ترفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الرضوخ لضغوط حزبها (الاتحاد المسيحي الديموقراطي) وحليفها في الحكومة (الاتحاد المسيحي الاجتماعي)، وتواجه وحدها الحملة الشعواء ضد المهاجرين ليس في ألمانيا فقط، بل في أوروبا والعالم.
في هذا الوقت يحرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشعب الألماني ضد المستشارة ويدعوه إلى “الانقلاب على المستشارة بسبب سياستها الانفتاحية تجاه اللاجئين”، في حين تتسع فيه دائرة الاستنكار للصورة التي نشرها المصور الأميركي جون مورو للطفلة الهندوراسية البالغة عامين، وهي تبكي أثناء تفتيش أمها على الحدود المكسيكية الأميركية وفصلها عنها، ونقلها لاحقاً إلى مكان احتجاز خاص، بينما يتم إيداع أمّها في السجن حسب سياسة ترامب الجديدة (تراجع ترامب أمس عن قرار الفصل) التي تم بموجبها فصل 1995 قاصراً عن ذويهم منذ 19 أبريل/ نيسان الماضي حتى 31 مايو/ أيار، حسب إحصاءات وزارة العدل الأميركية.
وفي الوقت ذاته، يوعز ترامب لوزير خارجيته مايك بومبيو وممثلة بلاده في الامم المتحدة نيكي هايلي من أجل الانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وفعلاً سارعت المندوبة بإعلان الأمر وبات المقعد الأميركي شاغراً اعتباراً من يوم أمس خلال اجتماعات الدورة الحالية لمجلس حقوق الانسان.
انسحبت الولايات المتحدة حتى الآن من اتفاقية باريس للمناخ، ومن الاتفاق النووي مع إيران، ومن اليونسكو، وقطعت التمويل عن وكالة الأونروا. والسبب في ما يخص مجلس حقوق الانسان والأونروا واليونسكو هو إسرائيل، حيث تعتبر إدارة ترامب الأمم المتحدة منحازة ضد إسرائيل، ولهذا السبب لم يحظَ أي من قرارات الانسحاب بأي استحسان من أي عضو في الأمم المتحدة ما عدا اسرائيل.
تكاد المستشارة الألمانية أن تكون وحيدة اليوم وسط أوروبا جديدة، لا يتمتع أي من حكامها بأخلاق بُناة أوروبا التي قامت على احترام الحريات والحفاظ على حقوق الإنسان وتجريم العنصرية ضد الأجانب، لا بل أن الرابطة الأوروبية الغالبة اليوم هي القائمة على كراهية الأجانب، ولذلك يجري العمل على ترويج خطاب إعلامي عنصري يمهد لحملات طرد للمهاجرين من أوروبا. ويعكس تشكيل الحكومة الإيطالية برئاسة جيوسبي كونتي مظهراً من صور الخوف من المستقبل الأوروبي القادم، والذي تجلى حين رفضت هذه الحكومة إنقاذ سفينة مهاجرين على متنها قرابة 700 لاجئ، وكادت تغرق في البحر لو لم تبادر الحكومة الإسبانية الجديدة إلى نجدتها.
الحكومة الإيطالية المكونة من العنصريين هي التي ترضي ترامب، ونتنياهو حكماً، لأنها تعامل الهاربين من العنف والجوع بقسوة أكبر بأن ترمي بهم لأسماك البحر، ولا تكترث لمصير أحد مهما كانت معاناته. وقالت صحيفة “لوموند” في افتتاحية اليوم أن الرئيس الأميركي، الذي يرى أن “القوة تعلو فوق أي شيء آخَر من أشكال الفضيلة”، أعجبَته هذه الأزمة: “الدرجة الصفر للتسامح”. وقد طبَّقها على الهجرة غير القانونية، وأصبحت تُتَرجَم، من الآن فصاعداً، في الفصل بين أفراد هذه العائلات”. و”بينما يُحاكَم الآباءُ بسبب جريمتهم، حسب القانون الأميركي، فإن الأطفال، وأحياناً من يوجدون في سنّ مبكرة، يتمّ وضعهم في أقفاص في مراكز الاعتقال”.
يعمل الرئيس الأميركي على إشاعة ثقافة جديدة تقوم على التزوير، وقد نجح حتى الآن في أن يخلط بين الهجرة السرية والهجرة بشكل عام، وأن يحول قطاعاً من الإعلام في هذا الاتجاه، ويحرك رأياً عاماً عنصرياً ومعادياً للأجانب كي يمشي في هذا الطريق، وهو يفتح الباب للعنصريين الذين يحكمون في بعض البلدان لاستصدار قوانين على درجة كبيرة من الخطورة، مثل الذي أصدرته الحكومة المجرية أمس، والذي يجرم المنظمات التي تساعد المهاجرين.
ما يقوم به ترامب أمر في غاية الخطورة لأنه يقود العالم في اتجاه كارثي، لينسف كل ما وضعته البشرية بعد الحرب العالمية الثانية من قوانين لصالح حقوق الإنسان، وهو من خلال تقويض مؤسسة الأمم المتحدة، إنما يريد تكريس الفوضى وإشاعة الخراب.
بشير البكر
العربي الجديد