلون بشأن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران، على الرغم من اختلاف الحسابات في كل من واشنطن وطهران حول الصيغة المحتملة للاتفاق النهائي.
وفي يوم الجمعة، كرر المتحدث الصحفي باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، أن موقف الإدارة تجاه السلوك العدواني الإيراني يقوي من حالة إبرام الاتفاق النووي الذي يقول البيت الأبيض إنه سوف يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي إلى أجل غير مسمى.
ولكن، يبدو أن المحادثات قد خلقت حالة من المنافسة الموازية لإيران، وفي رأي بعض المحللين، يدل هذا على أنه ليس إذعانًا للضغوط الأمريكية، في الوقت الذي يسعى فيه أوباما إلى اتخاذ موقف لطمأنة الحلفاء العرب القلقين بشأن الانفراج المحتمل بين واشنطن وطهران.
ويتوقع المسؤولون أن يستمر الخلاف إلى أن تنتهي المحادثات النووية هذا الصيف، ومن المرجح أن يستمر لسنوات قادمة. وقال إرنست: “تتصرف إيران بطريقة من شأنها أن تزعزع استقرار منطقة مضطربة جدًا من العالم. ونحن لانزال نشعر بالقلق حيال ذلك“.
بوليتيكو – التقرير