القاهرة – تتعمد الحكومة المصرية اتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة في غمرة انشغال المواطنين بالعطلات والمواسم، كي لا يكون هناك أي مجال للاحتجاج أو التعبير عن الرفض في الشارع، ومن ثم نسيان المسألة برمتها، اعتمادا على وقائع سابقة مشابهة تمت بنجاح.
وأعلنت الحكومة المصرية، السبت، عن زيادة جديدة ذات مفعول فوري لأسعار المحروقات تصل إلى 50 بالمئة. كذلك شمل القرار زيادة أسعار أسطوانات الغاز، وهي زيادات من شأنها أن تعكر فرحة المصريين بالعيد.
وستؤثر زيادات غاز الطهي بشكل مباشر على سكان القرى والنجوع أكثر من سكان المدن التي يشيع فيها استخدام الغاز الطبيعي.
وتأتي زيادة أسعار الوقود بعد أيام قليلة من زيادة أسعار الكهرباء والمياه ومترو الأنفاق وعدد من الخدمات المقدمة للمواطنين في إطار إصلاحات تقول الحكومة إنها ضرورية لمعالجة عجز الميزانية ووضع الاقتصاد على مسار النمو لكنها تزيد العبء على كاهل المصريين.
وتحمل الزيادة المتواصلة في الأسعار، ارتباكا في حسابات الكثير من الأسر المصرية، ولا تضع الحكومة في اعتبارها حجم الأعباء وتداعياتها المجتمعية، وتحاول تبريرها بأشكال عدة وعبر حملات إعلانية مدفوعة الأجر، تؤكد أنها ضرورية وليس هناك فكاك منها.
ومن المتوقع أن تستمر الحكومة في نهجها في غمرة انشغال المصريين بمباريات كأس العالم، وأداء منتخب بلادهم.
وبدأت قصة التوقيتات المثالية للقرارات مع تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في يونيو 2014، ولديه يقين بأن المصريين لن يثوروا مرة أخرى وهم يرون مصير الثورات في بلدان مثل سوريا واليمن وليبيا، ويصر على تطبيق قرارات إصلاحية تحمل تبعات مباشرة على المعيشة، ما يدفع إلى ضرورة التخطيط لإدارة الغضب وضبط ردود الأفعال، اعتمادا على تقارير الأجهزة الأمنية التي ترى صعوبة بالغة في حدوث غضب جديد بين المصريين.
وأعلنت السلطات المصرية، السبت، أن هناك انتشارا أمنيا بدأ في محطات الوقود ومواقف سيارات الركاب، عقب زيادات جديدة أعلنتها الحكومة الجديدة.
وأوضحت وزارة الداخلية، في بيان، عقب زيادة حكومية لأسعار الوقود وتعريفة الركوب، أن “الأجهزة الأمنية كثفت الخدمات الأمنية والمرورية بمحيط محطات الوقود ومواقف سيارات الركاب لضبط ما يقع من مخالفات”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، عن مصدر أمني مسؤول قوله، “من يخالف التعليمات، ولم يلتزم بالتعريفة الجديدة للنقل بين المحافظات المختلفة، وفقا للأسعار المحددة والمعتمدة بهذا الشأن، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده”.
وفي يوليو من العام الماضي، اتخذت الحكومة المصرية قرارا بزيادة أسعار الوقود بعد انتهاء إجازة عيد الفطر بيومين فقط، وصدر القرار، الخميس، لكن هذه المرة صدر القرار، السبت، في ثاني أيام العيد.
وفي العام السابق 2016 وتحديدا في الخميس الموافق لـ3 من نوفمبر، أصدرت الحكومة قرارين خطيرين الأول بتحرير سعر الصرف، والثاني بزيادة أسعار المنتجات البترولية، ما أدى إلى أكبر موجة تضخم في تاريخ مصر الحديث، وصلت إلى 35 بالمئة في أبريل 2017.
وصار يوم الخميس مقترنا لدى الناس بالقرارات الموجعة، ما دفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق نكات وتعليقات ساخرة على ذلك اليوم باعتباره يوم شؤم. وظل كثيرون يتندرون بأنهم يحمدون الله إن مر الخميس دون قرارات برفع الأسعار.
وفي تصور البعض من المراقبين، فإن الأجهزة الأمنية تعلمت الدرس منذ مظاهرات الخبز الشهيرة في يناير 1977 عندما أدت قرارات زيادة أو تحريك الأسعار التي أعلنتها الحكومة في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، إلى انتفاضة شعبية عارمة أشعلها الطلبة وشارك فيها عمال وموظفون، وسقط فيها 79 قتيلا، ما دفع السادات إلى إعلان حظر التجوال والتضحية بالحكومة وإلغاء قراراتها على مضض.
ويترقب المصريون مع بداية العام المالي الجديد (يوليو المقبل) موجة جديدة من غلاء الأسعار على وقع رفع أسعار المحروقات ضمن حزمة من الإجراءات القاسية التي بدأتها الحكومة في نهاية عام 2016 والهادفة إلى رفع الدعم عن الوقود بالكامل، في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تطبقه الحكومة ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي حصلت بموجبه على قرض من الصندوق بقيمة 12 مليار دولار.
وتوقع محمد عبدالغني، عضو تكتل 25-30 المعارض في البرلمان المصري، أن الزيادة المرتقبة سترفع الأسعار بنسبة لا تقل عن 15-20 بالمئة.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “سنعاود مرة أخرى المعاناة من التضخم الذي يمكن أن تستمر آثاره حتى نهاية العام الجاري ولن تجدي معه الحوافز والعلاوات الاجتماعية، وهذه القرارات تمثل عامل ضغط أساسيا على الطبقة الوسطى، ما يؤدي إلى تآكلها وانقراضها”.
العرب