من المقرر أن يجتمع وزراء النفط في “منظمة الدول المصدرة للبترول” (“أوبك”) في نهاية هذا الأسبوع في فيينا لمناقشة حجم إمدادات النفط المستقبلية. ففي مرحلة ما من الماضي، كانت أمريكا لترتعش خوفاً ممّا قد تقرره “أوبك”. ولكن تبعات هذا الاجتماع المقبل، على الرغم من أهميته، لا تعتبر مصيرية بالنسبة للولايات المتحدة،. ومع ذلك، من المرجح أن تتأثر بلدان أخرى نظراً لأهمية هذا الاجتماع.
وهناك العديد من النواحي التي سيتم مناقشتها، ولكنها تختلف باختلاف نظرة المتتبع. فإذا كان اهتمام وزراء النفط بالأسعار والعائدات، فإن اهتمام شركات النفط هي بالأرباح، في حين يتحمّس محللو الشؤون النفطية للتفاصيل الدقيقة. أما كاتب هذه السطور فهو مجرّد مستهلك عادي مهتمّ برخص سعر النفط، وموثوقيته، وبالكتابة عن الموضوع.
ويجدر بالذكر أن “أوبك” ليست في حالة فوضى، ولكن التوترات هائلة داخل هذا الاتحاد بأعضائه الأربعة عشر. فسعر النفط آخذٌ في الارتفاع، وقد تخطّى ثمن سعر برميل نفط خام برنت مستواه البالغ 80 دولاراً مع العلم بأن سعره ناهز الـ 75 دولار في منتصف هذا الأسبوع. وهذا ثمن باهظ يتسبب بإبطاء النمو الاقتصادي العالمي – الأمر الذي من شأنه أن يقلل على المدى الطويل من الطلب على النفط. وهذا ليس في مصلحة “أوبك”.
وماذا عن النفط الصخري الذي تملكه الولايات المتحدة؟ أليس من المفترض أن يكون هذا الصخر منقذنا من الاستغلال من قبل “أوبك”؟ إن القرار بهذا الشأن لم يُتّخذ بعد لأن المئات من المنتجين الأمريكيين الصغار المستقلين لا يعملون بالضرورة بصورة منسقة، في حين عادةً ما تمتلك حكومات “أوبك” شركات نفط مملوكة للدولة يمكن إعطاؤها الأمر برفع السعر أو خفضه. بالإضافة إلى ذلك، هناك”مشاكل في البنى التحتية” في الولايات المتحدة – وهذه عبارة اصطلاحية تعني الافتقار إلى ما يكفي من الأنابيب الضخمة لضخ النفط من الحوض البرمي أو حقول باكن إلى مصانع التكرير لمعالجته.
بيد، سيكون مصدر التوتر الرئيسي يوم الجمعة هو المواقف المتضاربة للأعضاء المتخاصمين داخل “أوبك”، أي المملكة العربية السعودية وإيران. فالخلافات بينهما كثيرة، وعادة لا يخاطبان بعضهما البعض، ناهيك عن الجلوس إلى الطاولة نفسها. وصحيح أن الطرفين يتفاديان توجيه الإهانات المباشرة إلى أحدهما الآخر، ولكن عندما انتقد وزير الطاقة الإيراني بيجان زنكنة الرئيس ترامب أمام الإعلام يوم الثلاثاء، مضيفاً أن “أوبك ليست جزءاً من إدارة الطاقة في الولايات المتحدة”، كان التلميح واضحاً، وخصوصاً على ضوء التقرير الذي أفاد أن البيت الأبيض كان قد طلب مؤخراً من السعودية زيادة الإنتاج.
ومن اللافت للنظر أن الخلاف الرئيسي في السياسة النفطية بين البلدين قد انقلب في الآونة الأخيرة. فقد أرادت إيران إبقاء الأسعار منخفضة لكي تتمكن من الحفاظ على الطلب وحصتها في السوق. أما الآن وقد لاح في الأفق شبح عقوبات أمريكية جديدة، أصبحت إيران تريد أسعاراً عالية. وفي المقابل، كانت السعودية تفضّل فرض حدود على الإنتاج لإجبار الأسعار على الارتفاع، أما اليوم فتريد ضبط الأسعار لتفادي انخفاض الطلب. (مع الإشارة إلى أن الرياض تضررت من كلتا السياستين – فالعائدات غير كافية لتمويل طموحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإحداث تحوّل اقتصادي).
والجدير بالذكر أن اجتماع يوم السبت لن يضم دول “أوبك” فحسب – بل سيشمل روسيا التي تعد أهم دولة مصدّرة للنفط من خارج “أوبك”، إلى جانب دول أخرى. ووفقاً لبعض التقارير لن يكون الوزير زنكنة حاضراً مع أنه من المحتمل أن يجري محادثة مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك على أي حال.
أما فحوى اجتماع السبت فسيتمثّل باتفاق روسيا والسعودية على خفض الإنتاج لإصلاح وضع السوق خلال الأشهر القليلة المقبلة. فهاتان الدولتان هما المنتجان الوحيدان اللذان يملكان احتياطيات كبيرة تمكّنهما من توفير كمية إضافية من النفط سريعاً. ومن الممكن ألا يتم التوصل إلى أي اتفاق خلال اجتماع الجمعة، ولكن بقية دول “أوبك”، ومن بينها إيران، ستكون مضطرة للتقيد بما يتم الاتفاق عليه يوم السبت.
وفي كلا الاجتماعين، ستكون الولايات المتحدة متفرجاً بعيداً، على الرغم من أنه يمكن توقع تغريدة أو اثنتين من الرئيس ترامب. ومن شأن هذين الاجتماعين أن يرسّخا المحور الروسي السعودي الذي تبلور على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، على الأقل في مجال النفط. فالشراكة الأولى التي أقامها الطرفان للحد من الإنتاج بدأت منذ ثلاث سنوات خلال إدارة أوباما، وجاءت بشكل جزئي ردّاً على الاستياء السعودي من واشنطن.
فهل يمكن أن يتوسّع هذا المحور إلى مجالات أخرى كالدبلوماسية أو المعدات العسكرية مثلاً؟ هذا ممكن. فالصور التي نشرت مؤخراًللرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يشاهد إحدى مباريات كأس العالم لكرة القدم مع الأمير محمد بن سلمان توحي بأن الصداقة بين الاثنين قد تكون آخذة في التطور.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن