النازحون في بغداد.. من حي إلى حي هربا من الموت

النازحون في بغداد.. من حي إلى حي هربا من الموت

photo_2015-05-02_23-50-34

يبدو أن معاناة النازحين لم تنته بدخولهم بغداد وبشق الأنفس؛ فبعد أيام على نشري تقرير ملايين يبحثون عن وطن، وبعد المعاناة والمبيت على حدودها لأيام في انتظار من يكفلهم لدخول العاصمة التي لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن الأنبار، وما لبثوا أن دخلوا بغداد وسكن بعضهم في بيوت؛ حتى بدأت حركة نزوح جديدة ومن منطقة إلى أخرى داخل بغداد.

كانت البداية بحرق خيم النازحين في منطقة السيدية “بظروف غامضة”، أدى إلى تلف الخيم وما حمله النازحون من أمتعه وطعام، ثم تلاه عدد من أعمال الخطف والاغتيال والقتل ومفخخات وقذائف هاون ضربت مناطق مختلفة من بغداد يتواجد بها النازحون، وهي مناطق مختلطة مثل البياع وحي العامل والمنصور والسيدية والدورة وغيرها، وكانت الحوادث في البداية متفرقة وغير موثقة وتستمر الحكومة في إنكارها، حتى ضربت سيارة مفخخة منطقة المنصور/ بغداد أمام مكتب يصدر بطاقات ائتمان خاصة بالنازحين من الأنبار والمدن السنية الأخرى؛ ليذهب ضحيتها عشرات الضحايا أغلبهم من النازحين.

13

استمر تبرير الساسة والبرلمانيين والأجهزة الأمنية لعمليات التفجير والاعتقالات والقتل التي طالت العديد من نازحي الأنبار، بأن منفذيها هم عناصر إرهابية ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية، وإن الغاية هي خلخلة الوضع في بغداد وتأجيج الطائفية!

حتى حصلت عملية فندت الادعاء والتبرير السابق، حينما تم قتل 8 مدنيين سنة من الأنبار من عشيرة البونمر من آل كعود، المعروفة بقتالها لتنظيم الدولة الإسلامية في الأنبار، وبين المغدورين 4 من أفراد الشرطة؛ إلا أن مقاتلتهم لداعش وانتماءهم للأجهزة الأمنية لم يمنع الميليشيات الشيعية من قتلهم؛ حيث تم العثورعلى ثماني جثث تعود لرجال من أسرة واحدة، وهم الأب وأبناؤه وأبناء أخيه، مرمية في إحدى الساحات المتروكة في منطقة حي الجهاد وبدت على الجثث آثار طلقات نارية.

حيث طالب نعيم الكعود، شيخ عشيرة البونمر في محافظة الأنبار غربي العراق، رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي بفتح تحقيق في واقعة قتل مجموعة مسلحة 8 نازحين من عشيرته في بغداد، داعيًا إياه إلى توفير الأمن وحماية النازحين في مناطق العاصمة، وأضاف أيضًا أن مجموعة مسلحة اقتحمت في اليوم ذاته، أحد منازل الأسر النازحة والمهجرة من الأنبار والتي تسكن منطقة حي الجهاد في بغداد، واختطفت 8 أشخاص من الأسرة جميعهم رجال بينهم 4 من أفراد الشرطة، وأضاف أن “المجموعة أخذت المخطوفين إلى مكان غير معروف، ولكن تم العثور على جثثهم قرب مدرسة العباس في منطقة حي الجهاد في غرب بغداد، وعليها طلقات نارية في الرأس والصدر“.

واستمرارًا لعمليات القتل والاعتقالات، فقد عثرت الشرطة العراقية في قاطع بغداد – الكرخ، على جثث أربعة نازحين من الأنبار، بعد ساعتين على اختطافهم من المنزل الذي نزحوا إليه جنوب بغداد على يد ميليشيات مسلحة متنفذة.

وكما صرح مركز بغداد لحقوق الإنسان: “إنه تم العثور على جثث أربعة نازحين من محافظة الأنبار، معصوبي العينين ومصابين بطلقات في الرأس بعد وقت قصير من خطفهم على يد الميليشيات الشيعية، بحسب مصادر أمنية وطبية”.

وقال شهود عيان إن هذه الميليشيات قامت باقتحام أحد المنازل في منطقة البياع في جنوب غرب بغداد، واختطفت أربعة رجال مهجرين من محافظة الأنبار وبعد أقل من نصف ساعة عثر على جثث النازحين الأربعة في منطقة البياع، وكانت معصوبة العينين وعليها آثار إطلاق نار في الرأس.

وقامت أيضًا سيطرة منطقة السيدية جنوب بغداد باعتقال 20 شخصًا من أهل السنة يوم أمس الساعة الواحدة ظهرًا، ومن ضمن الأشخاص: فاضل سعود اللهيبي من سكنة الغزالية، ويعمل “بناء”، ووجدت جثثهم اليوم في الطب العدلي.

وقد رفضت إدارة الطب العدلي تسليم الجثث لأهاليها بتعليمات من القوات الحكومية والميليشيات.

وكما قامت الميليشيات الشيعية باقتحام منزل في الغزالية ببغداد لعائله نازحة من الفلوجة، وقتلتهم جميعًا؛ الأب وزوجته وأطفاله.

وكما اختفطت الميليشيات الشيعية عشرين شابًا سنيًا معظمهم من النازحين من منطقة الغزالية، وتم العثور على جثة 11 شخصًا فقط، وما تبقى مصيرهم مجهول.

وكما تم أيضًا إلقاء عدد من القنابل الصوتية على بيوت السنة في منطقة حي العامل من قبل الميليشيات الشيعة المتنفذة، وتهديدهم بذبحهم وعوائلهم إن لم يغادروا بغداد خلال يومين.

والجدير بالذكر، أن عددًا من الأسر السنية والأنبارية قدمت بلاغات في مراكز شرطة بغداد حول اختفاء أبنائها، وتلقيها تهديدات من الميليشيات، المسيطر الحقيقي على الملف الأمني في بغداد.

وفي تصريحات لنواب البرلمان ومجالس محافظات الأنبار، صرحوا بما يلي:

حمل عضو لجنة اﻷمن والدفاع النيابية، محمد الكربولي النائب عن الأنبار، قيادة عمليات بغداد مسؤولية ما يتعرض له نازحو محافظة اﻷنبار من عمليات خطف وبوتيرة يومية متصاعدة، وقال الكربولي في بيان إن “مايتعرض له نازحو اﻷنبار من استهداف ﻻ يمكن السكوت عنه، ونستغرب إهمال عمليات بغداد لهذا الملف مع ازدياد حاﻻت الجريمة المنظمة وتصاعد وتيرة انتشار الجثث المجهولة الهوية، وهو ما نعده تقصيرًا متعمدًا لجزء رئيس من مهامها في حفظ أمن وسلامة العاصمة وسكانها”، وطالب عضو لجنة اﻷمن والدفاع عن محافظة اﻷنبار “بتشكيل لجنة مشتركة من لجنة اﻷمن والدفاع النيابية مع قيادة عمليات بغداد لوضع خطة أمنية تحفظ أمن وحياة وكرامة نازحي محافظة اﻷنبار، والوقوف بوجه “الميليشيات الطائفية” التي أخذت تقتل وتختطف وتهجر بدون رادع لنازحي اﻷنبار وبشكل خاص في مناطق السيدية والبياع والجهاد والدورة والشعب والصليخ والحسينية وغيرها من مناطق بغداد”، على حد قوله.

أما عضو مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت، فطالب الحكومة المركزية بفتح تحقيق بجميع الحوادث التي يتعرض لها نازحو المحافظة في بغداد من تهديد وقتل، وقال كرحوت في تصريح صحافي إن “مجلس محافظة الأنبار يطالب الحكومة المركزية ووزارة الداخلية بفتح تحقيق بجميع الحوادث التي يتعرض لها نازحو المحافظة في جميع مناطق بغداد من تهديد وقتل على يد مجموعات إرهابية وإجرامية”، داعيًا إلى توفير الأمن والأمان والحماية اللازمة للأسر النازحة المهجرة التي تسكن جميع مناطق بغداد.

وصرح عضو مجلس عشائر الأنبار فارس الدليمي، لـ «الشرق الأوسط» إن «ما يحصل لنازحي الأنبار في بعض مناطق بغداد ورغم ما يصاحبه من تهويل إعلامي، صحيح ومؤسف جدًا حتى لو كان مجرد حالات فردية، رغم أن قناعتنا أن الأمر تعدى ذلك خصوصًا أن من يقوم بذلك عناصر خارجة عن القانون بينما لم تتمكن الحكومة من لجم هذه العناصر!

وكما يبدو أن السنة جميعهم مستهدفون؛ فمن هرب من تنظيم الدولة الإسلامية والحروب والقصف إلى بغداد تم قتله وإذلاله وتهجيره، حتى إن من بين المغدروين أفراد شرطة وعشائر قاتلت التنظيم؛ إلا أن ذلك لم يشفع لهم!، نحن فعلًا أصبحنا في عالم الإرهاب له هوية وحقوقه محفوظة وله طائفة ولا بواكي على قتلى السنة المدنيين، فنحن في بلد أصوات النشاز هي الأعلى، وبوجود قنوات طائفية حكومية يملكها شخصيات وساسة متطرفون كالمالكي الذي يملك قناة آفاق وغيرها العديد، التي تبث أفكار أن جميع السنة هم دواعش وإرهابيون أو حواضن للإرهاب ويجب القضاء عليهم”.

1

52

62

72

وكما هو مبين في الفيديو الذي انتشر في مواقع التواصل: رجل شيعي يهدد العوائل السنية، وهو جالس في إحدى الدوائر الحكومية وبجانبه العلم العراقي!

https://youtu.be/WWoCMIgUtEw

وكانت هذه بعض التغريدات التي نقلها بعض الإعلاميين:

ذكر الصحفي زياد السنجري:

2

وذكر مركز أخبار العراق:

3

وذكر الصحفي والكاتب إياد الدليمي:

4

وذكر الإعلامي الميداني أحمد الجميلي:

وهكذا، بدأ النازحون في بغداد ينزحون من حي إلى حي هربًا من الموت؛ حيث قامت العديد من العائلات النازحة بتغيير مناطق سكناها، وانتقلت إلى مناطق اليوسفية وأبو غريب والأعظمية والعامرية، وهي مناطق سنية تسكنها عشائر عربية أصيلة.

والجدير بالذكر، أن هذه التصرفات وأعمال القتل والخطف والتفجير لم تكن صدفة أو أعمالًا فردية؛ بل إنه تم تهديد السنة في بغداد على العموم ونازحي الأنبار على وجه الخصوص أكثر من مرة، وقد ذكرت ذلك في التقرير السابق “ملايين يبحثون عن وطن”.

وإن هذه الممارسات جعلت أهالي الأنبار بين خيارين (السيئ والأسوأ)، وهما: إما العودة إلى مناطق سيطرة التنظيم، حيث الحرب والقصف العشوائي غير المدروس والذي لا يفرق بين مدني ومسلح، أو البقاء في بغداد والتعرض لما هو أسوأ من قبل الميليشيات المنفلتة في بغداد؛ الأمر الذي جعل كثير منهم يتوجهون إلى كردستان أو العودة إلى مناطقهم في الأنبار والرمادي؛ لأن موتهم في بيوتهم أهون عليهم من الموت في الغربة، ولأن الأنبار معروفة بصمودها وبمقاومتها أو ربما قد تعبوا من هذه الحياة وسلموا للأمر الواقع، وأصبحوا ينتظرون اللحظة التي تكتم بها أنفاسهم ويعيشون الراحة الأبدية بعيدًا عن هذا الجحيم، وهذا كلام أغلب ممن التقيت بهم.

وهنا لا يختلف ختامي عما سبقه، وكيف أن هؤلاء أصبحوا مجرد أرقام في سجلات المنظمات والناشطين، يهرعون إلى حيث الأمان ويكافحون لإثبات مواطنتهم وأنهم عراقيون في بلد لم يعد يقوى على حمل أبنائه وهمومهم! وتجول في خواطرهم أسئلة: ما الذنب الذي اقترفناه؟ ومن المسؤول عما حدث؟ ومن الذي يعيد إلينا حقوقنا المسلوبة؟ وأين سنشعر بالأمان إذا كان الوطن أكثر الأماكن رعبًا بالنسبة لنا! والأهم نحــــن إلى أين؟

عمر علي – التقرير